بقلم د. عبد الكريم قزيز
كانت الساعة 1:25 تماماً بتوقيت لندن عندما وصلت رسالة من أخي المقيم في أنطاكيا على مجموعة العائلة على واتساب، تقول “لقد ذهب منزلي”، سرعان ما تبعتها رسالة أخرى من والدتي تخبرنا أن “جميع جدران الشقة تدمرت”، ومنذ تلك اللحظة توالت الرسائل والاتصالات من كل من تركيا وشمال غرب سوريا، وهي المناطق التي أصابها دمار الزلزال الذي أودى بحياة الآلاف من الناس وتسبب بانهيار مئات المباني وكأنها صناديق من ورق، لكن عائلتي نجت بمعجزة حقاً!
كل ما أتمناه ألا يغض العالم طرفه مرة أخرى عن الضحايا السوريين، بل ويقدم لهم العون كما يقدمه لتركيا
في البداية، اعتقدت أن ما حصل كان حلماً، لقد استغرق مني الأمر ساعات لأستطيع إدراك حجم الكارثة التي حلت، خاصة مع هؤلاء الأشخاص المستضعفين الذين ما زالوا يعانون منذ 12 عاماً بسبب الصراع في بلدهم، والآن يتأثرون بكارثة طبيعية على نطاق لا يشبه شيئاً عرفناه منذ عقود طويلة.
بدأ الزلزال، الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر بعمق حوالي 12 كم تحت الأرض، في الساعة 4:17 صباحاً بتوقيت تركيا، ثم تبعته مئات الهزات الارتدادية، مؤثراً بذلك على مساحة واسعة من جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، بما في ذلك مدن هاتاي وعنتاب وكلس وحلب وإدلب ومناطق أخرى، أما عدد الضحايا فهو يرتفع كل ساعة مع انتشال المزيد من الأشخاص من تحت الأنقاض.
عمليات الإنقاذ
بدأت عمليات الإنقاذ منذ الساعات الأولى للزلزال، إلا أني سمعت من أشخاص في مدينة هاتاي يقولون أن المعدات الثقيلة لرفع الأنقاض لم تصل حتى صباح الثلاثاء، رغم ذلك تم إنقاذ أرواح المئات من الناس، ولكن لا يزال الكثيرون منهم محاصرين تحت المباني المنهارة في انتظار المساعدة حتى اللحظة.
أما في سوريا، فقد شاركت فرق “الخوذ البيضاء” بنشاط في مهام الإنقاذ في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري والتي تسمى “مناطق محررة”، إلا أنهم يعانون من موارد محدودة، كما أطلقت عدد من منظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية حملات لجمع التبرعات على نطاق واسع، بما في ذلك اتحاد الرعاية الطبية ومنظمات الإغاثة وفريق ملهم والجمعية الطبية السورية الأمريكية وغيرها، كل تلك الجهود مرهون نجاحها بالوضع على المعبر الحدودي التركي عند منطقة باب الهوى، شريان الحياة لمناطق شمال سوريا، فهو مغلق أمام دخول المساعدات حتى الآن، أما المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، مثل حلب وحماة، فتتحمل الحكومة السورية مسؤولية دعمها بالكامل.
رغم أن مركز الزلزال كان في جنوب تركيا، إلا أن آثاره المدمرة امتدت إلى جميع أنحاء شمال غرب سوريا، وهي مناطق تعاني من ضعف البنية التحتية بالأصل منذ اندلاع حرب 2011، تتحمل مسؤوليتها الأكبر جماعات المعارضة المسيطرة على الأرض، بالإضافة إلى حكومة النظام السوري التي دمرت البنية التحتية المدنية في تلك المناطق وتركتها في حالة ضعف شديدة، وفي مواجهة هذا الفراغ السيادي، اعتمد الناس في تلك المناطق اعتماداً كبيراً على المساعدات عبر الحدود من تركيا خلال السنوات الماضية.
ولا يعد وضع السوريين في المناطق التي يسيطر عليها النظام في شمال غرب سوريا أفضل حالاً، فقد دمر الصراع البلد بأكمله، وتعرض النظام السوري لعقوبات دولية اقتصادية وسياسية، الأمر الذي تمخض عنه آثار وخيمة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للناس، فجاء الزلزال ليزيد فاقتهم سوءاً.
احتياجات مُلحة
لمواجهة آثار الزلزال الطارئة، فإن المتضررين في مناطق شمال غرب سوريا بأمس الحاجة إلى دعم عمليات الإنقاذ وتوفير أماكن مؤقتة للإيواء والإمدادات الغذائية والطبية، بالإضافة إلى إمدادات الديزل لضمان عمل المولدات وتوفير الكهرباء الأساسية للمستشفيات.
في تركيا، تتدفق المساعدات الدولية إلى جانب قدرة الحكومة التركية على تعزيز عمليات الإنقاذ بشكل عام، ولكن ذلك السيناريو من الصعب أن يحصل في المناطق السورية المنكوبة قريباً، ويرجع ذلك إلى طبيعة الصراع الممتد من 12 عاماً، وفراغ الحكم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، بالإضافة إلى تسييس المساعدات الانسانية والتلاعب بها من قبل الحكومة السورية في المناطق التي تسيطر عليها.
كل تلك الأسباب لا تلغي مسؤولية المجتمع الدولي، ولا ينبغي استخدامها كذريعة لتجاهل محنة السوريين المتضررين من الزلزال، بل يتوجب على المجتمع الدولي إيجاد طرق لتقديم الدعم لجميع المناطق المتضررة في شمال غرب سوريا، مثل التعامل مع المنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل هناك بخبرة كبيرة منذ سنوات، ولكن للأسف لم تحرك الكارثة العديد من المانحين نحو تقديم المساعدة.
لقد عانى السوريون كثيراًطوال سنوات، وجاءت كارثة الزلزال الآن لتزيد من معاناتهم، لقد عانوا لإعادة تأسيس حياتهم في شمال غرب سوريا أو في تركيا، ولكن آثار الزلزال باغتتهم، رغم ذلك كله، قد يتغاضى المجتمع الدولي عن معاناتهم، وكل ما أتمناه ألا يغض العالم طرفه مرة أخرى عن الضحايا السوريين، بل ويقدم لهم العون كما يقدمه لتركيا.
للإطلاع على المادة الأصلية من مصدرها باللغة الانجليزية:
https://www.middleeasteye.net/opinion/turkey-syria-earthquake-are-syrian-victims-being-overlooked