هل كان مسلماً متخفياً؟ قصة أبو القومية الأندلسية في إسبانيا بلاس إنفانتي

هل كان مسلماً متخفياً؟ قصة أبو القومية الأندلسية في إسبانيا بلاس إنفانتي

بقلم ستيفاني غارسيا

تستدعي قصة “العصر الذهبي” للإسلام في الأندلس صور قصر الحمراء وفلسفة ابن رشد وتثير الحنين إلى ذكريات يعتز البعض بها وينظر إليها بشكل مختلف آخرون.

وفي حين أن المنطقة باتت كاثوليكية اليوم، فهل يمكن أن يكون أحد المسلمين المتخفين قد ساعد في تشكيل النهضة الأندلسية في القرن العشرين؟

تم تكريم بلاس إنفانتي بيريث دي بارغاس المعروف باسم بلاس إنفانتي، كأب للقومية الأندلسية.

ولد إنفانتي في عام 1885، في مقاطعة ملقة، ويتم إحياء ذكراه في الــ 28 من شهر شباط/ فبراير من كل عام فيما يعرف باسم “يوم الأندلس”، الذي يصادف تاريخ الاستفتاء الذي أسس الأندلس كمجتمع مستقل في إسبانيا.

أُعدم إنفانتي في سن 51 على يد نظام فرانكو عام 1936، ويُذكر كشهيد للأمة الأندلسية، ورغم أن الشائعات القائلة بأنه كان مسلماً قد لا تكون صحيحة، إلا أن تعاطفه مع الإسلام كان قويا.

أنتج العديد من الأعمال والمؤلفات، بدءًا من تاريخ الفلامنكو إلى مسرحية عن محمد المعتصم، آخر حاكم مسلم لإشبيلية، وسافر مراراً وتكراراً إلى شمال إفريقيا، وكوّن صداقات وثيقة مع المسلمين هناك، مما عزز المزاعم حول تحوله إلى الاسلام.

يتجلى إرثه بشكل أكبر في أسبوع الأندلس الاحتفالي المعروف باسم “الأسبوع الأبيض” حيث تزدان شرفات المنازل بالعلم الأندلسي ذي الخطين الأخضرين المفصولين بالخط الأبيض، كما ابتكر النشيد الوطني للأندلس.

وبحسب حكومة إقليم الأندلس، فإن اللون الأخضر في العلم يمثل المناظر الطبيعية للمنطقة فيما يدل اللون الأبيض على النقاء والأمل، لكن العديد من القوميين يزعمون أن اللونين الأخضر والأبيض يرمزان إلى خلافة الأمويين ودولة الموحدين.

شائعات تحول إنفانتي

ويتشابه علم الأندلس بالعلم الجزائري القديم الذي يتخذ ذات الألوان التي تدل على التشارك الثقافي بين الاندلس وشمال افريقيا خاصة في تاريخ الخلافة الأموية ودولة الموحدين.

وفي حين أن هذا التاريخ المشترك قد يشير إلى إعجاب بلاس إنفانتي بشمال إفريقيا والإسلام والأندلس، إلا أن هذا الإعجاب تم طمسه من سجلات التاريخ الإسباني من قبل الأغلبية الكاثوليكية.

كان إنفانتي قد شرع برحلات وصفها بالحج إلى قبر المعتمد، آخر حكام السلالة العبادية لإشبيلية، في أغمات بالمغرب، وهي السلالة التي أطاح بها المرابطون عام 1091.

وفي 15 سبتمبر 1924، نطق بلاس إنفانتي الشهادتين، أمام شاهدين مغربين من نسل اللاجئين الأندلسيين حيث تم إهداؤه جلابية مغربية وخنجرا بربريا احتفظ بها حتى يوم وفاته.

ولازالت هذه الرواية موضع جدل على الرغم من انتشارها على نطاق واسع في المنتديات والدوائر الأندلسية في إسبانيا.

وقد كتب الفيلسوف النمساوي جوستافو بوينو عن إنفانتي أن “الأندلسيين اختاروا المسلم كأب لهم”، ومن غير الواضح ما إذا كان يقصد بذلك الازدراء أم كان يلمح إلى أن الأندلسيين يتجاهلون حقيقة إسلام إنفانتي.

ومن ناحية أخرى، وصفت ابنة انفانتي، وتدعى ماريا، أكثر من مرة الشائعات حول إسلام والدها بالأكاذيب المستهلكة، لكنها أكدت في مقابلات مع الصحافة الأندلسية أنه كان معجبا بشدة بالثقافة الإسلامية في الأندلس.

الهوية الأندلسية

وفي كتابه “النموذج الأندلسي” يشرح إنفانتي عن العيش الجماعي وحقوق الإنسان كعناصر للهوية الأندلسية، وقد خصص جزءاً كبيراً من الكتاب للحديث عن مساهمات العرب والبربر في صياغة الهوية والتاريخ الأندلسيين.

“مع سقوط الأندلس وعدم قدرتنا على قبول هذا التاريخ على أنه تاريخنا، وليس تاريخ المغاربة أو العرب، تحطمت مرآة هويتنا”- مانويل بيمنتل.

ويشير إلى أن الفتح العربي “أثرى الأندلسيين” وأن الأندلس كان لها الدور التاريخي في تأسيس عصر النهضة الذي على أوروبا أن تشكرها عليه.

وكثيرا ما كان وزير حزب الشعب المحافظ السابق مانويل بيمنتل، يشير إلى بلاس إنفانتي في محاضراته ومناقشاته.

يوضح بيمنتل، الذي أسس لاحقًا المنتدى الأندلسي، أن بلاس إنفانتي سعى دائمًا إلى التوفيق بين الأندلس الإسلامية والهوية الأندلسية الحديثة، وأنه دعا “الأندلسيين للعودة إلى ما كانوا عليه سابقًا”، مما يعني بلا شك أيام المجد في الأندلس.

قال بيمنتل: “مع سقوط الأندلس وعدم قدرتنا على قبول هذا التاريخ على أنه تاريخنا، وليس تاريخ المغاربة أو العرب، تحطمت مرآة هويتنا”.

أراد إنفانتي أيضًا أن تكون الأندلس معقلًا للأيقونات الثقافية لإسبانيا، ولم يدافع بأي حال عن الاستقلال التام عنها، واعتبر أن المنطقة هي “روح إسبانيا” ولا يمكن أبدًا “التحرر منها”.

ومع ذلك، فقد افترض موقفًا مناهضًا لأوروبا، كرد فعل على عدائها لأفريقيا التي كان معظمها في أوائل القرن العشرين تحت الحكم الاستعماري الفرنسي أو البريطاني.

لقد رفض إنفانتي اعتبار إسبانيا “ذيل أوروبا”، ورأى أن بلاده تخضع لقارة وثقافة لا تحترم التراث الأوروبي الأفريقي لإسبانيا.

لم تستطع إسبانيا، وتحديدا الأندلس التي تقع ثقافتها الإسلامية في قلب تاريخها، أن تجد مكانها في أوروبا ذات الغالبية الساحقة من العرق الجرماني والديانة المسيحية.

انتقاد آراء إنفانتي حول الإسلام

يجادل الإسبان من نقاد إنفانتي بأن الاحتفال بالتأثير الإسلامي في الأندلس هو أمر رجعي، يطمس السمات المميزة للهوية الأندلسية المسيحية الزاخرة بالكاتدرائيات وأيام القديسة.

وربما كان هذا هو السبب في أن اعتناقه المزعوم للإسلام موضع خلاف؟ إذ يمكن القول إنه أخفى إيمانه لحماية نفسه في الأندلس الكاثوليكية التي مازالت محافظة للغاية.

لكن دعمه العلني للثقافة الإسلامية استمر في جر الهجمات السياسية من قبل اليمين المتطرف إليه.

يتجلى ذلك في انتقاد “إسلاموية” إنفانتي من قبل حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا عندما احتفل خوان مانويل مورينو بونيلا، رئيس الحكومة الإقليمية في الأندلس، في عام 2022، بعيد ميلاد بلاس إنفانتي.

رداً على ذلك، نشر الحزب سلسلة من التغريدات العدائية قال فيها إن إنفانتي كان “محبًا للإسلام بشكل جنوني” وأن “الأندلس لا تدين له بشيء”، ثم عاد الحزب إلى حذف التغريدات بعد إثاتها ردود فعل عنيفة.

وقد كشف ذاك الجدل حقيقة صراع إسبانيا مع هويتها الإسلامية والعربية.

بعد كل شيء، كيف يمكن أن يكون لأب أكثر مجتمعات الحكم الذاتي كثافة سكانية في إسبانيا، والتي يتم استخراج ثقافتها وتخصيصها لدفع إسبانيا إلى المسرح العالمي، أي علاقة بالإسلام؟

لسوء الحظ، هذه العقلية لا تقتصر على الأندلس، فخلال عهد ديكتاتورية فرانسيسكو فرانكو، تمت إعادة كتابة كتب التاريخ بالكامل للتخفيف من الإرث المغاربي في إسبانيا.

فقد تم اختصار نحو ألف عام من الفن والتاريخ والثقافة في هامش موجز يقول” جاء العرب، ثم غادروا”، ولا يزال التاريخ الإسلامي في إسبانيا يعتبر شيئًا خارجيًا.

وعند سؤال أي إسباني من قام ببناء قصر الحمراء، فسوف يجيب دون مزيد من التفكير: “العرب”.

في الواقع، قام الأندلسيون الأصليون ببناء هذه المواقع التراثية الرائعة بعد اندماج العرب والمور مع السكان المحليين، وهذا الجزء من التاريخ الأندلسي ليس عربيًا حصريًا، إنه أندلسي، إنه إسباني.

لسوء الحظ، تركت العديد من هذه المثل العليا دون تطوير، وما زال من غير المؤكد ما إذا كان بلاس إنفانتي يعيش حياته كمسلم متخفي، مثل العديد من المسلمين في إسبانيا قبله.

تم إعدام إنفانتي بإجراءات سريعة من قبل القوات الفاشية في بداية الحرب الأهلية الإسبانية في عام 1936، بعد استيلاء القوميين على إشبيلية.

ومثله كمثل العديد من أيقونات العصر، بما في ذلك الأندلسي والشاعر فيديريكو غارسيا لوركا الذي رثى قصر الحمراء في قصائده، فقد دفن إنفانتي مع أفكاره وأحلامه لوطنه.

مقالات ذات صلة