تساؤل طرحه عدد من المحللين والخبراء حول ما إذا كانت جنوب أفريقيا سوف تفي بتعهدها وتحاكم مواطنيها الذين قاتلوا في غزة مع الجيش الإسرائيلي أم لا؟! والسبب في ذلك التشكيك هو أن حكومة جنوب إفريقيا لم تستطع محاسبة مزدوجي الجنسية منذ سنوات بسبب مشاركتهم في جيوش أجنبية.
قبل أسابيع، كانت وزارة خارجية جنوب أفريقيا قد صرحت بأنها “تشعر بقلق بالغ” إزاء التقارير التي تفيد بأن بعض مواطني جنوب أفريقيا يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي رغم أن ذلك محظور بموجب قانون البلاد، كما أشارت الوزارة في بيانها إلى أن وكالة أمن الدولة تتعقب الأفراد الذين يعتقد أنهم بفعلون ذلك، مهددة أن ذلك قد يعرضهم لخطر التجريد من جنسيتهم بسبب انخراطهم في أنشطة إرهابية.
يرى العديد من المحللين والخبراء أن الوزارة لم تلتزم فعليًا بمحاكمة الأفراد الذين قاتلوا من أجل إسرائيل، بل حذرتهم ببساطة من احتمال القيام بذلك، كما أن البيان فشل أيضًا في توضيح ما إذا كانت سلطات جنوب إفريقيا هي من ستحاكم الرجال، أم أن ذلك سيكون من مسؤولية مقدمي الشكاوى والفرق القانونية.
وفقًا لقانون “تنظيم المساعدة العسكرية في جنوب إفريقيا” فلا يُسمح للمواطنين “بعرض تقديم أي مساعدة عسكرية أجنبية إلى أي دولة أو جهاز تابع للدولة” دون تقديم طلب أولاً إلى اللجنة الوطنية لمراقبة الأسلحة التقليدية والحصول بعد ذلك على الموافقة من وزير الدفاع والمحاربين القدامى.
أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية في جنوب إفريقيا، سيفيوي دلاميني، إلى أن عدد المواطنين الذين يُعتقد أنهم قاتلوا في غزة من أجل إسرائيل غير معروف، مشيرة إلى أن الوزارة لم تتلق مطلقًا في تاريخها طلبات من أفراد يطلبون القتال مع الجيش الإسرائيلي.
خلال 20 سنة، شارك العديد من مواطني جنوب أفريقيا في العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة الذي مزقته الحرب.
على سبيل المثال، وفي أعقاب الهجوم الإسرائيلي على القطاع عام 2008، حاول فريق من المحامين في جنوب أفريقيا محاكمة عشرات المواطنين الذين شاركوا في القتال، فوفقاً ليوشا طيب، المحامي الرئيسي في هذه القضية، كانت هناك أدلة كافية ضد 73 مواطناً، لكن لم تكن هناك إرادة سياسية لمحاسبتهم، لاحقاً، تم إسقاط القضية بسبب عدم وجود أدلة كافية ضد المتهمين!
عقب الهجوم الأخير على غزة، أظهرت حكومة جنوب أفريقيا موقفاً متشدداً تجاه إسرائيل فسحبت جميع دبلوماسييها من تل أبيب، تبع ذلك تصريح شديد اللهجة على لسان رئيس البلاد، سيريل رامافوسا، اتهم فيه إسرائيل صراحة بارتكاب “إبادة جماعية”
تم فتح قضية أخرى عام 2018 ضد جندي من جنوب إفريقيا كان قد شارك في هجوم الجيش الإسرائيلي على غزة عام 2014 ، فبحسب ما ورد قدم محامون أدلة على اعترافه بالخدمة في الجيش الإسرائيلي، وأضافوا شهادات من أفراد عائلته وروايات عن أفعاله في غزة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك فقد رفضت هيئة الادعاء الوطنية الملاحقة القضائية، مشيرًا مرة أخرى إلى نقص الأدلة.
يقول أحد المحامين في القضية ويدعى زياد باتل، أن المجال الذي عطل مسار القضية أمام المحاكم هو طريق سفر الجنود إلى إسرائيل، مؤكداً أن “القضية التي أثارها المدعون هي كيف غادر الجنود جنوب أفريقيا وكيف دخلوا إسرائيل، فهم لم يسافروا مباشرة قط، كان لديهم عدة جوازات سفر وكانوا يسافرون دائمًا عبر دولة ثالثة،مما جعل من الصعب على حكومة جنوب إفريقيا متابعة مسار تحركاتهم”.
“إبادة جماعية”
عقب الهجوم الأخير على غزة، أظهرت حكومة جنوب أفريقيا موقفاً متشدداً تجاه إسرائيل فسحبت جميع دبلوماسييها من تل أبيب، تبع ذلك تصريح شديد اللهجة على لسان رئيس البلاد، سيريل رامافوسا، اتهم فيه إسرائيل صراحة بارتكاب “إبادة جماعية”.
في 29 ديسمبر، رفعت حكومة جنوب إفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
من جانب آخر، فقد اتهم نشطاء السلطات في جنوب إفريقيا بإبداء لا مبالاة تجاه مواطني جنوب أفريقيا الذين قاتلوا مع الجيش الإسرائيلي، مستشهدين بالاختلاف بين الطريقة التي تعامل بها جيش الشعب الجديد مع “توأم ثولسي”.
ترجع القصة إلى عام 2016، حين ألقي القبض على شقيقين من مدينة جوهانسبرغ، هما براندون لي وتوني لي ثولسي، وذلك بتهمة محاولة مغادرة جنوب أفريقيا والانضمام إلى ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يسيطر في ذلك الوقت على مساحات واسعة من سوريا والعراق.
تم القبض على الثنائي قبل أن يتمكنا من مغادرة البلاد واحتجازهما لمدة 6 سنوات قبل محاكمتهما، حيث تم التوصل إلى اتفاق مع الإقرار بالذنب عام 2022، فحكم عليهم بالسجن لمدة 8 و11 عامًا على التوالي.
أوضح مسؤول التضامن مع فلسطين في منظمة “يهود جنوب إفريقيا من أجل فلسطين حرة”، جو بلوين، أن العديد من مواطني جنوب إفريقيا قاموا بانتهاك علني للقانون الذي يحظر عليهم الخدمة في جيش أجنبي، مؤكداً أن ” الجنود الإسرائيليين يزورون المدرسة بانتظام ويجرون محادثات مع الطلاب، ولا يتم إخبارهم أبدًا أن هذا غير قانوني”.
ويرى مؤلف كتاب “الصهيونية وسخطها: قرن من المعارضة الراديكالية في إسرائيل/فلسطين”، ران غرينشتاين، أن جنوب إفريقيا تحاول تحقيق توازن بين التضامن مع القضية الفلسطينية دون تهديد علاقاتها بشكل مباشر مع إسرائيل وبشكل غير مباشر مع الغرب.
أشار غرينشتاين إلى أن الغضب الشعبي في البلاد قد يقود الحكومة إلى خطاب أكثر قوة وخطوات أكثر نشاطاً وتأثيراً، ولكن “إذا هدأت الأمور على جبهة القتال، فلن ترى تلك الخطوات النور، فمن غير المرجح أن تسفر السياسة عن تحرك حاسم في اتجاه أو آخر”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)