هل تواجه الولايات المتحدة ما واجهته قطر من نقد غربي في كأس العالم 2026 ؟

بقلم ديفيد هيرست

لم ينفذ السيناريو الذي تم التخطيط له وتوزيعه جيداً قبل سنوات من قبل جيران الدوحة، الذين تسببت غيرتهم منها بدعم محاولة استحواذ الإمارات على استضافة كأس العالم، ولكن السعودية والإمارات فشلتا بذلك بالرغم من الدعم الساذج الذي قدمه الإعلام الغربي دون أن يستفسر عن دافع البلدين الخليجيين.

تمحور السيناريو المخطط له حول محاولة التشكيك بأهلية قطر لاستضافة كأس العالم، عبر اتهامها بسجل ضعيف في ملف حقوق الإنسان والتمييز ضد المثليين، بالإضافة إلى ادعاءات للتشكيك بمصداقية الدوحة في الحديث عن أعداد العمال المهاجرين الذين ماتوا خلال العمل في الإنشاءات استعداداً لكأس العالم، وإشاعة حول تلقي اللاعب الإنجليزي هاري كين تهديدات في حال ارتدائه شعار المثليين على ساعده.

من المؤسف حقاً أن الغسيل الرياضي ينجح، ولا يوجد مكان أنسب لذلك من بريطانيا التي تمارس الغسيل الرياضي بنفسها

على أرض الواقع، لم تكترث قطر ولا الجماهير المبتهجة بالحدث الرياضي من أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا بذلك السيناريو الذي أثبت فشله، في ظل النجاح العالمي الذي حققه المونديال في قطر، خاصة مع تسهيلات الحصول على الفيزا لآلاف المشجعين من شرق الأرض وغربها، كانوا سيواجهون ربما صعوبات أكبر في الحصول عليها لو كان المونديال في بلد أوروبي أو في الولايات المتحدة،  وتمكنت قطر من تحويل جزء كبير من صحرائها خاصة وسط الدوحة إلى أماكن خضراء وحدائق جميلة ومنظمة.

كل تلك التجهيزات والتسهيلات لم تساهم في الحد من حسد وانتقاد الصحافة والإعلام الغربي، من الغارديان إلى بي بي سي والتلغراف والنيويورك تايمز وغيرها، من بداية المونديال الناجح وحتى آخر لحظاته عندما تسلم ميسي الكأس وهو يلبس البشت العربي.

“في المكان الخاطئ”!

لم تقم قناة البي بي سي  بنقل حفل الافتتاح، أما الغارديان فقد كتبت في صفحتها الأولى ” كان كأس عالم رائع، ولكنه وُجد في المكان الخاطئ”، فيما كتبت النيويورك تايمز في ختام المونديال ” لقد عرفت قطر كيف تصرف لتنجو من مأزقها الأخلاقي”، وهو عنوان غريب بالنسبة لمؤسسة إعلامية تقول أنها تؤمن بمبادئ الرأسمالية والديمقراطية.

من جهة أخرى، لم ولن أنتقد زملائي الصحفيين الذين تحروا في ملف حقوق الإنسان في قطر هنا، فقد قامت ميدل إيست آي التي أنتمي لها منذ بداياتها بنبش ملف حقوق الإنسان المتردي في الشرق الأوسط، ومن بينها قضية العمال الآسيويين الذين يشكلون 70% من العمال في قطر، كما قام زميلي بيتر أوبورن بالتحقيق في قصف السعوديين على مواقع للحوثيين في اليمن في وقت كانت فيه قطر شريكة في “قوات التحالف” الخليجية، بالإضافة إلى نشر تحقيق حول قضية اختفاء الشابة القطرية نور المقاديد، وذلك بعد حديثها عما تعرضت له من عنف منزلي مشجعة النساء في قطر على الهروب كما فعلت.

لست ضد كشف الحقائق وراء تراجع حقوق الإنسان في قطر أو غيرها، ولكني أتساءل لماذا لا يسلط الإعلام الغربي الضوء على قضايا تمس حقوق الإنسان، مثل قضية العمال الآسيويين، والتي تدين قطر بالتأكيد، في أقاليم أخرى أقرب إليها جغرافياً؟! وهل يتم تطبيق المعايير التي تسمى “عالمية” في كل مكان بالفعل؟! هل العالم مقسوم بشكل واضح إلى دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وأخرى دكتاتورية، ملكية كانت أو عسكرية، لا تحترمها؟ هذا جوهر حديثي في هذا المقال.

كأس العالم في روسيا

دعوني أتوقف هنا عند تغطية الإعلام الغربي لكأس العالم في روسيا عام 2018، هل عزفت البي بي سي عن نقل حفل افتتاح وختام المونديال آنذاك؟ لأنني أعتقد أن لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثير مما يمكن التحقيق فيه بما يخص ملف حقوق الإنسان!

بوتين كان المسؤول عن احتلال دونباس والقرم قبل 4 سنوات فقط من المونديال، كما أنه عُرف لأول مرة قبل 18 عاماً حين عينه الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسن رئيساً للوزراء بعد سحقه للمقاومة في الشيشان، أمر شجع الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير على اعتبار بوتين “شريكاً في محاربة الإرهاب” بدلاً من إدانته على جرائم الحرب التي وثقتها تحقيقات صحفية في الشيشان.

وقد كشف كتاب ” تفجير روسيا” للمؤرخ الروسي الأمريكي، يوري فلشتنسكي، والذي نشر في آخر التسعينات بالتعاون مع الملازم الروسي ألكسندر ليتفينينكو، كذب جهاز الأمن الفيدرالي الروسي عند ادعائه تورط من أسماهم “الإرهابيين” في الشيشان بقتل المدنيين بدلاً منه.

غسيل رياضي

ورغم قيام رمضان قاديروف، رجل روسيا الذي يحكم الشيشان، بشن حملة ضد المثليين في الشيشان، شملت الاعتقال والضرب والإهانة لكل من يشتبه بأنه مثلي، تزامناً مع إقامة كأس العالم في روسيا عام 2018، إلا أن ذلك لم يستفز القنوات الرياضية في الغرب والتي استمرت في مدح المونديال وروسيا!

ولم تنزعج الصحافة الغربية كذلك من أن عمالاً من كوريا الشمالية تعرضوا لظروف غير إنسانية وموت أيضاً خلال أعمال إنشاءات في روسيا استعداداً لكأس العالم، كما أن مشجعي الكرة الروس استخدموا هتافات وشعارات عنصرية ونازية خلال المونديال!

وفي بريطانيا، سيطرت أموال السعودية على نادي نيوكاسل يونايد، وأموال الإمارات على نادي مانشيستر، في عملية تدريب على غسيل رياضي، فلماذا لم تبد البي بي سي حماساً للتحقيق في هذه التطورات كما أبدت في مونديال قطر؟!

لو طبقت أي من المعايير التي تستخدم في تقييم دول أخرى غير الغربية، لتبين بوضوح أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون ملائمة لاستضافة كأس العالم

لا يوجد هناك مبرر ولا معنى سياسي ولا عملي وراء تفريق الدوري الانجليزي الممتاز بين الحاكم السعودي الذي قام بتمويل التحالف الذي اشترى النادي، وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي قام بمطاردة معارضين سعوديين وقتلهم، فلا شيء يحدث بالسعودية دون علم وأوامر بن سلمان.

من المؤسف حقاً أن الغسيل الرياضي ينجح، ولا يوجد مكان أنسب لذلك من بريطانيا التي تمارس الغسيل الرياضي بنفسها، فقد نجح الغسيل في سباقات الفورمولا 1 وفي هوليوود سابقاً، حتى رأينا المخرج الأمريكي أوليفر ستون في افتتاح مهرجان البحر الأحمر للأفلام في السعودية يقول أن “السعودية يُساء فهمها في كثير من الأحيان”!

انتهاكات أمريكية

ماذا إذن عن كأس العالم القادم؟ المونديال الذي سيقام عام 2016 باستضافة الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمكسيك، هل يخرج أحد ليصرح بأن الولايات المتحدة لا تصلح لإقامة المونديال بسبب تراجع ملف حقوق الإنسان فيها؟! أخشى أن أنتظر طويلاً قبل أن يحصل ذلك.

إذا تحدثنا عن ملف المهاجرين إلى الولايات المتحدة، نجد أن 853 مهاجراً ماتوا على الأقل خلال محاولتهم عبور الحدود المكسيكية الأمريكية عام 2022، وأن 7 آلاف مهاجر ماتوا بين 1998-2020 لأسباب مختلفة، ويقدر مركز دراسات المهاجرين أن هناك حوالي 11.35 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة، غالبيتهم يعملون في حصاد المزروعات، فقد ذكر تقرير لصحيفة الغارديان (مايو 2021) أن ” الكثير من المزارعين الغير مسجلين يعملون منذ سنوات ويدفعون الضرائب ولديهم أبناء أمريكيو الجنسية، ولكنهم لا يتمتعون بحقوق العمال مثل غياب التأمين الصحي وخدمات أخرى، ويواجهون خطر الإجلاء في أي لحظة”.

وماذا عن تاريخ العبودية وتعويضات وصفتها ذا إيكونوميست بقولها “تبدو جذابة ولكنها معيبة”، وتشير دراسة تاريخية لمركز “ستاتيستيكا” الإحصائي، إلى أن تجارة العبيد بين 1501-1866 وصلت إلى قرابة 12.5 مليون إنسان إفريقي إلى الأمريكتين، مات حوالي 1.8 منهم خلال الرحلة”، واليوم بعد 150 سنة من انتهاء العبودية، يبلغ متوسط الدخل السنوي للعائلات البيض في الولايات المتحدة 188 ألف$، مقابل 24 ألف$ للعائلات السود وفقاً لاستطلاع فدرالي لعام 2019.

ووفقاً لحملة لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة، فقد تم تغريم أكثر من 100 شخص من المتحولين جنسياً، بالإضافة إلى 32 حادثة قتل للمتحولين في 2022، لا يتم التحقيق بها.

معايير مزدوجة

وإذا رجعنا إلى التاريخ، ماذا عن ما فعله المستوطنون الأوروبيون للسكان الأصليين في الأمريكيتين؟ فقد أشارت دراسة في جامعة لندن إلى مقتل 56 مليون من الهنود الحمر على أيدي المستوطنين الأوروبيين خلال 100 عام، باعتبار أنهم “يقفون في طريق قدر الأوروبيين”!

أما سجل الولايات المتحدة الحديث، فهو حافل بالقتل، حيث أشارت دراسة في جامعة براون الأمريكية إلى أن 480 ألفاً قتلوا في العراق وأفغانستان والباكستان نصفهم تقريباً من المدنيين، كما قتلت طائرات الدرون الأمريكية وحدها أكثر من 22 ألف مدني حول العالم منذ هجمات 11 سبتمبر.

ولذلك أقول، لو طبقت أي من المعايير التي تستخدم في تقييم دول أخرى غير الغربية، لتبين بوضوح أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون ملائمة لاستضافة كأس العالم، لكن المبرر الموجود دائماً عند سرد الحقائق السابقة أنها “تفتقر إلى السياق”، فهل من العدل محاكمة الجيل الحالي بخطايا أجداده؟ هل تتحمل ألمانيا اليوم تبعات النازية؟ أنا أتفق مع هذه التساؤلات تماماً، ولكن لماذا لا نطبق نفس المعايير عندما نتحدث عن المجتمعات المسلمة المحافظة اجتماعياً، وهل يمكننا وضع الإسلام في نفس السياق والفارق؟ لا أظن أننا نفعل.

تجري هذه الأيام أعمال بناء في فرنسا استعداداً لاستضافة الألعاب الأولمبية في 2024، حيث رفعت فرنسا شعار ” الإدماج الاجتماعي للاجئين وطالبي اللجوء” لهذا الأولمبياد، يا للسخرية، ينتابني فضول كبير حقاً لاستكشاف كم من العمال غير الشرعيين تستغلهم فرنسا في إنشاءاتها الآن!

سأقولها بكل صراحة، أنا لا أعتقد أن الكثير تغير في العالم الغربي منذ قتل المستوطن الأوروبي السكان الأصليين في الأمريكيتين وأقام حضارة له مكانهم، باستثناء أمر واحد، وهو اضمحلال هذا الفكر الليبرالي المستورد من الغرب والذي يحاول فرض القومية والقوانين والأنظمة بطريقته، فارضاً العقاب على من يخالفه، ولكن سواء أعجبهم ذلك أم لم يعجبهم، فإن الغرب لم يعد بالتأكيد النموذج الذي يتطلع بقية العالم إليه، أو فلنقل “مات المرشد الغربي”.

مقالات ذات صلة