هذه أشجار الزيتون.. كتاب مصور للأطفال يحكي عن الأرض والتراث والهوية في فلسطين

بقلم أزاد عيسى 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

مرت ساعات عصر يوم الإثنين الماضي ببطء على مدينة نيويورك التي أصابت رطوبة الجو فيها وحرارة صيفها الحارقة سكانها بالخمول لأسابيع. وبأريحية بادية، اقترحت آية غنمه أن نلتقي للحديث عن كتابها الأول في مقهى تغمره رائحة القهوة الكولومبية المنعشة.

وبعد أن اتخذنا لأنفسنا مكاناً على إحدى طاولات المقهى وتبادلنا المجاملات، جلسنا للحديث عن كتابها الجديد الخاص بالأطفال، “أشجار الزيتون هذه: قصة عائلة فلسطينية”.

يقع الكتاب في 40 صفحة تناسب الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث إلى خمس سنوات (رغم اعتقادي أن الأطفال الأكبر سنًا سيتعلمون منه أيضًا)، وهو عبارة عن قصة تدور أحداثها حول نزوح عائلة فلسطينية كانت تقيم في مخيم للاجئين في نابلس، ثم توزع أفرادها بعد حرب 1967 في العديد من الدول العربية.

بطلة قصة الكتاب فتاة صغيرة تدعى عريب، روت سيرة علاقة عائلتها بالأرض التي مثلتها بشكل رمزي أشجار الزيتون المزروعة على أطراف المخيم.

سميت عريب بالأساس على اسم جدة آية، البالغة من العمر 70 عامًا، التي كانت تتبع والدتها في أرجاء المخيم وتشاهد زراعة الزيتون وقطف ثماره لاستخدامه في صناعة الصابون وإنتاج الزيت.

وحين اضطرت عائلتها إلى النزوح مرة أخرى بسبب الحرب الجديدة، كان من الطبيعي أن تتساءل عريب عن مصير المحاصيل، وتسأل:” ماذا عن أشجار الزيتون؟”

من مشروع مدرسي إلى صفقة كتاب

نشأت آية، 24 عامًا، في الأردن قبل انتقالها إلى الولايات المتحدة كطالبة عام 2018 حيث درست فن الرسم في مدرسة رود آيلاند للتصميم (RISD)، وكانت تقضي جلّ وقتها في شرح وتوضيح الرسوم الهزلية التي تدور في كثير من الأحيان حول هويتها الفلسطينية.

وتقول آية أنها كفنانة ناشئة، لم تكن تنوي التركيز على فلسطين، لكن المشاعر المعادية للفلسطينيين في الولايات المتحدة جعلتها ترغب في إعادة تأكيد تاريخها وهويتها الفلسطينية من خلال توضيح ذلك في مشروع مدرسي تحول إلى مسار خاص.

فبعد أن أكملت المشروع وحصلت على درجة A، نشرت صورًا لكتابها الافتراضي على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدت نفسها غارقة في الإجابة على الاستفسارات عن كيفية شرائه، لكنها كانت تخبر المهنئين بسرور أن الكتاب مجرد مشروع مدرسي وليس للبيع.

وبعد أن تواصلت معها إحدى جهات النشر التي اقترحت عليها نشر الكتاب، سرعان ما عثرت آية على وكيل طلب شراء حقوق الكتاب مع التوسع فيه قليلاً، ليكن ذلك الوكيل شركة النشر العملاقة Penguin Random House’s Viking.

لقد عينت الشركة آية في وقت سابق من هذا العام مصممة كتب،  وهي الآن تصمم جيلاً كاملاً من الكتب المصورة والورقية والروايات المصورة لذات الشركة.

وكواحدة من عشاق رواية جو ساكو المصورة الشهيرة “فلسطين” خلال دراستها في المدرسة الثانوية، كانت آية تفكر بإعداد رواية مصورة على الورق، وقالت وهي مبتسمة لكن الأمر انتهى ككتاب للأطفال “في الوقت الحالي”.

البحث في أرشيف الذكريات

حينما بدأت البحث عن أشجار الزيتون هذه، أخذت آية في تفحص ألبومات الصور وأشرطة الفيديو القديمة، وسجلت ملاحظات حول الملابس والأشخاص والمناظر الطبيعية التي شاهدتها.

فكان فستان عريب المتواضع ذو المربعات والجوارب البيضاء هو ما رصدته آية في شريط فيديو عائلي، وكان شارب جدها الأكبر وتصفيفة شعره مستوحيين أيضًا من شيء رأته في صورة عائلية.

