هكذا استغل الغرب الثورية الإسلامية لتشويه الإسلام طيلة القرن الماضي

بقلم أندرو هاموند

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

يمكننا أن نتفهم نكران المسلمين لأنفسهم عندما نستمع إلى حديث المسؤولين الغربيين المألوف عن الإسلام، ذلك أن تأطير الإسلام، كما ورد في العبارة الشهيرة لإدوارد سعيد، هو لعبة قديمة لكن مدى إلصاق التطرف بتعريف الإسلام هو في الواقع نتاج للتلاعب الغربي، ولا يزال يتعين فهمه وتقديره بشكل كامل.

فعلى مدار سنوات القرن التاسع عشر، عندما وجدت الدول الغربية أنها اكتسبت قدرة غير مسبوقة على تنظيم العالم، بدأ الباحثون الإمبراطوريون في تأطير الإسلام باعتباره ديناً عفا عليه الزمن وغير عقلاني وعنيف سيما بسبب قدرته على إلهام مقاومة القهر الأجنبي.

أصبح هذا الخطاب منتشراً إلى درجة أن القيصر الألماني طلب من المفتي العثماني الأكبر إصدار فتوى تعلن الجهاد في عام 1914 ضد دول التحالف على أمل أن تدفع تلك الفتوى الجماهير المستعمرة للثورة ضد مستعمريهم البريطانيين والفرنسيين.

وتعاونت الحكومتان العثمانية والألمانية في برنامج سري للدعاية في زمن الحرب، حيث سافر علماء الدين والمثقفون العرب والأتراك إلى ألمانيا، وكتبوا منشورات وحاولوا قلب أسرى الحرب المسلمين ضد الإمبراطوريات.

لقد كانت الانتفاضة الإسلامية الكبرى صورة من خيال الاستشراق، ولكن عندما اندلعت الثورة الروسية عام 1917، لمعت لأول مرة في العقل الإمبراطوري البريطاني فكرة مفادها أن الإسلام، أياً كان تعريفه، ربما يكون مفيداً كقلعة في مواجهة اليسار السوفييتي.

عسكرة الإسلام

وكما أوضحت بريا ساتيا، فقد طور مؤرخون يعملون مع المخابرات البريطانية مثل أرنولد توينبي اهتماماً مفاجئاً بالاتجاه السياسي لتركيا ما بعد الحرب، خوفاً من جذبها من قبل روسيا السوفيتية قبل أن يقود أتاتورك البلاد إلى طريق العلمانية المتطرفة وانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). 

كان ذلك بمثابة بروفة مهمة للحرب الباردة، سيما مع وصول تسليح الإسلام ضد اليسار إلى آفاق جديدة، حيث بدأت الإدارات الأمريكية منذ أوائل الخمسينيات، في التواصل مع الحركات الإسلامية الناشئة، ودعت وفداً من العلماء والدبلوماسيين المسلمين ومعظمهم من العرب لحضور مؤتمر عام 1954 حول الثقافة الإسلامية والذي انتهى باجتماع في البيت الأبيض مع الرئيس أيزنهاور.

كانت “الحرب المقدسة” المثيرة حاضرة في ذهن أيزنهاور عندما أصدر مذهبه الشهير عام 1957 الذي وعد بتقديم المساعدة لأي دولة شرق أوسطية تتعرض لتهديد “المادية الإلحادية” التي كان يقصد بها امبراطورية السوفييت، وأصبحت المملكة العربية السعودية رأس جسر لهذه الحملة للتلاعب بالدين العالمي، وتطوير سياستها الخارجية الإسلامية بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة.

وعلى وقع ذلك، تم إنشاء هيئات جديدة مثل الرابطة الإسلامية لحرق المنشورات المناهضة للشيوعية التي كتبتها وكالة المخابرات المركزية، ودُعي علماء الدين الذين يناصرون الأيديولوجية الجديدة “للسلفية” مثل ناصر الدين الألباني إلى مناصب التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وتدفق التمويل لسحق الحركات القومية العربية واليسارية المناهضة للاستعمار في جميع أنحاء المنطقة

وقد كانت رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر تبني على عقود من استخدام الإسلام بشكل مسيء لتحقيق أهداف سياسية غربية حين قالت للمجاهدين الأفغان في عام 1981 أن “قلوب العالم الحر معكم”. 

ومنذ ذلك الوقت، أصبحت القصة معروفة جداً، ففي 11 أيلول/ سبتمبر 2001، دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لتدخلها في السياسات الدينية للآخرين، لكن يبدو وكأن شيئاً لم يتغير بعد مرور عقدين من الزمن. 

ومنذ 7 تشرين الأول/ اكتوبر، امتلأ الفضاء العام في الغرب بخطابات معادية للإسلام على نطاق غير مسبوق تقريباً، فعلى سبيل المثال، تهاجم مذيعة تلفزيونية بريطانية السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي باتهامات من العدم حول كراهية النساء، في حين تعلن شخصيات معروفة مناهضة للمسلمين مثل دوغلاس موراي أن إسرائيل هي خط المواجهة ضد التهديد البربري الموجه للحضارة الغربية.

مشهد استثنائي

لقد أصبح التعصب الديني هو التفسير الوحيد المسموح به لتحدي الفلسطينيين للاحتلال وقمعه حيث تبذل الحكومات قصارى جهدها لتشويه سمعة المسلمين من أجل تبرير سياستها التي اختارتها لدعم القتل الجماعي في غزة.

وفي الأول من آذار/ مارس، عشنا مشهداً استثنائياً لرئيس وزراء بريطاني وهو يعتلي المنصة في داونينج ستريت للتنديد بفوز أحد مرشحي المعارضة في الانتخابات الفرعية بدعوى أنه استفز غضب المسلمين تجاه سياسة الحكومة بشأن غزة.

بالنسبة الى ريشي سوناك، كان جورج غالاوي قد ناشد “الأيديولوجية السياسية المتطرفة للإسلاموية”، لكن في سعيه لتعريف هذه الإسلاموية، لم يتمكن إلا من التوصل إلى حشو بأنها تنشر “التطرف”، في حين أن الإسلام كعقيدة “يمارس بشكل سلمي” من قبل الملايين.

ولم يكن المعنى الضمني لحديث سوناك هو أنه ليس محظوراً على المسلمين الاحتجاج فحسب، بل كان يعني أن أي علامة على الإسلام هي في الواقع ممنوعة ومتخلفة ومعادية للحداثة.

بل إن سوناك ربط هذه الإسلاموية بحركات النقد التاريخي للاستعمار، مدعياً أن الإسلاميين “يريدون منا أن نقبل التكافؤ الأخلاقي بين بريطانيا وبعض الأنظمة الأكثر حقارة في العالم”.

وبعد ذلك، كشفت الحكومة عن تعريفات جديدة للتطرف تشمل الإسلاموية باعتبارها “أيديولوجية شمولية” تدعو إلى “دولة إسلامية تحكمها الشريعة الإسلامية” وهذا هو ما يتهم به المسلمون وغيرهم ممن يحتشدون دعماً لغزة.

تتحدث الثقافة السياسية الصينية عن “قرن الإذلال” في الصين، 100 عام من التدخل والقهر الغربي منذ حروب الأفيون إلى الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن ما عانى منه المسلمون هو 100 عام من التشويه، ليس فقط من خلال الدراسات الإمبريالية، ولكن من قبل الحكومات ووكالات استخباراتها، عانى المسلمون تشويهاً لعقيدتهم وممارساتهم والآن لحياتهم وحقهم في التعبير عن معارضة السياسة الخارجية الشنيعة وغير الإنسانية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة