يتراجع الجنيه المصري بحدة في وقت تحاول فيه مصر تحرير عملتها من الارتباط بالدولار.
ويشرح عدد من المحللين والخبراء الاقتصاديين سبب انخفاض العملة في أكثر دول العالم العربي من حيث عدد السكان ولماذا يحدث ذلك فيها بشكل مفاجئ.
وهبط الجنيه 40 بالمائة مقابل الدولار في 2022، وهو من أسوأ عملات الأسواق الناشئة أداء العام الماضي، كما بدأ العام 2023 بانخفاض أكثر من 7 بالمائة.
وجاءت التقلبات الدراماتيكية نتيجة لما وصفه براد سيتسر، عضو مجلس العلاقات الخارجية والخبير في التجارة العالمية وتدفقات رأس المال، بمحاولات مصر للابتعاد عن “المرساة الفعلية” للدولار.
في أسواق الصرف، يتم تداول العملات مثل الدولار الأمريكي أو اليورو أو الجنيه الاسترليني بحرية، وهذا يعني أن قيمة كل عملة يتم تحديدها من قبل المشترين والبائعين حسب سعر السوق، وصعود كل عملة أو هبوطها، بعكس ما يجري بمصر حيث تحاول الحكومة إدارة سعر صرف الجنيه، حيث بلغ سعر الصرف الرسمي للدولار حوالي 16 جنيهًا مصريًا بين عامي 2018 و2021.
ربط الجنيه المصري بالدولار
وقال سيتسر لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن مصر ربطت عملتها تقليديًا بالدولار.
وأوضح أن الحكومات تدير سعر الصرف بطرق متعددة، ولكن الطريقة الأكثر وضوحًا هي أن تستخدم البنوك المركزية احتياطاتها من العملات الأجنبية.
وأضاف “البنك المركزي المصري يبيع عندما يكون هناك نقص في السوق ويشتري عندما يكون هناك زيادة في العرض”.
وتشيع عمليات ربط العملات في الشرق الأوسط، فقد ربطت دول الخليج جميع عملاتها بالدولار لأن معظم إيراداتها تأتي من النفط المسعّر بالدولار.
أما مصر التي لديها أيضًا مصادر دخل أجنبية – التحويلات من الخارج، وعائدات السياحة، ورسوم قناة السويس –فلا تقترب من مستوى جيرانها الأكثر ثراءً.
وتنفي الحكومة المصرية إدارتها للعملة، لكن محللين واقتصاديين يقولون إن القاهرة تدعم الجنيه للحفاظ على استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم.
وقال سيتسر “مصر لا تملك احتياطات من النقد الأجنبي أو تدفقات أجنبية للحفاظ على سعر صرف ثابت”.
وذكر تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين العالميين في بنك فرونتير للاستثمار، رينيسانس كابيتال، لــ “ميدل إيست آي” أن عملية الربط تعني استمرار الدولارات بالتدفق إلى خارج البلاد.
وفي محاولة لحماية الدولار الشحيح، طلبت الحكومة المصرية من المستوردين تقديم خطابات اعتماد، مما خلق طلبًا على الدولار في السوق السوداء.
قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر / كانون الأول إن الحكومة ستساعد البنوك في توفير العملة الأجنبية لتصفية الأعمال المتراكمة.
ديون مصر
ويبلغ الدين المستحق لمصر 45 مليار دولار هذا العام لكن هناك مشكلة في العثور على دائنين، سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث سحب المستثمرون الأجانب 22 مليار دولار من سوق الديون، حيث أن أسعار الفائدة المرتفعة في الغرب حولت مصر إلى وجهة غير مرغوب فيها للمستثمرين الأجانب.
وقال باتريك كوران، كبير الاقتصاديين في شركة (Tellimer Ltd)، وهي شركة أبحاث سوق ناشئة، لــ “ميدل إيست آي” أن مصر حافظت على سعر الصرف عند مستوى عالٍ بشكل مصطنع، كما أن عليها ديونا ضخمة بالدولار “.
الدين الخارجي لمصر
قال كوران: “عملاؤنا لن يضعوا أموالهم في البلاد حتى يصبح سعر الصرف عند مستوى لتحقيق الاستقرار في السوق”، مضيفا أن الأسواق لا تزال مسعرة بنسبة 20 في المائة العام المقبل ويتم تداول العملة بأقل من سعرها في السوق السوداء.
وفي ديسمبر الماضي لجأت مصر إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرضها الرابع في ستة أعوام.
وكجزء من الصفقة التي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار، وافقت القاهرة على التحول إلى “نظام سعر الصرف المرن” الذي يتيح تحديد قيمة الجنيه من قبل قوى السوق، ومنذ ذلك الحين شهد الجنيه العديد من الانخفاضات المفاجئة.
وقال كوران:” ما رأيناه خلال فترات الركود هو أن الحكومة ترفع أيديها عن عجلة القيادة وتسمح للجنيه بالتكيف مع العرض والطلب”.
انخفاض قيمة العملة المصرية
ومع انخفاض قيمة الجنيه، تزداد تكلفة الواردات لتدخل البلاد في نوع من التقشف الوطني.
ويقول روبرتسون، من رينيسانس كابيتال، إن ما تحتاجه مصر هو إنتاج المزيد واستهلاك أقل خاصة من الخارج.
وقال “مع ضعف العملة ستصبح الصادرات المصرية أرخص وأكثر قدرة على المنافسة وهذا رد طويل الأجل، لكن التأثير المباشر هو انخفاض في الطلب على الواردات”.
ويعاني المصريون من ارتفاع حاد في أسعار كل شيء من الأدوية إلى الإلكترونيات مع انخفاض قيمة الجنيه.
وتتوقع شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية ومقرها لندن أن يصل التضخم في مصر إلى 27 في المائة بنهاية الربع الأول من هذا العام ليزيد أيضًا من انخفاض قيمة العملة.
وفي نوفمبر الماضي، بلغ معدل التضخم في مصر 18.7 في المائة، حيث تقول كابيتال إيكونوميكس إن هناك دلائل على أن انخفاض قيمة العملة بدأ يسري حيث تستفيد البلاد من زيادة القدرة التنافسية للصادرات.
وخوفا من انهيار اقتصادي محتمل، خصصت دول الخليج مليارات الدولارات لدعم الاقتصاد.
لكن سيتسر توقع أن يزداد الأمر صعوبة “بالنسبة لعامة المصريين، وختم بالقول:” الخطر هو خروج ديون مصر عن السيطرة”.