هل سنشهد نهاية الهيمنة الأمريكية على العالم بسبب دعمها الأعمى لإسرائيل؟

بقلم سامي العريان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

منذ نشأتها، كان من الضروري لإسرائيل كدولة عدوانية توسعية جديدة أن تعمل دوماً على تأمين دعم ورعاية قوة دولية قوية، وهذا الدور هو الذي لعبته بريطانيا في البداية مع وعد بلفور عام 1917 وأثناء انتدابها على فلسطين، فقد مكنت وسهلت لأعداد كبيرة من الجاليات اليهودية الأوروبية من أجل غزو فلسطين والاستيطان فيها، ثم الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية عسكريًا، وطرد معظم السكان العرب الأصليين من قراهم وبلداتهم ومدنهم عام 1948.

وخلال العقدين التاليين، اعتمدت إسرائيل بشكل أساسي على الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة من أجل الحصول على الأسلحة والأموال والدعم السياسي بشكل مستمر، وهذا شمل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مع بريطانيا وفرنسا، والتعويضات الألمانية، والأسلحة الأمريكية والحماية السياسية المستمرة.

منحت واشنطن إسرائيل غطاءً سياسياً دائماً، بما في ذلك استخدام  حق النقض 46 مرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ عام 1973، فكل الرؤساء منذ ريتشارد نيكسون، استخدموا حق النقض خلال فترة ولايتهم

وخلال حقبة الحرب الباردة، ومن أجل خدمة أهدافها الجيوسياسية في الشرق الأوسط آنذاك، عملت الولايات المتحدة فعلياً على تبني هدف إسرائيل في التحول إلى قوة مهيمنة إقليمية، ولكن بعد عقود من الدعم الذي لا ينضب، يبدو أن تورط الولايات المتحدة في حرب إسرائيل الأخيرة قد يثبت في الواقع أنه أدى إلى تراجع الهيمنة الأميركية على العالم وليس العكس.

دعم أعمى

خلال النصف الثاني من القرن العشرين، تطورت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من الدعم إلى الشراكة الاستراتيجية، فأصبحت واشنطن المزود الرئيسي للمعدات العسكرية الأكثر تقدماً بالإضافة إلى المساعدات الاقتصادية، كما منحت واشنطن إسرائيل غطاءً سياسياً دائماً، بما في ذلك استخدام  حق النقض 46 مرة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ عام 1973، فكل الرؤساء منذ ريتشارد نيكسون، استخدموا حق النقض خلال فترة ولايتهم. 

ومنذ عام 1971، تلقت إسرائيل أكثر من 260 مليار دولار من الولايات المتحدة،  بالإضافة إلى مليارات أخرى قدمتها المؤسسات الخاصة والسندات الإسرائيلية.

كما أن واشنطن، ومنذ هجوم المقاتلين الفلسطينيين في 7 أكتوبر، قد أيدت مراراً وتكراراً “وبدون تحفظ” الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة، والذي أدى إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين، والتدمير الكامل للبنية التحتية في غزة، فقد قتل ما لا يقل عن 8300 فلسطيني وجرح 22 ألف آخرون، 70% من الأطفال والنساء.

رغم حرب الإبادة الجماعية الواضحة، فقد واصلت الولايات المتحدة تقديم دعمها الأعمى لإسرائيل، بحجة أن لها “الحق في الدفاع عن نفسها” دون أي اعتبار للقوانين والاتفاقيات الإنسانية الدولية، كما قامت وسائل الإعلام والسياسيون الأمريكيون، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، بترويج الأكاذيب الإسرائيلية بلا أي دليل، مثل أكذوبة الأطفال مقطوعي الرأس، والاغتصاب، ومحاولة إبادة اليهود الإسرائيليين.

وبعد قصف إسرائيل للمستشفى المعمداني في غزة، والذي أسفر عن مقتل 471 شخصاً، كررت واشنطن الكذبة الإسرائيلية المعتادة في إلقاء اللوم على الفلسطينيين رغم الأدلة الدامغة التي تثبت مسؤولية إسرائيل!

