هل يؤدي الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية إلى حرب إقليمية؟

بقلم محمد سلامي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد أدى الهجوم، الذي نسب إلى إسرائيل، على مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، إلى مقتل 10 أشخاص، من بينهم 3 قادة إيرانيين، فتعهدت طهران بسرعة الانتقام ودعت إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي.

في منشور له على موقع إكس، أوضح وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بأن حكومته نقلت رسالة إلى واشنطن مفادها أنها، وباعتبارها داعمة “للنظام الصهيوني”، يجب أن تتحمل المسؤولية أيضاً.

من الواضح أن إيران تريد الانتقام، وهذا ما يمكن تفسيره من خلال ما قاله المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، حين قال: “سوف يعاقب رجالنا الشجعان النظام الشرير وسنجعلهم يندمون على هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المشابهة بإذن الله”.

ومن جانبه، وعد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بأن “هذه الجريمة غير العادلة لن تمر دون رد”، فيما كتب وزير الداخلية، أحمد وحيدي على موقع اكس بأن “على الصهاينة انتظار رد الفعل”.

 الرأي العام المحلي في إيران لن يؤيد شن الحرب، خاصة بعد احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” التي قامت في عام 2022، والتي أفقدت النظام الإيراني دعمًا شعبيًا كبيرًا، فأصبح عالقًا في أزمة الشرعية

يتفق الإيرانيون من مختلف الأطياف السياسية على ضرورة الرد، حتى أن البعض قد حث على شن هجمات انتقامية على السفارات الإسرائيلية في بلدان أخرى.

قد يكون الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق وكأنه بداية لمرحلة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل، فمنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا ووجود القوات الإيرانية في البلاد، نفذت إسرائيل العديد من الهجمات، لكنها ركزت في البداية على منشآت وقوافل لنقل الأسلحة إلى القوات الوكيلة لإيران، وتدريجياً، بدأت الهجمات تستهدف كبار القادة العسكريين.

تصعيد في العدوان

يبدو أن الهجوم الأخير في دمشق كان بمثابة اغتيال متعمد ومخطط له مسبقًا لكبار القادة الإيرانيين، فأعلى رتبة ممن قُتل كان الجنرال محمد رضا زاهدي، وهو قائد كبير في الحرس الثوري كان مسؤولاً عن تنسيق العمليات في لبنان وسوريا.

إذا ما بدا الدخول في الحرب أمراً سهلاً ، فإن الخروج منها قد يستغرق أشهراً أو حتى سنوات، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الموارد المالية الوطنية والمواطنين

منذ بدأت الحرب على غزة في 7 أكتوبر، زادت عمليات اغتيال القوات العسكرية الإيرانية من قبل إسرائيل، حيث قُتل ما لا يقل عن 17 من أفراد الحرس الثوري في غارات إسرائيلية مشتبه بها على سوريا في الأشهر التالية.

في يناير 2024، اتهمت إيران إسرائيل بقتل 5 من الحرس الثوري، من بينهم الجنرال صادق أوميد زاده، الذي كان مسؤولاً عن الاستخبارات في قوة القدس في سوريا، وقبل ذلك بشهر، قُتل الجنرال السيد راضي موسوي، الذي كان منسق التحالف العسكري بين سوريا وإيران، في هجوم إسرائيلي خارج دمشق.

أما الهجوم على القنصلية، فقد كان بمثابة تصعيد كبير في العدوان، حيث لا يمكن لإيران تجاهل هذا الهجوم، لأن ذلك قد يفقدها مصداقيتها في ظل خطابها عن الانتقام من إسرائيل، ومع ذلك، فهناك العديد من العوامل التي يجب على طهران أخذها في الاعتبار.

من المرجح ألا تدخل إيران في حرب مباشرة مع إسرائيل لأسباب عديدة، ولكنها سوف تنتقم بقسوة بطرق أخرى، وفي الغالب هي تنتظر الوقت المناسب فقط!

أولاً، لا تريد إيران الدخول في حرب واسعة النطاق مع إسرائيل، لأن ذلك قد يعني حرباً مباشرة مع الولايات المتحدة، وثانياً، فإن تصعيداً من هذا النوع لن يصب إلا في مصلحة إسرائيل، حيث تتطلع تل أبيب إلى توسيع حرب غزة وتدويلها من خلال مواجهة طهران، وبالتالي تقليل تركيز العالم على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

أما السبب الثالث، فيرجع إلى تردي الوضع الاقتصادي في إيران، والحرب تتطلب اقتصاداً قوياً، في حين أن إيران تواجه تضخماً بنسبة 40% وعملة وطنية ضعيفة وعجزاً في الميزانية، وإذا ما بدا الدخول في الحرب أمراً سهلاً ، فإن الخروج منها قد يستغرق أشهراً أو حتى سنوات، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الموارد المالية الوطنية والمواطنين.

أخيراً، فإن الرأي العام المحلي في إيران لن يؤيد شن الحرب، خاصة بعد احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” التي قامت في عام 2022، والتي أفقدت النظام الإيراني دعمًا شعبيًا كبيرًا، فأصبح عالقًا في أزمة الشرعية.

“سلسلة من الردود”

بدلاً من حرب إقليمية شاملة، من المتوقع أن ترد إيران بشكل غير مباشر على إسرائيل من خلال المواجهات بالوكالة، ففي مقابلة مع سي إن إن، أشارت مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، سنام فاكيل، إلى أنه بدلاً من الهجمات الضخمة، فمن المرجح أن تنتقم طهران عبر “سلسلة من الردود”.

يذكر أنه وخلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مؤخراً، تمت إدانة الهجوم على القنصلية بشدة، حيث أشارت الصين وروسيا إلى انتهاكه للقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وذلك في إطار محاولة إيران بناء إجماع دولي حول ردها المحتمل.

في الأسابيع والأشهر المقبلة، من المحتمل أن يكون هناك هجوم آخر على المصالح والقوات الأمريكية في المنطقة، ففي وقت سابق من هذا العام، قُتل العديد من الجنود الأمريكيين بالقرب من الحدود الأردنية السورية على يد مجموعة مدعومة من إيران بسبب دعم واشنطن لحرب إسرائيل على غزة، مما أدى إلى موجة من الهجمات الأمريكية، أعقبها تهدئة.

من ناحية أخرى، يمكن لوكلاء إيران في المنطقة، مثل الحوثيين في البحر الأحمر، تكثيف هجماتهم، ولكن من المؤكد أن الهجمات بالوكالة ستكون مختلفة هذه المرة، فإذا ما كانت هجمات الوكلاء العراقيين قد اقتصرت في السابق على استهداف المنشآت الأمريكية والإسرائيلية الأصغر بذخائر أقل تدميراً، فمن المحتمل أنه بمساعدة إيران، ستتاح لهم الفرصة لضرب أهداف أكثر حساسية، بما في ذلك البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية.

الحقيقة أن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق أدى إلى تغيير معادلة حرب الظل بين طهران وتل أبيب، ومن المرجح ألا تدخل إيران في حرب مباشرة مع إسرائيل لأسباب عديدة، ولكنها سوف تنتقم بقسوة بطرق أخرى، وفي الغالب هي تنتظر الوقت المناسب فقط!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة