بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
قبل عقدين من الزمن، أمر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بغزو العراق استناداً إلى “ملفه المراوغ” سيئ السمعة، بعدما أكد كذباً أن عراق صدام حسين كان يمتلك أسلحة الدمار الشامل.
واليوم، يبدو من الممكن أن يكون وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون قد أمر بتعليق مساعدات المانحين لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي تقدم المساعدة لنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، على أساس ما يبدو أنه قد يكون ملفًا مراوغًا آخر.
وبحسب تقرير بثته القناة التلفزيونية الرابعة في 5 شباط \ نوفمبر، فقد اتخذت بريطانيا ودول مانحة أخرى قرارها بناءً على “وثيقة إسرائيلية سرية” تؤكد أن “أكثر من 10 من موظفي الأونروا شاركوا في أحداث السابع من أكتوبر”.
وذكر التقرير أن الوثيقة الإسرائيلية لم تقدم “أي دليل” لدعم ادعائها بأن موظفي الأونروا متورطون في الفظائع ذلك اليوم، باستثناء تفاصيل عن تحديد هوية الموظفين المزعومين.
يثير هذا الأمر سؤالاً جوهرياً مفاده لماذا مضى المانحون قدماً وقطعوا الأموال على أساس مزاعم غير مثبتة وغير مؤكدة؟ كل هذا بسبب العواقب المدمرة المحتملة.
وقال كريس غانيس المتحدث السابق باسم الأونروا في التقرير أن قرار تعليق المساعدات كان بمثابة انتهاك لاتفاقية الإبادة الجماعية لأنه ” سيدمر حياة 1.3 مليون شخص يعتمدون على إمدادات الغذاء من خلال الأونروا”.
وبالنسبة لبريطانيا والدول المانحة الأخرى، فإن ذلك يطرح أسئلة محرجة للغاية من قبيل هل قبلنا بكل بساطة ادعاءات الإسرائيليين؟ أم أننا أجرينا تحقيقنا الخاص قبل تعليق التمويل؟
أمر محير
تشير الدلائل إلى أن الحكومة البريطانية اتخذت قرارًا من شأنه أن يؤثر على حياة الفلسطينيين الذين يتضورون جوعًا بناءً على مزاعم لا يوجد طريقة للحكم على صحتها.
ومن المؤكد أن إسرائيل قدمت ادعاءات مهمة تتطلب التحقيق، لا شك في ذلك، ولكن كان بوسعنا أن ننتظر إلى أن يتم نشر التقرير المؤقت عن تحقيق الأونروا المستقل، والذي تجريه حالياً كاثرين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، بمساعدة معهد راؤول والنبرغ في السويد، والمتوقع صدوره في الشهر المقبل، أو كان بإمكاننا أن نحكم بأنفسنا.
وفي ظل الوضع الراهن، يبدو كما لو أن كاميرون قفز إلى دائرة الاهتمام فقط استناداً إلى ادعاءات حكومة كانت لها منذ فترة طويلة مصلحة قوية في تشويه سمعة الأونروا.
وكما أفاد التلفزيون الإسرائيلي، استناداً إلى “تقرير سري رفيع المستوى لوزارة الخارجية”، فإن إسرائيل تخطط لإخراج الأونروا من قطاع غزة عبر خطة من ثلاث مراحل، نشر تقرير يزعم تعاون الأونروا مع حماس، يليه الترويج للمنظمات البديلة لتقديم خدمات الرعاية الاجتماعية، وأخيراً، إخراج الأونروا من غزة تماماً.
وبحسب المصادر فإن التقرير السري سيناقش قريباً في مجلس الوزراء الإسرائيلي.
ونظراً لوجود مثل هذه الأجندة الإسرائيلية الواضحة تجاه الأونروا، فإن من المحير أن تتقبل الدول المانحة مثل بريطانيا المطالبات الإسرائيلية دون انتقاد وأن تتصرف وفقاً للمطالب الإسرائيلية بهذه السرعة.
أخبرني مصدر مطلع أن كاميرون علق الأموال المقدمة للأونروا “فقط على أساس معلومات متاحة للعامة”، وفي 6 شباط / فبراير، سألت وزارة الخارجية عما إذا كان هذا صحيحًا، ولم أتلق أي إجابة حتى وقت إعداد هذا المقال.
إذا كان مصدري على حق، فإن كاميرون قطع التمويل عن الأونروا بناءً على وثيقة لا تقدم أي دليل على ارتكاب أي مخالفات.
ضغوط إسرائيلية كبيرة
ولكي نكون منصفين، فإن أسئلة جدية تحيط أيضاً برئيس الأونروا فيليب لازاريني، الذي طرد الموظفين الذين قدمت إسرائيل ضدهم الادعاءات بينما كانت الحكمة تقتضي أن يتم إيقافهم عن العمل وإخضاعهم للتحقيق لإثبات الحقائق.
ومن السهل تخمين سبب تصرف لازاريني بهذه الطريقة، فقد تعرضت الوكالة التي يرأسها لضغوط هائلة من إسرائيل، وربما أراد التعبير عن صدمته ورعبه من هذه المزاعم، ومع ذلك، فإن فشله في مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة كان له تأثير عكسي لأنه أعطى مصداقية للادعاءات الإسرائيلية.
ليس الأمر كما لو أن إسرائيل تستحق أن يتم تصديقها بشكل تلقائي، لقد تم سجلت مراراً وتكراراً تصريحات كاذبة وملفقة صادرة عن الجيش الإسرائيلي حول الأحداث في غزة وأماكن أخرى، وهذا يعني أن كل مطالبة صادرة عن إسرائيل يجب أن يتم التعامل معها بعين الشك، وهذا ينطبق بالطبع على حماس.
لقد هاجم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وكاميرون محكمة العدل الدولية حتى قبل أن تصل إلى حكمها، واستمرا في القيام بذلك منذ ذلك الحين
وحتى الآن، تتعامل بريطانيا مع كل ما تقوله إسرائيل على أنه قريب من الحقيقة الإنجيلية، دعونا نقارن رد فعل الحكومة البريطانية على حكم محكمة العدل الدولية بردها على قرار إسرائيل.
فقد أصدرت محكمة العدل الدولية وثيقة قائمة على الأدلة لدعم حكمها بأن هناك معقولية للادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، ورغم ذلك، أهان رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وكاميرون المحكمة حتى قبل أن تصل إلى حكمها، واستمرا في القيام بذلك منذ ذلك الحين.
وعلى النقيض من ذلك، استجابت بريطانيا على الفور للادعاءات المتعلقة بالأونروا التي قدمتها إسرائيل وعلقت التمويل للوكالة الوحيدة القادرة على تقديم المساعدات في مواجهة الكارثة الإنسانية.
كان كاميرون نائباً شاباً ساذجاً عندما صوت لصالح غزو العراق استناداً إلى ملف بلير المراوغ قبل 21 عاماً، والآن قام بقطع المساعدات عن الأونروا بناء على ما يبدو وكأنه ملف مراوغ آخر.
لم أطلع على الوثيقة الإسرائيلية، ولكن إذا كانت القناة الرابعة على حق، فقد تم التلاعب بوزير الخارجية البريطاني مرة أخرى، كما يتم العزف على أوتار الكمان، ألن يتعلم أبداً؟
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)