وتوضح آية: “لا يوجد الكثير من التمثيل في كتب الأطفال عن فلسطين، أو ما حدث في فلسطين”.

ثم ركزت بعد ذلك على أشجار الزيتون التي توصف عادةً بأنها رمز الصمود الفلسطيني.

وتقول آية: “إن الكثير من الثقافة والاقتصاد والتراث الفلسطيني متجذر في أشجار الزيتون منذ قرون، فالكثير من الأشجار راسخة هناك منذ آلاف السنين، فمن الطبيعي أن تصبح رمزاً للمقاومة الفلسطينية”.

ولكن لجعل القصة مناسبة ومستساغة لجمهور أوسع، فإن القصة نفسها لا تصور تصرفات الجنود الإسرائيليين، فالنص يخلو من كلمات مثل “الاحتلال” أو “الاستعمار الاستيطاني”، لكن الصور هي التي تتحدث بدلاً من ذلك. 

فمثلاً عندما تواجه العائلة خطر الطرد، تحوم أيادي شَبَحية كبيرة وواسعة فوق فلسطين، مما يدل على استيلاء الإسرائيليين عليها.

القصة في أبسط صورها هي قصة تصور حياة فتاة فلسطينية صغيرة وارتباطها بأشجار الزيتون، التي تمثل رمزًا صامدًا وحازمًا للهوية والانتماء الفلسطيني، حيث يقع ذلك في السياق الأوسع وغير المعلن للتوسع الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وتدمير المنازل والمزارع وسبل العيش.

والنتيجة هي كتاب رائع وجريء أيضًا للأطفال، فمع تقليب الصفحات، يكشف الكتاب عن قصةٍ تقدم الفلسطينيين، مَثَلُهم كمَثَل أشجار الزيتون التي يبلغ عمرها ألف عام، خداماً للأرض.

فعندما تروي عريب كيف تم نفي عائلتها لأول مرة في عام 1948، تبدو أشجار الزيتون وكأنها تنهار في محنة، ثم عندما انتقالهم مرة أخرى في عام 1967، لاحظت عريب رد فعل الطبيعة على الأزمة القادمة والاحتلال، حيث تصف ذلك قائلةً: “تلبدت السماء بالغيوم وحلت الكآبة على الأرض حين وجدت الحرب طريقها إلى نابلس”.

وعندما أدرك الفلسطينيون، لاحقاً، أنه يتعين عليهم حزم أمتعتهم والمغادرة، غرست عريب حبة زيتون في التربة مخاطبة إياها: “انتظريني. في يوم من الأيام، عندما نكبر، سأعود إليك من أجل الحصاد”.

وتشير آية إلى إن القصة ليست فريدة من نوعها بالنسبة لتجارب عائلتها، حيث قالت: “إنها ليست قصة جدتي فحسب، بل إنها حرفيًا قصة كل لاجئ فلسطيني”.

ولضمان عدم فقدان أي من الفروق الدقيقة، نظرًا للقيود النوعية على إعداد كتب الأطفال، أوضحت آية أنها أضافت ملاحظة في نهاية الكتاب حتى يتمكن الآباء من فهم القصة الفلسطينية بشكل أفضل، ولحثهم على مواصلة تثقيف أبنائهم حولها.

في المذكرة، تشرح آية بإيجاز السياق الأوسع للنكبة والطرد القسري للفلسطينيين في عام 1948، واستمرار تهجير الفلسطينيين من أراضيهم في ظل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. 

وكتبت: “النكبة ليست قصة واحدة يمكن سردها في كتاب، وهي ليست قصة عريب فقط، بل هي قصة كل طفل نازح، من الاحتلال العسكري لنابلس إلى الحصار المفروض على غزة. إنها قصة كل لاجئ فلسطيني محكوم عليه بالحياة في مخيمات اللاجئين، وقصة كل شجرة زيتون لا تزال قائمة، مثل أشجار الزيتون هذه، ما زلنا هنا”.

في الحقيقة، فإن آية تأمل أن يزرع هذا الكتاب بذرة في عقول الأطفال في الولايات المتحدة وغيرها، حيث تقول: “أردت أن أكتب شيئًا يبدو عالميًا بعض الشيء. وبسبب الهيمنة الكبيرة للرواية الصهيونية، فمن المهم أن نستمر في الحديث عما حصل معنا، إنه شكل من أشكال قول الحقيقة وهذا هو المهم بالنسبة لي.”

يذكر أن آية غنمه ستتحدث في “مهرجان فلسطين تكتب الأدب” الذي سيعقد في فيلادلفيا بين 22 و24 أيلول/ سبتمبر 2023 .

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة