بقلم ميديا بنجامين ونيكولاس ديفيز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً على قرار يدعو إسرائيل إلى إنهاء “وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة” في غضون عام واحد، وذلك في إطار التفاعل مع حكم تاريخي أصدرته محكمة العدل الدولية في يوليو الماضي.
خلص حكم المحكمة الدولية إلى أن “المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية قد أقيمت ويجري الحفاظ عليها في شكل يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي”، وقضت المحكمة بأن التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي تشمل “إجلاء جميع المستوطنين من المستوطنات القائمة” ودفع التعويضات لجميع المتضررين من احتلالها غير القانوني.
إن اعتماد قرار الجمعية العامة بأغلبية كبيرة من الأعضاء يعد خطوة أولى صغيرة ولكنها مهمة نحو ضمان وفاء إسرائيل بتلك الالتزامات، فإذا ما رفضت إسرائيل، كما هو متوقع، الاستجابة لمثل هذا القرار، ثم استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار مجلس الأمن لفرض حكم محكمة العدل الدولية، فمن الممكن أن تخطو الجمعية العامة خطوة إلى الأمام.
يمارس الرئيس الأمريكي جو بايدن قيادته للمشهد بأسوأ شكل، ففي الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دوراً محورياً في مفاوضات وقف إطلاق النار التي بدأتها قطر ومصر، استخدمت واشنطن هذا الموقف لتقويض أي فرصة لوقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الرهائن أو إنهاء الإبادة الجماعية
يمكن للجمعية العامة عقد جلسة طارئة لمناقشة ما يسمى بقرار “الاتحاد من أجل السلام”، والذي يمكن أن يدعو إلى فرض حظر على الأسلحة، أو مقاطعة اقتصادية أو عقوبات أخرى من الأمم المتحدة ضد إسرائيل، أو حتى الدعوة إلى اتخاذ إجراءات ضد الولايات المتحدة نفسها.
وفي الوقت الذي استخدمت فيه إسرائيل روايتها المثيرة للجدل حول هجوم حماس في 7 أكتوبر كذريعة لإعلان موسم مفتوح للقتل الجماعي للفلسطينيين في غزة، فقد استخدمت القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية ذلك كذريعة لتوزيع الأسلحة على المستوطنين الإسرائيليين وإطلاق العنان لموجة جديدة من العنف هناك أيضاً!
عدد كبير من الضحايا
منذ أكتوبر عام 2023، قتلت القوات الإسرائيلية والمستوطنون المسلحون في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية ما لا يقل عن 700 شخص، من بينهم أكثر من 150 طفلاً، حيث تصاعد العنف والاستيلاء على الأراضي إلى الحد الذي جعل حتى حكومات الولايات المتحدة وأوروبا تشعر بأنها مضطرة إلى فرض عقوبات شكلية على بضع من المستوطنين العنيفين.
لقد أحصت وزارة الصحة الفلسطينية أكثر من 41 ألف فلسطيني قتلوا في غزة، ولكن مع تدمير المستشفيات التي تعتمد عليها لتحديد وإحصاء عدد الضحايا، فإن هذه مجرد حصيلة أولية، حيث يقدر الباحثون الطبيون أن العدد الإجمالي للوفيات في غزة، سواء كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للحملة الإسرائيلية، قد يصل إلى مئات الآلاف!
من جانبه، يمارس الرئيس الأمريكي جو بايدن قيادته للمشهد بأسوأ شكل، ففي الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دوراً محورياً في مفاوضات وقف إطلاق النار التي بدأتها قطر ومصر، استخدمت واشنطن هذا الموقف لتقويض أي فرصة لوقف إطلاق النار أو إطلاق سراح الرهائن أو إنهاء الإبادة الجماعية.
لقد فشل المسؤولون الأمريكيون في استخدام نفوذهم الكبير للضغط على إسرائيل، بل وقاموا بإلقاء اللوم على حماس عن كل فشل في المفاوضات، الأمر الذي يضمن استمرار الإبادة الجماعية طالما أرادت واشنطن وحلفاؤها الإسرائيليون ذلك، وذلك في استمرار للاستراتيجية التي أعاقت بها الولايات المتحدة السلام منذ عام 1967، حيث ظلت تظهر بشكل مضلل كوسيط نزيه في الوقت الذي كانت فيه العقبة الدبلوماسية الأكبر أمام حرية الفلسطينيين.
تتقاطع سلسلة التوريد لترسانة الإبادة الجماعية الأمريكية عبر البلاد، من مصانع الأسلحة إلى القواعد العسكرية إلى مكاتب المشتريات في البنتاغون والقيادة المركزية، حيث ترسل الولايات المتحدة طائرات محملة بالأسلحة إلى القواعد العسكرية في إسرائيل، وتنهمر هذه الأطنان التي لا نهاية لها من الفولاذ والمتفجرات شديدة الانفجار على غزة لتدمر البشر والحجر
علاوة على ذلك، فقد أقحمت الولايات المتحدة نفسها في المناقشات حول مستقبل غزة، وروجت لفكرة مفادها أن حكومة ما بعد الحرب يمكن أن تقودها السلطة الفلسطينية التي يعتبرها العديد من الفلسطينيين فاسدة وذلك بسبب تبعيتها لإسرائيل والولايات المتحدة.
أما الصين، فقد اتخذت نهجاً أكثر إيجابية، حيث دعت حماس وفتح و12 مجموعة فلسطينية أخرى إلى اجتماع لمدة 3 أيام في بكين في يوليو الماضي، اتفقوا فيه جميعاً على خطة “الوحدة الوطنية” التي تمهد الطريق “لمصالحة وطنية مؤقتة” بعد الحرب، بما في ذلك الحكومة التي ستشرف على الإغاثة وإعادة البناء في غزة وسوف تجري انتخابات لتشكيل حكومة أكثر استدامة.
في مقابلة له مع قناة الجزيرة، أشاد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، بإعلان بكين واصفاً إياه بأنه “خطوة كبيرة” نحو المصالحة الوطنية، مشيراً إلى أن خطة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية “تعرقل الجهود الإسرائيلية لإنشاء نوع من الهيكل التعاوني ضد المصالح الفلسطينية”.
سلسلة توريد قاتلة
على مر السنين، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد 46 قراراً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث كان من الممكن أن تلزم تلك القرارات إسرائيل بالامتثال للقانون الدولي، أو الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية أو تحميل إسرائيل المسؤولية عن جرائم الحرب أو بناء المستوطنات غير القانونية.
علاوة على ذلك، فقد اعترفت 146 دولة بفلسطين كدولة ذات سيادة تضم غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وذلك من بين دول الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة، بل إن عدداً أكبر صوتوا لصالح قرارات لإنهاء الاحتلال وحظر المستوطنات الإسرائيلية ودعم تقرير المصير الفلسطيني وحقوق الإنسان.
أما فيما يتعلق بحرب غزة الحالية، فإن التحالف العسكري الأمريكي مع إسرائيل قد ورط واشنطن بشكل مباشر في جريمة الإبادة الجماعية، وذلك بتوفيرها الطائرات الحربية والقنابل التي تقتل آلاف الفلسطينيين وتدمر غزة.
قامت واشنطن أيضاً بنشر ضباط اتصال عسكريين لمساعدة إسرائيل في التخطيط لعملياتها وقوات خاصة لتوفير المعلومات الاستخبارية والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، بالإضافة إلى مدربين وفنيين لتعليم القوات الإسرائيلية كيفية استخدام وصيانة الأسلحة الأمريكية الجديدة، مثل الطائرات الحربية من طراز إف-35.
وتتقاطع سلسلة التوريد لترسانة الإبادة الجماعية الأمريكية عبر البلاد، من مصانع الأسلحة إلى القواعد العسكرية إلى مكاتب المشتريات في البنتاغون والقيادة المركزية، حيث ترسل الولايات المتحدة طائرات محملة بالأسلحة إلى القواعد العسكرية في إسرائيل، وتنهمر هذه الأطنان التي لا نهاية لها من الفولاذ والمتفجرات شديدة الانفجار على غزة لتدمر البشر والحجر.
إن الدور الأمريكي أكبر من مجرد التواطؤ، بل هي مشاركة أساسية وفاعلة، وبدونها لا تستطيع إسرائيل القيام بهذه الإبادة الجماعية، ومع ذلك فالحقيقة أن واشنطن تستطيع إنهاء تلك الإبادة، ليس من خلال التظاهر بمناشدة الإسرائيليين أن يكونوا أكثر “حذراً”، ولكن من خلال إنهاء دورها الفعال في الإبادة الجماعية.
يجب على كل أمريكي ذي ضمير اليوم أن يستمر في ممارسة جميع أنواع الضغوط على حكومتنا، ولكن استمرار الإدارة الأمريكية في تجاهل إرادة شعبها وإرسال المزيد من الأسلحة واستخدام حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن وتقويض مفاوضات السلام، فإن الأمر يصبح متروكاً لجيراننا في جميع أنحاء العالم، من أجل حشد الوحدة والإرادة السياسية لإنهاء الإبادة الجماعية.
من النادر حصول إجماع من قبل أغلبية دول العالم منذ تأسيس الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، فحتى الغزو الأمريكي البريطاني الذي دمر العراق قد فشل في إجماع العالم بهذا الشكل.
لا شك أن الدرس المستفاد مما حدث في عصرنا، هو أن هذا النوع من الوحدة العالمية يشكل ضرورة أساسية إذا أردنا أن نحقق الإنسانية والسلام في عالمنا!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)