بقلم علي رزق
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يبدو أن نقاشًا داخليًا يدور في أروقة الإدارة الأمريكية بشأن استراتيجية واشنطن تجاه لبنان، ففي مقابلة حديثة، وجّه المستشار الرئاسي الأمريكي السابق، أموس هوكستين، انتقاداتٍ مبطنة لما وصفه بـ”التركيز المفرط” لإدارة ترامب على مسألة نزع سلاح حزب الله.
وقال هوكستين: “دعونا نكن واقعيين بشأن ما يمكن تحقيقه، أفضل طريقة لمواجهتهم ليست التركيز حصريًا على نزع سلاح حزب الله، بل اتباع مسارين متوازيين هما دعم الاقتصاد لجذب الاستثمارات، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني”.
وحذّر الدبلوماسي السابق في إدارة بايدن من أن الضغط المفرط على الدولة اللبنانية لنزع سلاح الحزب قد يؤدي إلى اندلاع حربٍ أهلية، داعيًا المجتمع الدولي إلى دعم جهود إعادة الإعمار في لبنان.
وجاءت تصريحات هوكستين بعد أن وصف السفير الأمريكي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم باراك، لبنان بأنه “دولة فاشلة” لأنه لم ينزع سلاح حزب الله بعد، كما وصف القيادات السياسية اللبنانية بأنهم “ديناصورات”.
رؤية براغماتية مفقودة
تتجاوز تصريحات هوكستين الحسابات الحزبية الضيقة، فهو خبير ملمّ بتعقيدات الملف اللبناني، فقد سبق للرجل الذي خدم سابقًا في جيش دولة الاحتلال أن كان مهندس اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال خلال إدارة بايدن، وهو الاتفاق الذي تم بقبولٍ غير مباشر من حزب الله.
ومن هذا المنطلق، يمكن اعتبار تصريحاتهوكستين تحذيرًا من أن هوس إدارة ترامب بنزع سلاح حزب الله سريعًا هو ما قد يحوّل لبنان فعلًا إلى دولة فاشلة، فبينما يصح وصف لبنان اليوم بـ”الدولة الضعيفة”، فإن النهج الحالي قد يدفعها نحو الفوضى الكاملة.
في المقابل، أصدر حزب الله بيانًا أكد فيه رفضه القاطع لأي مفاوضات لبنانية مع دولة الاحتلال، بعد أن أعلن الرئيس جوزيف عون الأسبوع الماضي أن الحل الوحيد لإنهاء الأعمال العدائية هو الحوار، ومع ذلك، لا يمكن اعتبار بيان الحزب رفضًا مطلقًا لأي محادثات.
فقد أوضح مسؤول في الحزب، خلال لقاء مع مجموعة من الأكاديميين والصحفيين، أن البيان يقصد “المفاوضات السياسية”، ما يوحي بأن “المحادثات غير السياسية” قد تكون مقبولة، كما شدد على أن أي حوار يجب أن يكون له هدف واضح ومحدد.
ويشير الحزب كذلك إلى بندٍ في اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 يمنع المجموعات المسلحة في لبنان من تنفيذ عمليات ضد دولة الاحتلال، وهو ما يعدّ ردًا ضمنيًا على اتهامات جيش الاحتلال بأن الحزب يخطط لهجماتٍ عبر الحدود.
الحاجة إلى مرونة أمريكية
في ظل هذا الموقف البراغماتي النسبي، سيكون من الحكمة لإدارة ترامب أن تأخذ بنصيحة هوكستين، فتُبدي مرونةً أكبر في مسألة نزع السلاح، بالتوازي مع ممارسة ضغوط على دولة الاحتلال لوقف هجماتها المتصاعدة على لبنان في الأيام الأخيرة.
وسيزيد اتباع هذا المسار من فرص التوصل إلى “سلامٍ بارد” دائم برعاية أمريكية، وهو إنجاز سيرفع مكانة إدارة ترامب في المنطقة، لاسيما في ظل تاريخ العداء الطويل بين لبنان ودولة الاحتلال.
وسيكون لمثل هذا الإنجاز إن تحقق وزنٌ يعادل، وربما يفوق، مساعي التطبيع بين دولة الاحتلال والسعودية، وهما دولتان لم تشهدا نزاعًا مباشرًا أصلًا.
كما أن تحقيق استقرارٍ في لبنان يخدم المصالح الأمريكية الأشمل، ذلك أن واشنطن تبني حاليًا مجمّعًا دبلوماسيًا ضخمًا في بيروت، سيكون ثاني أكبر سفارة أمريكية في العالم بعد سفارتها في بغداد، وهذا بحد ذاته مؤشر على أن لبنان سيحتل مكانة محورية في سياسات واشنطن الإقليمية المقبلة، ما يمنح الولايات المتحدة مصلحة مباشرة في الحفاظ على استقراره.
خطر الفراغ والفوضى
في المقابل، فإن تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة غارقة في حربٍ أهلية، نتيجة الإصرار على نزع سلاح حزب الله سريعًا، سيقوّض الخطط الأمريكية المستقبلية في المنطقة، ويضيف فشلًا جديدًا إلى سجل واشنطن في العراق وأفغانستان وليبيا وغيرها.
كما ستمس الفوضى في لبنان بإرث ترامب نفسه، خصوصًا في ما يتعلق بمكافحة تنظيم “داعش”، ذلك أن التنظيم الذي يتغذى على الدول المنهارة، يعتبر بلاد الشام ساحة مركزية لنشاطه، وقد بدأ فعلًا بمحاولات للعودة في العراق وسوريا، وسوف يمنحه وأي انهيار أمني في لبنان فرصة ذهبية لترسيخ وجوده هناك.
لذلك، من المنطقي أن تنأى واشنطن بنفسها عن النهج الذي تدفع به دولة الاحتلال، والذي يركّز حصريًا على نزع سلاح حزب الله، فبينما قد ترى دولة الاحتلال في فوضى لبنان فرصةً لتبرير توسّعها الإقليمي، فإن هذا السيناريو لن يخدم لا المصالح الأمريكية ولا إرث دونالد ترامب السياسي.
للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)







