اتهم مسؤولون مصريون دولة الاحتلال بتأجيج التوترات عبر مزاعمها الكاذبة بأن تحركات القوات المصرية في شمال سيناء تُشكل خرقًا لمعاهدة السلام بين البلدين.
وصرح مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في القاهرة لموقع “ميدل إيست آي” بأن العلاقات بين مصر ودولة الاحتلال وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ بداية الحرب على غزة، مع تزايد المخاوف من أن يشكل عدوان الاحتلال المتجدد تمهيدًا للتهجير القسري للفلسطينيين من القطاع.
كما حذّر محللون من دولة الاحتلال ومراقبون فلسطينيون من إمكانية سعي الحكومة تل أبيب إلى تأجيج الصراع كجزء من خطة لتأليب الرأي العام ضد مصر، وذلك لتسهيل التطهير العرقي في غزة وتعزيز طموحات الاحتلال الاستراتيجية الإقليمية الأوسع.
وقال عساف ديفيد، مدير برنامج (إسرائيل في الشرق الأوسط) في معهد فان لير في القدس والأستاذ في الجامعة العبرية، لموقع ميدل إيست آي: “التحريض واضح، أعتقد أن إدارة نتنياهو تُصرّ بشدة على خطة التطهير العرقي”.
وتابع: “إذا تغير الرأي العام في دولة الاحتلال تجاه مصر، فسيكون ذلك أسهل، وبالتالي فإن المواجهة مع مصر تُمهّد الطريق لذلك”.
تقارير إعلامية مضللة
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أفادت وسائل إعلام عبرية أن مصر زادت من وجودها العسكري في شمال سيناء المحاذية لقطاع غزة، بما يتجاوز الأعداد المسموح بها من القوات، كما شيدت بنى تحتية جديدة في الموانئ والقواعد الجوية.
وأفاد مسؤولون في دولة الاحتلال بأن هذه المسائل طُرحت للحوار مع القاهرة وواشنطن، حيث صرّح وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس يوم الخميس بأن دولته لن تسمح لمصر بانتهاك اتفاقيات كامب ديفيد لعام 1979.
لكن ضابطًا مصريًا كبيرًا متقاعداً صرّح لموقع “ميدل إيست آي” أن القاهرة لم ترتكب أي انتهاكات، وأن المستويات الحالية لتواجد القوات المصرية وأنشطتها العسكرية الأخرى تتوافق مع المعاهدة الأصلية والتعديلات اللاحقة.
وقال اللواء أحمد إبراهيم كامل، الرئيس السابق لجهاز الاستطلاع العسكري المصري ونائب مدير المخابرات الحربية السابق، بأن عمليات الانتشار الحالية مسموح بها بموجب تعديل عام 2005 الذي سمح لمصر بنشر كتيبة حرس حدود مسلحة بالكامل قبالة قطاع غزة، عقب انسحاب قوات الاحتلال من القطاع الفلسطيني.
وأضاف أن عمليات مكافحة الإرهاب العسكرية في سيناء بين عامي 2013 و2021 تم تنسيقها أيضًا مع الدولة العبرية.
“كالعادة، لا تعرض دولة الاحتلال ووسائل إعلامها المضللة الحقائق كاملةً، بما في ذلك التعديلات على الملحق العسكري للمعاهدة، إنهم يرفضون باستمرار الاعتراف بمصر كشريك في حل النزاع، مفضلين تصويرها كجزء من المشكلة، وقد تجلى هذا الموقف جليًا خلال أزمة غزة على مدار العام ونصف العام الماضيين” – أحمد إبراهيم كامل، لواء مصري سابق
بدوره، أوضح سيد غنيم، زميل الأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات المتقدمة والجنرال السابق في الجيش المصري أنه يساء فهم شروط المعاهدة على نطاق واسع في دولة الاحتلال.
وأضاف لموقع “ميدل إيست آي” أن الآليات القائمة تسمح لمصر والاحتلال بتعديل الترتيبات العسكرية دون إعادة التفاوض على المعاهدة، مشيرًا إلى نشر مصر قواتها في منطقة رفح الحدودية عام 2021.
غياب السفراء
وكانت المخاوف المتزايدة من نية دولة الاحتلال طرد الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، والتي أججها اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان القطاع، قد أدت إلى تفاقم التوترات بين القاهرة وتل أبيب.
وقال دبلوماسي مصري كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لموقع “ميدل إيست آي”، بأن العلاقات الآن أسوأ من أي وقت مضى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مؤكداً أن مصر رفضت الرد على طلب قبول أوراق اعتماد سفير الاحتلال الجديد المقترح، أوري روثمان، الذي عُيّن في سبتمبر/أيلول الماضي.
جدير بالذكر أن معظم الموظفين الدبلوماسيين الممثلين لدولة الاحتلال قد جرى سحبهم من مصر ودول عربية أخرى لأسباب أمنية، مع احتفاظ تل أبيب بوجود محدود في سفارتها بالقاهرة.
في المقابل مازال منصب السفير المصري لدى تل أبيب شاغراً بعد أن امتنعت القاهرة عن تسمية خليفة لخالد عزمي الذي غادر منصبه بهدوء قبل حوالي سبعة أشهر.
لكن المحللين يشيرون إلى أن التهديد بطرد سكان غزة وعوامل أخرى قد تكون مؤثرة أيضًا في إثارة التوترات بين القاهرة وتل أبيب، حيث أشار عساف إلى أن نية الاحتلال الرئيسية تجاه مصر هي خلق وضع يُجبر فيه سكان غزة على الدخول إلى الأراضي المصرية.
لكنه قال إن الوضع كشف أيضًا عن اختلافات في الرأي ومنافسات داخل الدوائر السياسية والأمنية في دولة الاحتلال، وكذلك بين مصر وقطر، اللتين تنافستا على النفوذ كوسيطين في مفاوضات وقف إطلاق النار بين الاحتلال وحركة حماس.
وأضاف أن المؤسسة العسكرية والأمنية في دولة الاحتلال كانت عادةً مسؤولة عن إدارة العلاقات مع مصر والأردن بناءً على معاهدات السلام طويلة الأمد بين البلدين.
وأضاف عساف إن ما يسمى بفضيحة “قطر جيت”، التي أُلقي فيها القبض على عدد من المستشارين في مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كجزء من تحقيق في علاقاتهم المزعومة مع مسؤولين قطريين، أثارت المزيد من التساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة في تل أبيب تسعى لتهميش مصر كوسيط.
“الخط الأحمر” للسيسي
من جانبه، عبر الناشط والكاتب الفلسطيني أمير مخول عن اعتقاده بأن الهدف الرئيسي لدولة الاحتلال هو خلق وضع يُجبر فيه سكان غزة على النزوح إلى الأراضي المصرية فجأةً وبسرعة تحت القصف.
لكن مخول وهو من الأراضي المحتلة عام 1948 قال إن دولة الاحتلال تسعى أيضًا إلى تحقيق أهداف استراتيجية أخرى، بما في ذلك توسيع ميناء أشدود ليشمل غزة كجزء من خطط لإنشاء طريق تجاري عالمي جديد يربط آسيا بأوروبا عبر شبه الجزيرة العربية، والسيطرة على حقول الغاز البحرية قبالة سواحل غزة.
وأضاف أن هذه الخطط تضمنت أيضًا مقترحات لشق قناة جديدة تُنافس قناة السويس، تمتد من دير البلح في غزة إلى ميناء إيلات على البحر الأحمر، الأمر الذي سيتضمن أيضًا تهجير التجمعات البدوية من النقب.
وقال: “كل هذا يُمثل تحديًا جيوسياسيًا لمصر وتهديدًا لأمنها القومي، وهذا يستلزم إما توتير العلاقات من طرف الاحتلال أو إخضاع مصر”.
ورفضت مصر ودول عربية أخرى مرارًا وتكرارًا دعوات تهجير الفلسطينيين من غزة، حيث اقترحت القاهرة خطة بديلة مدعومة من جامعة الدول العربية، تتصور إعادة تطوير غزة دون إجبار سكانها على الرحيل.
ووصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهجير بأنه “خط أحمر” يهدد الأمن القومي المصري.
يذكر أن دولة الاحتلال تشن هجومًا شاملًا على غزة، حيث أعلنت الأمم المتحدة يوم الخميس أن ثلثي القطاع يخضع الآن لأوامر تهجير قسري أو مناطق محظورة من قبل قوات الاحتلال، بما في ذلك مدينة رفح ومعظم جنوب غزة.