تجاهل السياق

على مدى 3 عقود، ظلت الولايات المتحدة حريصة على تقديم نفسها على أنها “وسيط نزيه” يحاول التوصل إلى تسوية سياسية على أساس ما سمي بـ “حل الدولتين”، ولكن الحقيقة أنه طوال تلك الفترة، كانت الولايات المتحدة تدعم  السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة أو حتى الحد الأدنى المطلوب للتسوية السياسية بشكل كامل.

لقد حطم الهجوم الفلسطيني المفاجئ أسطورة الجيش الإسرائيلي وتفوق أجهزة استخباراته،  كما هز الطبقة السياسية والعسكرية في إسرائيل حتى النخاع وأحدث انقساماً في مجتمعها، ولذلك، يحاول  يحاول القادة الغربيون، من خلال دعمهم المستمر، رفع معنويات الإسرائيليين المتدهورة

وفي الأحداث الجارية، تجاهلت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عمداً السياق الذي وقعت في ظله وبسببه هجمة حماس، فمنذ وصولها  إلى السلطة قبل 10 أشهر، تحاول الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية فرض رؤيتها لإنهاء الصراع من خلال خلق حقائق جديدة على الأرض، لإجبار الفلسطينيين على الاختيار بين 3 خيارات، إما قبول نظام الفصل العنصري، أو الرحيل، أو القتل.

في ظل تلك الحكومة، تم تمكين شريكي نتنياهو المتطرفين، ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، من تنفيذ خططهما في الضفة الغربية، فقد قام سموتريش، الذي أعلنها بجرأة وقحة بأن الفلسطينيين غير موجودين، بالتعجيل ببناء المستوطنات الإسرائيلية، سعياً إلى مضاعفة عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة إلى مليون شخص.

من جانب آخر، فقد تزايدت وتيرة هجمات المستوطنين واقتحامهم للمسجد الأقصى هذا العام، الأمر الذي ينذر بفرض قيود أكثر صرامة على دخول الفلسطينيين، ففي الأسابيع الثلاثة التي سبقت 7 أكتوبر، كان الاقتحام للأقصى قد تحول إلى حدث شبه يومي لا يخلو من سلوك عدواني وإهانات من طرف المستوطنين والشرطة الإسرائيلية تجاه المقدسيين.

وخلال 9 أشهر منذ بداية عام 2023، اغتالت قوات الأمن بقيادة بن غفير في الضفة الغربية نشطاء فلسطينيين، واقتحمت مخيمات اللاجئين والقرى، وقتلت ما يقرب من 200 فلسطيني بينهم 27 طفلاً، فيما يواجه أكثر من 5500 أسير فلسطيني ظروفاً قاسية في السجون الإسرائيلية،  حيث سلبت كافة حقوق الأسرى التي ناضلوا لأجلها سنوات طويلة، ومنذ 7 أكتوبر، تم اعتقال ما يزيد عن 1000 فلسطيني ومقتل أكثر من 100 فلسطيني في الضفة الغربية، يغلف كل تلك المظالم الحصار الخانق المفروض على غزة على مدار 16 عاماً دون أي حل في الأفق.

في ظل كل تلك المظالم، ظلت الولايات المتحدة متشدقة بحل الدولتين غامض الملامح بطبيعة الحال، والصفقة الوحيدة التي حاولت واشنطن التوسط فيها هي التطبيع السعودي الإسرائيلي، دون أي اعتبار لمحنة الفلسطينيين، ومع هذه الخلفية، لم يبقَ لفصائل المقاومة سوى خيار الهجوم المسلح.

أهداف المقاومين المعلنة هي فرض حد لتدنيس المسجد الأقصى، ووقف التوغلات العسكرية الإسرائيلية في بلدات ومدن الضفة الغربية التي أسفرت عن مقتل المئات، ودفع عملية تبادل الأسرى، ورفع الحصار عن غزة، وإرسال رسالة قوية إلى المجتمع الدولي والعالم أنه لن يكون هناك سلام أو تطبيع على حساب الحقوق الفلسطينية.

النفخة الأخيرة

لقد حطم الهجوم الفلسطيني المفاجئ أسطورة الجيش الإسرائيلي وتفوق أجهزة استخباراته،  كما هز الطبقة السياسية والعسكرية في إسرائيل حتى النخاع وأحدث انقساماً في مجتمعها، ولذلك، يحاول  يحاول القادة الغربيون، من خلال دعمهم المستمر، رفع معنويات الإسرائيليين المتدهورة.

خلال الأسبوعين الماضيين، قام الغرب بتزويد إسرائيل بإمدادات غير محدودة من الأسلحة لمواصلة حربها القاسية على غزة، تحقيقاً لسياسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في غزة.

كما قال لينين “هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع يحدث فيها ما لم يحدث في عقود”، ونحن نعيش اليوم أسابيع قد تحدد مستقبل المنطقة لعقود قادمة!

منذ الأيام الأولى، قدمت الإدارة الأمريكية طلبًا إلى الكونغرس للحصول على مساعدات بقيمة 14.3 مليار دولار لتحسين الاقتصاد الإسرائيلي المتدهور، كما أرسلت سفناً بحرية وحاملات طائرات وأنظمة أسلحة متقدمة، وحتى أسلحة وجنوداً إلى الأردن، لردع أطراف أخرى في المنطقة مثل حزب الله في لبنان وإيران وحلفائها الإقليميين في العراق واليمن وسوريا، عن دعم المقاومة الفلسطينية، حتى أن  بايدن نفسه سافر إلى إسرائيل ليعلن شخصياً دعمه، بل ونشر بطريق الخطأ على موقع إنستغرام صورة لنفسه وهو يصافح أعضاء قوة دلتا الأمريكية المنتشرة هناك.

ومنذ تلك الزيارة، أعلنت واشنطن بوضوح عن هدفها المشترك مع إسرائيل المتمثل في القضاء على القدرات العسكرية لحماس والجهاد الإسلامي وحركات المقاومة الأخرى في غزة، كما دافعت بقوة عن سياسة العقاب الجماعي بفرض قدر هائل من العنف على الفلسطينيين “من أجل تحويلهم ضد حماس” وإنهاء حكم الجماعة في غزة إلى الأبد.

الحقيقة أنه رغم هذا الدعم المعلن اللامحدود، فإن الولايات المتحدة تعلم جيداً أن مثل هذه الأهداف الكبرى تنطوي على مخاطر عظيمة،  فخسائرها في فيتنام، والصومال، وأفغانستان، والعراق ليست سوى أمثلة قليلة على المخاطر المترتبة على السماح بغزو بري واسع النطاق ضد أي مقاومة محلية، وعليه، فإذا ما انضمت الولايات المتحدة بشكل مباشر في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين، فسوف يكون من الصعب احتواء حرب إقليمية أوسع قد تمتد إلى دول أخرى وتؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض مصالح الولايات المتحدة.

ويعد القصف الإسرائيلي المروع  لغزة سبباً في إثارة غضب الملايين في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي يهدد برد فعل عالمي عنيف ضد الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، فدعم الولايات المتحدة الكامل لحرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تشنها إسرائيل في غزة قد يكون بمثابة الضربة القاضية للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة.

نتيجة لذلك، ربما لا يستمر الساسة الأميركيون في تقديم شيك على بياض لأوكرانيا لخوض حربها مع روسيا، وهو موقف واضح آخر يدل على النفاق الأميركي والمعايير المزدوجة، أو يسعون إلى الاستثمار في احتواء تصاعد الوجود الصيني في شرق وجنوب شرق آسيا كمنافس ند للقوة العالمية للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.

لن تؤدي حرب أخرى أو تورط عسكري آخر في الشرق الأوسط إلى تعقيد الحسابات الجيوسياسية الأميركية فحسب، بل قد يقوض قبضتها الخانقة على المنطقة وربما خارجها،

فكما قال لينين “هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وهناك أسابيع يحدث فيها ما لم يحدث في عقود”، ونحن نعيش اليوم أسابيع قد تحدد مستقبل المنطقة لعقود قادمة!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة