هل فقد القانون الدولي أهميته اليوم  بعد الحرب على غزة؟!

بقلم سلجوق آيدين وبشيتي آيدوغان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد امتلأ العالم بالاحتجاجات غير المسبوقة ضد الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، ولكن حتى الآن لم تتم ترجمتها إلى خطوات ملموسة على المستوى الدولي لوقف جرائم إسرائيل.

لقد كشفت الحرب عن التناقض الحاصل بين الإرادة الشعبية العالمية والعمل الحكومي والمؤسسي، الأمر الذي كان سبباً في تغذية انعدام ثقة عامة الناس في هذا النظام الدولي، وفي القانون الدولي ذاته.
لقد أصبحت الحاجة ملحة الآن إلى إعادة تقييم وظائف القانون الدولي، وهو ما سلط عليه الضوء مؤتمر أقيم مؤخراً في جامعة بوغازجي في مدينة إسطنبول التركية، تحت عنوان “إعادة النظر في القانون الدولي بعد غزة”، حيث أثار المؤتمر تساؤلات مهمة حول إنهاء الاستعمار ومستقبل القانون الدولي، وكان من بين المشاركين محامون وخبراء وأكاديميون ومشرعون من جميع أنحاء العالم.

لقد أحبط مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أي إجراء شامل يخص غزة، في حين فشلت دول في اتخاذ خطوات ملموسة على الصعيد الفردي، لأن النظام الدولي الحالي يشكل عقبة كبيرة أمام العدالة العالمية، ولذلك يجب إنهاء الاستعمار في القانون الدولي أولاً!

تتركز وظيفة القانون الدولي بتنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية العالمية على مستويات مختلفة، وذلك بهدف تسهيل السلام وحقوق الإنسان وحماية البيئة، ولكن في الواقع، أدى إلى تعزيز الاستعمار الغربي وامتياز الغرب الليبرالي.

عندما طُلب من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية اتخاذ خطوات نحو محاكمة إسرائيل، كانتا بطيئتين في التصرف، حتى أن الجنائية الدولية لطالما اتُهمت بالإفراط في التركيز على الدول الأفريقية.

لقد أدت الجذور الاستعمارية للقانون الدولي والتحيز الغربي إلى تهميش الجنوب العالمي، فهي قوانين أوروبية المركز في إنتاجها للمعرفة، وتتجاهل في منهجيتها المناطق الأخرى وتجاربها.

معايير مزدوجة

إن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على غزة لا تشكل جريمة إبادة جماعية فحسب، بل تشمل أيضاً جرائم أخرى مثل التدمير الممنهج للمساكن، ورغم انتقاد روسيا بانتظام لفشلها في الالتزام بالقانون الدولي، إلا أن الدول الغربية لم تتخذ نفس النهج مع إسرائيل.

يستخدم مصطلح منافسة القوى العظمى من أجل تعريف السياسة العالمية المعاصرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وتراجع الهيمنة الأمريكية، ففي عالم متعدد الأقطاب، تتنافس هيمنة الولايات المتحدة بشكل مباشر مع صعود الصين والرجعية الروسية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذا الهيكل المجزأ هو لماذا لا تتخذ الدول خطوات واضحة بشأن الحرب على غزة؟

في حقبة ما بعد الاتحاد السوفييتي، اعتبر انتصار النظام الليبرالي الدولي سبباً في تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون والقيم الديمقراطية، إلا أن تلك القيم الليبرالية لا تترجم إلى المساواة أو الرخاء في الجنوب العالمي، بل تعمل على قمع شعوبها بمن فيهم الفلسطينيون.

تتجلى الجذور الاستعمارية للنظام الليبرالي الدولي أيضاً في مؤسساته، فحق النقض المطلق الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان سبباً في إحداث شروخ في السياسة العالمية، وهذا ما اتضح بأمثلة مثل الغزو الأمريكي للعراق والغزو الروسي لأوكرانيا.

إضافة إلى ذلك، فقد تم استخدام حق النقض والقوة العسكرية لتحويل عدد من المناطق إلى مناطق صراع من خلال الحروب بالوكالة، فقد أحبط مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أي إجراء شامل يخص غزة، في حين فشلت دول في اتخاذ خطوات ملموسة على الصعيد الفردي، لأن النظام الدولي الحالي يشكل عقبة كبيرة أمام العدالة العالمية، ولذلك يجب إنهاء الاستعمار في القانون الدولي أولاً!

علاقات استعمارية

في الواقع، فإن النظام القانوني الدولي الحديث قد تشكل من خلال العلاقات الاستعمارية بحسب وصف باحثين مثل أنتوني أنجي وماكاو موتو، فرغم بداية انحسار الاستعمار ما بعد عام 1945، إلا أن النظام العالمي استمر في تهميش دول العالم الثالث المستقلة حديثاً خلال حقبة الحرب الباردة وأصبح هناك شكل جديد للاستعمار، مما أدى إلى تقويض الجذور الاستعمارية للقانون الدولي على حساب بلدان الجنوب العالمي.

لم تتمكن الأمم المتحدة من الاستجابة للمشاكل المعاصرة، حتى أصبحت هناك حاجة ملحة لقبول حقيقة مفادها أن الأمم المتحدة تحتاج إلى التحول وأن القضايا المتعلقة بالتمثيل لا بد من حلها

في السياق الحالي للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، أصبحت الحاجة إلى إصلاح هياكل الأمم المتحدة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، فالاحتلال الإسرائيلي غير القانوني وتشريد ومعاناة الشعب الفلسطيني موثقة بشكل واضح، ولذلك يجب أن تتضمن الإستراتيجية العالمية الاعتراف بدولة فلسطين على طول حدودها السابقة وضمان حق الفلسطينيين في العودة. 

إن الحق في تقرير المصير الفلسطيني يجب أن يحظى بدعم من قبل المنظمات الدولية والمحاكم والدول والجمهور العالمي، فكما أشارت المحكمة الدولية مؤخراً: “يقع على عاتق جميع الدول ضمان إزالة أي عائق ناجم عن الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة أمام ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير”.  

ينبغي إذن على جميع الدول، الملتزمة بالقانون الدولي، أن تمتثل لذلك،  فالمسؤولية تقع على عاتق كل دولة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل حالياً في غزة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة