هل تركيا هي الهدف التالي بعد إيران؟ أنقرة تراقب عن كثب تحركات إسرائيل وتستعد للأسوأ

بقلم راغب صويلو

ترجمة وتحرير مريم الحمد

قبل يوم واحد من الهجوم الإسرائيلي على إيران، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكنيست يرحب بالرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي.

قال مخاطباً البرلمان الإسرائيلي: “الأرجنتين أصبحت ملاذاً آمناً لآلاف اليهود، بعد أن كانوا يبحثون عن ملجأ من الصعوبات الاقتصادية والاضطهاد المعادي للسامية، ليس فقط في أوروبا الشرقية، ولكن أيضاً في الإمبراطورية العثمانية، وهي إمبراطورية لا أعتقد أنها قد تتجدد في أي وقت قريب رغم أن هناك من يختلف معي في ذلك”.

لم تغب هذه التصريحات، التي كانت موجهة بشكل واضح إلى تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، عن أذهان المسؤولين في أنقرة، فقد لعبت تركيا، القوة الإقليمية المزدهرة، دوراً كبيراً في الشرق الأوسط منذ ما يسمى بثورات الربيع العربي في العقد الأول من القرن 21.

وسط ديناميكية القوة الجديدة التي تبلورت في المنطقة، شهدت أنقرة زيادة في أسهمها في العواصم الغربية الكبرى، حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت تركيا من بين مجموعة صغيرة من حلفاء الولايات المتحدة الذين تم إخطارهم مسبقاً بأن إسرائيل سوف تشن هجوماً على إيران!

بعد ساعات من ذلك الإخطار، بدأت إسرائيل هجومها على المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، وبدأت في اغتيال قادة أمنيين ومخابراتيين وعسكريين بارزين إلى جانب علماء نوويين، فتسببت الوتيرة غير المسبوقة للعملية الإسرائيلية بقلق لدى المسؤولين الأتراك والرأي العام التركي.

لقد أدت الهجمات، التي استهدفت أيضاً مناطق سكنية وبنية تحتية مدنية، إلى مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة ما لا يقل عن 1300 آخرين، كثير منهم من المدنيين حتى الآن، ورداً على ذلك، أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ باتجاه حيفا وتل أبيب ومدن إسرائيلية كبرى أخرى.

من جانبها، أعربت تركيا عن أسفها للتصعيد ووصفت الهجوم الإسرائيلي بأنه غير مبرر خاصة في الوقت الذي أشارت فيه المخابرات الأمريكية إلى أنه لا دليل واضح على سعي إيران للحصول على سلاح نووي.

إن أكثر ما أزعج أنقرة لم يكن القدرات الإسرائيلية المعروفة، بل حقيقة أن الدول الأوروبية قامت بدعم الهجوم أثناء المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول النزاع النووي الحاصل، ورغم وصف التصعيد بأنه مفاجئ للعديد من الدول الإقليمية، إلا أن أنقرة كانت تستعد منذ فترة طويلة لهجوم إسرائيلي على إيران.

في سبتمبر الماضي، عندما قتلت إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، درس المسؤولون الأتراك السيناريوهات المحتملة في حالة وقوع هجوم إسرائيلي عنيف واحتمال نشوب صراع إقليمي أوسع، وقاموا بإعداد خطط طوارئ، بما في ذلك اتخاذ تدابير ضد موجات اللاجئين المحتملة. 

وفي أكتوبر الماضي، بدأت أنقرة أيضاً مفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان لمنع استخدام الجماعة كوكيل من قبل إيران أو إسرائيل.

العلاقات التركية الإسرائيلية

تحافظ تركيا تاريخياً على علاقات جيدة مع إسرائيل رغم الصعود والهبوط بسبب حروب إسرائيل مع دول المنطقة، فقد كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1949، ثم أصبحت تدريجياً حليفاً لتل أبيب في التسعينيات، عندما احتاج جهاز الأمن التركي إلى مساعدتها في مواجهة حزب العمال الكردستاني خلال فترة من عدم الاستقرار الداخلي.

ومنذ تولى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السلطة في عام 2003، تدهورت العلاقة تدريجياً من الشراكة الاستراتيجية إلى الشراكة بين الجيران الذين كثيراً ما يواجهون بعضهم بعضاً بسبب قضايا تتعلق بمعاناة الفلسطينيين في غزة وأماكن أخرى.

في 2010، بلغت التوترات في العلاقة أوجها بعد أن أغارت إسرائيل على العبارة مافي مرمرة، مما أسفر عن مقتل 10 نشطاء أتراك في المياه الدولية، وبعد تحسن طفيف لاحق، تصاعدت التوترات مرة أخرى في أواخر عام 2023، عندما قررت أنقرة التراجع عن التقارب بسبب الحرب على غزة، والتي يعتقد المسؤولون الأتراك أنها تشكل إبادة جماعية.

“الهدف السياسي والاستراتيجي لإسرائيل واضح، وهو محاصرة الأناضول وتخريب طريق تركيا نحو مستقبل خالٍ من الإرهاب نيابة عن أسيادها” – دولت بهتشلي- زعيم الحزب القومي التركي

منذ الحملات الإسرائيلية لإضعاف حزب الله في العام الماضي وسقوط أسرة الأسد في سوريا، تغيرت المنطقة بسبب تصرفات نتنياهو، فحيث كانت إيران تهيمن ذات يوم، أصبحت إسرائيل القوة الإقليمية الرئيسية، وقد بدأ المسؤولون الإسرائيليون يعلنون علناً أن اللاعب الآخر الوحيد الذي يتمتع بموارد كبيرة يواجهونها هو تركيا.

لقد كرر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان القول عدة مرات منذ ديسمبر الماضي، بأنه لا ينبغي أن تنفرد قوة بالهيمنة على المنطقة بما في ذلك تركيا نفسها.

لقد كان التحدي الكبير الأول بين تركيا وإسرائيل هو سوريا، حيث حرصت حكومة نتنياهو على معارضة أي قواعد تركية بها منشآت رادار ودفاع جوي في جنوب سوريا، فشجع المسؤولون الأمريكيون، الذين يشعرون بالقلق إزاء وقوع حوادث محتملة، البلدين على إجراء محادثات، مما أدى إلى إنشاء خط ساخن بين تركيا وإسرائيل في إبريل الماضي.

تقدمت المحادثات إلى حد أن المسؤولين الأتراك أشركوا ممثلين سوريين في المناقشات مع الإسرائيليين، على أمل إيجاد حل وسط لوقف الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وكانت القضية الرئيسية في المحادثات هي السيطرة على المجال الجوي السوري، مما أدى إلى تأجيل أنقرة لخططها للسيطرة على القواعد حتى الانتهاء من محادثات منع الاشتباك مع إسرائيل، مما أعطى إسرائيل في وقت لاحق فرصة لمهاجمة إيران. 

بالنسبة للأتراك، لم يكن هذا يتعلق بالمجال الجوي التركي، وقد نصح المسؤولون الأتراك إسرائيل بمعالجة مخاوفها حول قضايا المجال الجوي مباشرة مع سوريا بدلاً من أنقرة.

تسريع برنامج الصواريخ

لعقود من الزمن، ظلت تركيا تنظر إلى إيران باعتبارها قوة مزعزعة للاستقرار، فقد عارضت طموحات طهران للحصول على سلاح نووي، ومع ذلك، فقد اعتبر الجانب التركي الهجوم الإسرائيلي الأحادي الجانب على إيران، والذي فشل في تقديم دليل مقنع على أن طهران قريبة من تطوير هجوم نووي، علامة على أن إسرائيل يمكن أن تستهدف في يوم من الأيام تركيا، حليف الناتو المندمج بعمق في الهيكل الأمني ​​الغربي.

“كان لجيش الإمبراطورية العثمانية المنتصر مبدأ، إذا كنت تريد الاستقلال والحرية والعيش على هذه الأرض بشرفك وكرامتك ونزاهتك، إذا كنت تريد الرخاء الاقتصادي والوفرة والثروة والوئام والسلام، فيجب أن تكون دائماً مستعداً للحرب” – الرئيس التركي أردوغان على اكس

لقد ورد هذا الشعور الجمعي لدى الأتراك على لسان رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت بهتشلي، الحليف الرئيسي لأردوغان، فقد  حذر من أن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران هي جزء من استراتيجية أوسع لتطويق تركيا وتقويض طموحاتها الإقليمية.

صرح بهتشلي بالقول: “الهدف السياسي والاستراتيجي لإسرائيل واضح، وهو محاصرة الأناضول وتخريب طريق تركيا نحو مستقبل خالٍ من الإرهاب نيابة عن أسيادها”.

من أجل طمأنة الجمهور التركي، بدأ المسؤولون بتسريب تفاصيل معينة إلى وسائل الإعلام، حيث ادعى أحد كتاب الأعمدة الأتراك أنه في ليلة الهجوم الأولي، رصدت الرادارات التركية طائرات إسرائيلية من طراز F-35، مما دفع تركيا إلى إرسال طائرات F-16 وطائرات أواكس للإنذار المبكر لتتبع العملية الإسرائيلية. 

وادعى كاتب عمود آخر أن بعض الطائرات الإسرائيلية التي أقلعت للهجوم قد انتهكت المجال الجوي التركي عن غير قصد في نفس الليلة، ثم غادرت بسرعة بعد أن أرسلت تركيا طائرات إف-16 وحذرتها عبر الراديو.

وفقاً لأحد المطلعين على بواطن الأمور في أنقرة والمقرب من الحكومة، فإن الحرب “هذه ليست حرب تركيا، ومع ذلك، فعلينا دراسة هذا الهجوم بعمق واتخاذ الخطوات ذات الصلة للإعداد لأي مخاطر وخيارات مستقبلية محتملة”.

يذكر أن مسؤولين أتراك رفيعي المستوى قد عقدوا جولتين من الاجتماعات الأمنية لمناقشة المزيد من خطط الطوارئ، كما درس الجيش التركي عن كثب تكتيكات الحرب التي تستخدمها إسرائيل.

من جانبه، فقد رد أردوغان بنفسه على الهجوم من خلال الاتصال بالقادة الإقليميين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، كما أجرى اتصالات مع الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، باعتبارهم جيران تركيا، حيث نصح الدولتين بعدم التورط في التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران.

في تصريح له مؤخراً، أوضح أردوغان بأن تركيا تعمل على تسريع برنامجها للصواريخ الباليستية المتوسطة والطويلة المدى وتعمق قوة الردع لديها لجعل تركيا دولة لا يجرؤ أحد على تحديها، كما تعهد بأن تركيا سوف تجعل صناعتها الدفاعية مستقلة تماماً.

وفي وقت لاحق، كتب أردوغان على موقع اكس: “كان لجيش الإمبراطورية العثمانية المنتصر مبدأ، إذا كنت تريد الاستقلال والحرية والعيش على هذه الأرض بشرفك وكرامتك ونزاهتك، إذا كنت تريد الرخاء الاقتصادي والوفرة والثروة والوئام والسلام، فيجب أن تكون دائماً مستعداً للحرب”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة