بقلم نادر درغام
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
أثارت الحرب الإسرائيلية المستمرة على الفلسطينيين تساؤلات جوهرية حول مستقبل الشرق الأوسط وكيفية تفاعل القوى العالمية معه.
وبسبب منح الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية دعمها غير المشروط لإسرائيل، فقد وجدت بعض الدول العربية ذاتها مضطرة للسعي إلى حماية مصالحها والعمل على تهدئة الغضب الشعبي.
فقد أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، السبت، أن وفدا من القمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة، التي عقدت في الرياض مطلع الشهر الجاري، سيتوجه إلى عدة عواصم عالمية للترويج لوقف فوري لإطلاق النار في غزة.
تمثل الصين الوجهة الأولى لتلك الجولات تليها روسيا، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تحول الدول العربية نحو الشرق.
مارست العديد من الدول العربية المؤثرة حراكاً دبلوماسياً حذراً منذ اندلاع العدوان الأخير الذي بدأ عندما أدى هجوم قادته حماس على جنوب إسرائيل إلى مقتل أكثر من 1100 إسرائيلي في 7 تشرين الأول / أكتوبر، فيما أدى العدوان الإسرائيلي الجوي والبري إلى مقتل أكثر من 14500 فلسطيني وتدمير جزء كبير من البنية التحتية المدنية في القطاع.
“يعرف الفلسطينيون أن الشعب العربي يدعم قضيتهم بشدة، لكنهم يشعرون بالتخلي عنهم من قبل القادة الذين يطلقون الخطابات دون تحرك أبدًا” – طارق كيني الشوا، الشبكة السياسية الفلسطينية.
ورغم أن جميع الدول العربية قد أصدرت بيانات تدين الحرب الإسرائيلية في غزة، فإن الدول التي وقعت معاهدات السلام الأخيرة مع إسرائيل تبدو مهتمة إلى حد كبير بتأمين علاقاتها الجديدة مع تل أبيب.
وابتداءً من عام 2020، أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب ضمن ما يعرف باتفاقيات إبراهيم التي توسطت فيها الولايات المتحدة، وقبل 7 تشرين الأول / أكتوبر، كان يُنظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها الدولة التالية، وربما الأكثر أهمية، في عملية التطبيع.
وقالت إلهام فخرو، الزميلة المشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: “اتخذت المملكة العربية السعودية موقفاً قوياً نسبياً من خلال تعليق محادثات التطبيع مع إسرائيل، لكن أغلب الدول العربية التي تمتلك علاقات أصلاً مع إسرائيل رفضت تعريض هذه العلاقات للخطر”.
وفي 2 تشرين الثاني / نوفمبر، قال البرلمان البحريني في بيان له إن المنامة استدعت سفيرها لدى إسرائيل، لكن تقارير إعلامية دحضت هذا الادعاء دون صدور أي توضيح من وزارة الخارجية في البلاد.
بخلاف ذلك، لم تسجل تحركات مماثلة من جانب الموقعين الآخرين على اتفاقات إبراهيم، حيث يقول طارق كيني الشوا، زميل السياسات الأمريكي في الشبكة السياسية الفلسطينية، إن هذا التقاعس النسبي لم يكن مفاجئًا جدًا للفلسطينيين.
وتابع: “يشعر معظم الفلسطينيين بخيبة أمل عميقة إزاء عدم استجابة القادة العرب في جميع أنحاء المنطقة، هم يدركون في نهاية المطاف أن الشعب العربي والشوارع العربية تدعم قضيتهم بشدة، لكنهم يشعرون بالتخلي عنهم من قبل القادة الذين يتحدثون كلاماً، ولكنهم لا يقومون بأي فعل أبدًا”.
“بعيد كل البعد عن الوحدة التاريخية”
تركز الضغط العربي في مصر والأردن، الذين تحكمهما أنظمة التطبيع القديمة، حيث وقع البلدان معاهدات السلام مع إسرائيل قبل عقود من اتفاقيات إبراهيم.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أوضح أنه يعارض بشدة أي خطط لتهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، لكن القاهرة تواجه انتقادات بسبب إحجامها عن فتح معبر رفح مع غزة بشكل أكثر فاعلية.
أما الأردن فقد طرد السفير الإسرائيلي من عمان واستدعى سفيره من إسرائيل، كما انسحب من اتفاق الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل تحت ضغوط داخلية.
وفيما قامت هاتان الدولتان بملاحقة واعتقال المواطنين الذين كانوا يحتجون تضامناً مع غزة، فقد حاولت تهدئة الغضب الشعبي من خلال مواقف أكثر قوة ضد إسرائيل.
وقال كيني الشوا: “إن القادة العرب مثل السيسي والملك عبد الله ومحمد بن سلمان يمتلكون نفوذاً يمكنهم استخدامه للضغط على إسرائيل، مثل التهديد بالانسحاب من اتفاقيات التطبيع أو المفاوضات”.
ويضيف أن هذه الدول لا تزال تفضل الحفاظ على الدعم الذي تتلقاه من الدول الغربية، إلى جانب الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية التي تستفيد منها.
ويوافق فخرو على هذا الرأي قائلاً إن الدول العربية لا تزال منقسمة حول مسار العمل المفضل لديها.
وأضاف: ” هذا المسار بعيد كل البعد بالتأكيد عن الوحدة التاريخية بعكس ما جرى في مسألة الحظر النفطي عام 1973 على سبيل المثال”.
ورداً على دعم الدول الغربية لإسرائيل خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، كانت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بقيادة الملك السعودي آنذاك فيصل قد فرضت حظراً نفطياً على العديد من الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة وهولندا.
وقد أدت تلك الخطوة في حينه إلى تضاعف سعر برميل النفط الواحد أربع مرات خلال فترة الحظر، حيث عانت الولايات المتحدة نقصاً في الوقود على مستوى البلاد.
والآن، مع استمرار حرب إسرائيل على غزة التي تخللتها هدنة مؤقتة بوساطة قطرية، فإن المواقف العربية الموحدة تتمسك بالمطالبة بوقف إطلاق النار، حيث دعت المملكة العربية السعودية الدول إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
ورغم ذلك، فإن الخبراء يعتقدون أن الدعم الأمريكي المتواصل لإسرائيل الحليفة قد يكون له في نهاية المطاف تأثير على القادة العرب.
ووفقاً لكيني شوا، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى توسيع الفجوة العالمية بين الشرق والغرب.
وقال: ” الشعب العربي وقادته يشهدون مدى حماسة الولايات المتحدة في دعم القتل الجماعي لإخوانهم العرب، وهذا سيدفعهم نحو تعميق العلاقات مع القوى الأخرى مثل الصين”.
ورغم أنه من غير المتوقع بأي حال من الأحوال أن تحل الصين محل الولايات المتحدة في المنطقة، فإن نهجها البناء نسبياً في التعامل مع صراعات الشرق الأوسط، والذي عززته وساطتها في المصالحة السعودية الإيرانية، قد يجعلها تلعب دوراً أكثر أهمية.
ويعتقد فخرو أن “دول الخليج تنظر إلى دول مثل روسيا والصين كشركاء مفيدين”.
وأضاف: ” تحول القادة الخليجيين شرقًا هو جزء من جهد أوسع لتنويع علاقاتهم خارج الولايات المتحدة، في وقت أبدت فيه واشنطن وضوحاً بشأن اعتزامها الانسحاب من المنطقة”.
يمكن لتوفر منافسين للولايات المتحدة من شركاء دول الخليج أن يسمح لهذه الدول كذلك بالحصول على مزيد من النفوذ في واشنطن، إذا تحركت الأخيرة في اتجاه غير مرغوب فيه، لكن هذه المواقف تبقى حاضرة في إطار المصلحة الذاتية لهذه الدول ولا تنطلق من منطلق الدعم الحقيقي للقضية الفلسطينية.
ويقول كيني شوا إن هذا هو العامل الرئيسي الذي يحدد المواقف الرسمية العربية تجاه إسرائيل وفلسطين.
وتابع: “طالما يدير العالم العربي مستبدون مهتمون بمصلحتهم الذاتية ومصممون على الحفاظ على سلطتهم مهما كان الثمن، فلا ينبغي للفلسطينيين أن يتوقعوا منهم ممارسة ضغوط جدية على إسرائيل”.