هل أصبح وقف إطلاق النار في غزة على وشك الانهيار؟

بقلم ياسمين صباوي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

بعد مرور 3 أسابيع فقط على اتفاق وقف إطلاق النار الهش الذي طال انتظاره بين إسرائيل وحماس، أصبح الاتفاق معرضاً لخطر الانهيار في مراحله الأولى!

بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم، أعلن أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إلغاء عملية إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي السادس المقرر إجراؤها يوم السبت القادم “حتى إشعار آخر”.

أوضحت حماس بأنها أعلنت عن القرار قبل 5 أيام من موعد التبادل المقرر، بهدف ” إتاحة متسع من الوقت للوسطاء للضغط على الاحتلال الإسرائيلي للوفاء بالتزاماته”، بحسب بيان للحركة.

توقيت الإعلان من جانب أبو عبيدة لم يكن موجهاً  لإسرائيل فحسب، بل لأكبر داعم لها أيضاً أي الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أكد ترامب في حديثه إلى شبكة فوكس نيوز، على أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم الحق في العودة بعد إعلانه السابق بطرد جميع الفلسطينيين من غزة وبناء منتجع شاطئي!

من جانبه، أوضح أبو عبيدة بأن إسرائيل أخلت في شروط الاتفاق وأخرت عودة الفلسطينيين النازحين قسراً إلى منازلهم في شمال غزة، كما استهدفتهم “بالقصف وإطلاق النار” وأعاقت دخول إمدادات المساعدات إلى غزة على النحو المتفق عليه.

بحسب الاتفاق، فإن على إسرائيل السماح بدخول 60,000 منزل متنقل لأولئك المقيمين في الخيام، والتي لا تصلح لطقس الشتاء في غزة ولكن لم يتم تسليم أي منها حتى الآن، كما أن هناك نقصاً في توصيل المواد الغذائية والوقود. 

وقد أكد بيان الحركة بأن الأسرى الإسرائيليين لن يتم إطلاق سراحهم “إلا بعد التزام الاحتلال وتعويضهم عن مستحقاتهم خلال الأسابيع الماضية بأثر رجعي”، مع تأكيد أبو عبيدة على أن “الباب لا يزال مفتوحاً” أمام تبادل الأسرى، وأن حماس سوف تظل ملتزمة بالصفقة طالما وفت إسرائيل بتعهداتها.

ترامب يرفع سقف المخاطر

لا شك بأن توقيت الإعلان من جانب أبو عبيدة لم يكن موجهاً  لإسرائيل فحسب، بل لأكبر داعم لها أيضاً أي الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أكد ترامب في حديثه إلى شبكة فوكس نيوز، على أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم الحق في العودة بعد إعلانه السابق بطرد جميع الفلسطينيين من غزة وبناء منتجع شاطئي!

لو وقفنا عند اتفاقيات أوسلو لعام 1993 أو عند اعتقاد حماس الراسخ بضرورة حصول الفلسطينيين على حق العودة لفلسطين التاريخية، فإن فكرة حق العودة للاجئين الفلسطينيين ظلت ثابتة طوال العقود الماضية، بل إن هذا المبدأ أصبح جزءاً لا يتجزأ من مهمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة منذ طرد الفلسطينيين في عام 1948، حيث تهدف الأونروا إلى خدمة اللاجئين حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم ومن هؤلاء 80% من سكان غزة.

صرح ترامب بالقول: “سنبني مجتمعات جميلة آمنة بعيدة قليلاً عن مكان وجود كل هذا الخطر، وفي هذه الأثناء، سأمتلك غزة، يمكنك التفكير بالأمر باعتباره تطويراً عقارياً للمستقبل”.

وعندما سأل مذيع قناة فوكس نيوز عما إذا كان للفلسطينيين الحق في العودة، أجاب ترامب: “لا لن يفعلوا ذلك، سيكون لديهم مساكن أفضل بكثير، وأنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم، أنا أتحدث عن البدء في البناء وأعتقد أن بإمكاني عقد صفقة مع الأردن ومع مصر، فنحن نعطيهم المليارات والمليارات”.

من ناحية أخرى، فقد كشفت مصادر أمنية مصرية لوكالة رويترز للأنباء بأن المحادثات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار معلقة الآن حتى تصبح هناك مؤشرات واضحة من الولايات المتحدة حول استمرار الخطة المتفق عليها، والتي تتضمن المزيد من عمليات تبادل الأسرى وإعلان “الهدوء المستدام” في القطاع. 

وتقوم مصر، إلى جانب قطر والولايات المتحدة، بدور الوسيط في المفاوضات التي أصبحت مهددة بالانهيار، بعد أن أعلنت إسرائيل مراراً وتكراراً بأنها مستعدة لاستئناف قصفها الجوي، فيما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأنه أمر الجيش بالبقاء في أعلى درجات الاستعداد.

لقد ظهرت التطورات الأخيرة في مسار المفاوضات خلال لقاء وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في واشنطن مؤخراً.

عقب الاجتماع، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً قالت فيه أن “السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر والتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الإقليميين والدوليين نتيجة للاحتلال الإسرائيلي هو أن يتبنى المجتمع الدولي نهجاً يأخذ في الاعتبار حقوق جميع شعوب المنطقة دون تمييز، بما في ذلك الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ظلم غير مسبوق لحقوقه الأساسية، وحقه في العيش بسلام على أرضه وفي وطنه”.

وأضاف البيان بأن مصر “تتمسك بموقفها الرافض لأي انتهاك للحقوق الفلسطينية، بما في ذلك حق تقرير المصير والبقاء على الأرض والاستقلال، وكذلك حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك وطنهم”. 

“على العرب أن يستيقظوا”

أوضح محللون إقليميون لموقع ميدل إيست آي بأن ما بدأ كقرار تكتيكي من جانب ترامب لتبني موقف متطرف تجاه المفاوضات بشأن غزة، قد تحول الآن إلى شيء أكثر خطورة وإن لم تتكشف ملامحه بعد، فكثيراً ما تبنى ترامب استراتيجية إبقاء مشاهديه في حالة من التوتر، كما فعل خلال حياته المهنية في تلفزيون الواقع. 

“لا أعرف إذا كان لدى هؤلاء القادة العرب أي كرامة متبقية، لا أعرف لماذا يأتون إلى واشنطن، فهذا غير منطقي، فهو لم يكتفِ بإلغاء سياساتهم بل ألقى بتحالفاته معهم في القمامة” – خليل جهشان- المركز العربي في واشنطن

في حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار المدير التنفيذي لمنظمة “مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين”، أسامة أبو ارشيد، إلى أنه رغم محاولة إدارته استدراك الموقف، إلا أنه “يبدو مصراً على فرض أفكاره هذه على إدارته وعلى الفلسطينيين، وسواء نجح ذلك أمن إلا أن خطابه سوف يكون له عواقب، فنحن نتحدث عن شخص متهور ليس لديه هذا الذكاء المركب”.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهو يحاول تأجيل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار لتهدئة ائتلافه اليميني المتطرف في الحكومة وتجنب إنهاء مسيرته السياسية، ويرى أبو ارشيد أن “ترامب قد خلق هذه المساحة له”، فلم يبدِ ترامب أي إشارة إلى اعتبار غزة محفظته العقارية الشخصية قبل زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن.

وأضاف أبو ارشيد: “إذا لم يكن هناك موقف حازم من جانب الدول العربية والإسلامية والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فإن هذا لن يحدث من خلال طرد الفلسطينيين فحسب، بل من خلال تجويعهم حتى الموت، حيث لن يكون أمامهم سوى خيار واحد وهو المغادرة”. 

ويوافق على هذا الرأي المدير التنفيذي للمركز العربي في واشنطن العاصمة، خليل جهشان، حيث يرى أن على الدول العربية المقاومة لإحداث نوع من التحول في موقف ترامب، قائلاً: “على العرب أن يستيقظوا ويدركوا أنه اعتباراً من 20 يناير، لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية كما كانت، فسياساتها في المنطقة لم تعد هي نفس السياسات التي اعتادت عليها”.

وأضاف: “إن تحالفاتهم مع الولايات المتحدة لم تعد صالحة، وعليهم التكيف، عليهم أن يقولوا بوضوح بأنه إذا كنتم تحاولون التقليل من شأننا وإملاء السياسات التي تتعارض مع مصلحتنا الوطنية علينا، فيجب إعادة تقييم علاقتنا”.

ضعف عربي 

المشكلة أن دولاً مثل مصر والأردن، حيث قال ترامب أنه ينوي إرسال فلسطينيين من غزة إليها، لا تتمتع بنفوذ كبير على الإطلاق، فهي من بين أكبر 3 متلقين للمساعدات العسكرية الأمريكية بعد إسرائيل، حسبما تظهر أرقام وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث تلقت كلا الدولتان العربيتان أكثر من 1.5 مليار دولار من واشنطن، بينما تلقت إسرائيل أكثر من 3.3 مليار دولار خلال عام 2023.

تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحكومتين الأردنية والمصرية هي أول حكومتين في المنطقة قامتا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ عقود.

هناك لاعبان رئيسيان فقط في هذه الحالة، وهما السعودية وقطر، حيث أكد جهشان “أنهم بحاجة إلى التصرف بحزم مع ترامب والتلويح بتوقف خطط ترامب في حال أراد المضي قدماً في العلاقة بين الطرفين”.

يذكر أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد روجت للتطبيع السعودي مع إسرائيل باعتباره جائزة كبرى للسياسة الخارجية، لكن 7 أكتوبر عام 2023 قد أخرج هذا الهدف عن مساره، خاصة بعد تصريح الخارجية السعودية صراحة بأن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية.

ومن المتوقع أن يصل العاهل الأردني الملك عبد الله إلى البيت الأبيض، مما يجعله أول رئيس دولة عربي يلتقي بترامب في ولايته الثانية، وسوف تكون غزة على رأس جدول الأعمال.

بحسب بيان للسفارة الأردنية في واشنطن نشره موقع ميدل إيست آي، فسوف “يعقد الملك أيضاً اجتماعات مع وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، والمبعوث الخاص للرئيس إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وأعضاء رئيسيين في لجان الكونغرس”.

ليس من الواضح ما هو نوع التأثير الذي قد يتمتع به، لكن جهشان يعتقد أن مجرد القدوم لرؤية ترامب هو أمر غير حكيم، موضحاً: “لا أعرف إذا كان لدى هؤلاء القادة العرب أي كرامة متبقية، لا أعرف لماذا يأتون إلى واشنطن، فهذا غير منطقي، فهو لم يكتفِ بإلغاء سياساتهم بل ألقى بتحالفاته معهم في القمامة”. 

في بيان لها، قالت منظمة “عرب أمريكيون من أجل السلام”، المعروفة سابقاً باسم “عرب أمريكيون من أجل ترامب” بأنها “تدعم موقف جلالة الملك الثابت بشأن السلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، كما وعدنا الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية، ونشيد بموقف جلالته النبيل والثابت الذي يجب أن يكون مرضياً لجميع الأطراف، فنحن على علم بجهود جلالة الملك في تنسيق الموقف العربي من السلام بين القادة العرب”.

من جانب آخر، وفي حديثها مع موقع ميدل إيست آي، أشارت فاي نمر، التي ترأس غرفة التجارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ديربورن بولاية ميشيغان، والتي صوتت لصالح ترامب بسبب وعد حملته الانتخابية من أجل “سلام دائم” في المنطقة، إلى أنها متفائلة بشأن زيارة الملك عبد الله لأنها تعتقد أنه يمكن دفع ترامب للتصرف بشكل مختلف. 

قالت نمر: “نأمل أن يؤدي ذلك إلى بعض النتائج المفيدة التي تصب في صالح الشعب الفلسطيني، فأي شيء يتعارض مع ذلك سوف يكون في مزعجاً ومزعزعاً لاستقرار المنطقة”.

لقد أصبح ترامب أول مرشح رئاسي أمريكي يزور ما يسمى بالعاصمة العربية الأمريكية خارج ديترويت مباشرة، قبل أيام من انتخابات نوفمبر الماضي، حيث أدى تعهده بوضع حد للحرب على غزة إلى تحفيز المجتمع العربي الأمريكي وتحويل ديربورن إلى التصويت للحزب الجمهوري بعد أكثر من عقدين من كونها مدينة للديمقراطيين. 

قالت نمر: “لقد أكدنا وكررنا مراراً وتكراراً بأن فلسطين ليست قابلة للتفاوض، فنحن لا نرى الرئيس ترامب كفرد قد يتراجع عن صفقة ساعد في صياغتها والمضي قدماً بها”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة