هل تشكل عملية تخليص الأسرى من غزة بداية لتدخل أميركي أعمق في الحرب؟

أظهر مقطع فيديو مصور مروحية تقل جنوداً من جيش الاحتلال مع اسرى إسرائيليين تم تخليصهم في عملية نهارية داخل غزة على بعد أمتار قليلة من الرصيف البحري الذي أنشأه الجيش الأميركي على لنقل المساعدات إلى القطاع المحاصر.

وفي ذات اليوم، أعلنت الولايات المتحدة أن الرصيف المقام على شاطئ البحر المتوسط في غزة قد أعيد فتحه بعد أن تضرر جراء عاصفة ضربته.

وقال مسؤول أميركي سابق لموقع ميدل إيست آي: أنه لم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تقوم بعمل أفضل من ذلك لدفع الناس إلى الاعتقاد بتورطها المباشر في عملية إنقاذ الأسرى الإسرائيليين.

احتفل الإسرائيليون بإنقاذ أربعة من أسراهم من قبضة حماس في غزة يوم السبت، في ظل قلقهم الشديد على مصير من بقي في غزة من الذين أسرتهم حماس خلال هجومها على مستوطنات الاحتلال وثكنات جيشه في 7 تشرين الأول/أكتوبر.

ولكن الهجوم الدموي الذي نتح عنه إطلاق الأسرى الأربعة أسفر عن استشهاد 274 فلسطينياً على الأقل، وفقاً لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، الأمر الذي خلق موجة من الغضب بين الفلسطينيين ومنتقدي دولة الاحتلال.

وتركت عملية الاحتلال لتخليص الأسرى المسؤولين الأميركيين يواجهون أسئلة حول مدى تورطهم في الهجوم بعد أن قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة قدمت الدعم للاحتلال على مدى عدة أشهر في جهوده لتحديد مواقع الأسرى في غزة واستعادتهم.

وقالت القيادة المركزية الأميركية، وهي القيادة العسكرية الأميركية التي تقع منطقة الشرق الأوسط تحت مسؤولياتها، أن الاحتلال استخدم المنطقة الجنوبية من الرصيف كموقع هبوط، لكن “الرصيف الإنساني، بما في ذلك معداته وأفراده وأصوله لم يستخدم في عملية تخليص الرهائن”.

غير أن مسؤولاً أميركياً في وزارة الدفاع، تحدث مع ميدل إيست آي بشرط عدم الكشف عن هويته، أكد أن استخدام إسرائيل للشاطئ مع الرصيف على بعد مرمى حجر من العملية، “يعني أننا كنا جزءاً منها”.

ولم يعلق المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون على المساعدة المحددة التي قدمتها الولايات المتحدة للاحتلال في العملية، لكنهم أوضحوا أن العملية ما كانت لتتم دون أن تتلقى الولايات المتحدة إخطاراً بخطة التسلل عبر الشاطئ لأنها تحتفظ بنظام دفاع جوي عند الرصيف.

تعطل وقف إطلاق النار

جاءت عملية تخليص الأسرى في ظل الجهود المتعثرة التي تبذلها واشنطن لدفع حماس والاحتلال إلى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار.

وبدا أن فرص الوصول للاتفاق تواجه انتكاسة يوم الثلاثاء، بعد أن أصدرت حماس ردها على المقترح الذي أعلن بوساطة أمريكية، حيث اختلفت الولايات المتحدة والاحتلال وحماس حول معنى الرد.

فقد زعم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن حماس قدمت “تعديلات عديدة” على المقترح الذي طرحه بايدن في 31 أيار/مايو، قائلاً أن “بعضها قابل للتنفيذ وبعضها ليس كذلك”.

لكن أسامة حمدان، أحد كبار مسؤولي حماس، نفى يوم الأربعاء أن تكون الحركة قد طرحت أي أفكار جديدة لوقف إطلاق النار.

وكان مسؤولو حماس قد أكدوا في وقت سابق أنهم يريدون ضمانات بأن مقترح الاتفاق، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي وأقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الاثنين، لن يسمح للاحتلال باستئناف القتال بمجرد إطلاق الحركة لسراح الأسرى كجزء من المرحلة الأولى من الاتفاق المكون من ثلاث مراحل.

وقال فرانك لوينشتاين، المبعوث الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في إدارة أوباما: “كانت حجة إسرائيل دائماً أنها لا تحتاج إلى وقف إطلاق النار لإنقاذ الأسرى، ومن المرجح أن تسهم عملية الإنقاذ في تعميق عزمها على ذلك”.

ومع توقف محادثات وقف إطلاق النار، تواجه إدارة بايدن احتمالات صعبة بالانجراف إلى عمق العمل الشاق اليومي لحليفتها في حرب غزة، وهي المنطقة التي أطلق عليها بعض مسؤولي الأمم المتحدة اسم “مقديشو على البحر الأبيض المتوسط”.

وذكر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي في أيار/مايو أن دولة الاحتلال تتوقع أن تستمر الحرب على غزة سبعة أشهر أخرى على الأقل.

وقال لوينشتاين أنه في حال لم تتمكن إدارة بايدن من التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فمن المرجح أنها لن تجد خياراً سوى الخوض بشكل أعمق في حرب الاحتلال على غزة ومعالجة الأزمة الإنسانية.

وأضاف: “من الأساس نحن لا نسيطر على مجريات الحرب الآن، والسؤال الحالي هو أنه مع فشل وقف إطلاق النار، هل يتعين علينا أن نشارك بشكل أكبر في التفاصيل الدقيقة على الأرض، من أجل منع خروج الأمر عن السيطرة تماماً؟”

منح النصر للاحتلال

ويرى المحللون والمسؤولون الأمريكيون السابقون أنه إذا ما استمرت الحرب، فقد يصبح تبادل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية مع الاحتلال لتحديد مكان الأسرى وتخليصهم عبر هجمات دامية مثل ما جرى في مخيم النصيرات أكثر شيوعاً.

وقد ذكر موقع ميدل إيست آي في وقت سابق أن الولايات المتحدة كثفت جهودها لمساعدة الاحتلال في العثور على قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، وقتله.

كما ضاعفت الولايات المتحدة جهودها المثيرة للجدل لتوزيع المساعدات على غزة، حيث القيادة المركزية يوم السبت الذي وقعت فيه عملية النصيرات أن الولايات المتحدة أفرغت 1.1 مليون رطل من المساعدات الإنسانية من الرصيف الذي بلغت كلفة إنشائه 230 مليون دولار. 

وقال منتقدو الرصيف أنه يسهم في صرف الانتباه عن الحاجة الفورية لإعادة فتح الاحتلال للمعابر البرية إلى غزة.

ووطأ بايدن لما قال عنه إنه مقترح إسرائيلي لوقف إطلاق النار في 31 أيار/مايو بإيماءات توحي بتحقيق النصر للاحتلال حين قال: “في هذه المرحلة، لم تعد حماس قادرة على تنفيذ هجوم 7 أكتوبر آخر”.

لكن المحللين يعتقدون أن الولايات المتحدة، ومن خلال محاولة إقناع الاحتلال بذلك، قد تزيد ببساطة من تصميمه على مواصلة الحرب.

وقال أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة الاستشارات السياسية أوراسيا جروب: “الإسرائيليون يواصلون إيجاد طرق لإخبار إدارة بايدن أنها لا تفعل ما يكفي وأن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود، سواء على الجانب الاستخباراتي أو الدعم العسكري”.

وأضاف: “إن منح الاحتلال النصر هو ما تبحث عنه الإدارة في محاولة لإنهاء هذه الحرب”.

وقال مسؤول أمريكي سابق مقرب من دوائر صنع القرار لدى إدارة بايدن أن الإدارة “لا تستطيع منع نفسها من التورط بشكل أعمق”.

مقالات ذات صلة