هل يعود لقب خليفة المسلمين من جديد ؟

هل يعود لقب خليفة المسلمين من جديد ؟

بقلم عمران الملا

توفي يوم السبت الماضي، في اسطنبول الأمير الأرستقراطي مكرم جاه، النظام الفخري لحيدر أباد، وحفيد عبد المجيد الثاني، آخر خليفة عثماني عن عمر 89 عامًا.

والان وبعد وفاة مكرم جاه الذي ينتمي إلى سلالة حكمت ذات يوم ولاية أميرية بحجم إيطاليا في جنوب الهند، بات يحق لوريثه الأمير عزم جاه، المطالبة بلقب خليفة المسلمين بعدما كان عبد المجيد الثاني آخر من حمل اللقب.

في العام المقبل تمر مائة عام على قيام جمهورية تركيا الحديثة بعد إلغاء الخلافة التي استمرت 1300 عاماً منذ وفاة النبي محمد عليه السلام.

وفي نهاية الخلافة في عام 1924 تُرك معظم العالم الإسلامي تحت الحكم الاستعماري الأوروبي، بدون زعيم ديني موثوق.

فقد ألغت الحكومة العلمانية التركية في نوفمبر 1922 السلطنة العثمانية، وأطاحت بالسلطان محمد السادس، وتم تنصيب عبد المجيد، وهو رسام وموسيقي لم يشارك في إدارة الإمبراطورية، كدمية تحمل اسم الخليفة عبد المجيد الثاني.

الصلة بالهند

في الهند، أثارت حركة الخلافة ضجة لدعم عبد المجيد، فشغلت اهتمام السلطات البريطانية التي كانت تعارض قيام أي نظام إسلامي شامل يمكنه أن يتجاوز الدول والإمبراطوريات، خاصة مع تحول حركة الخلافة إلى حالة تعبئة جماهيرية للهنود.

استولى المهاتما غاندي وغيره من المناهضين للاستعمار على المشهد وانضموا لحراك الخلافة، ووصفت الحركة بأنها استعراض للوحدة بين الهندوس والمسلمين ضد بريطانيا، وتحول زعيمها مولانا شوكت علي، إلى شخصية قيادية في النضال من أجل الحرية.

وفي نوفمبر 1923، بعثت الحركة برسالة إلى عصمت باشا، رئيس وزراء تركيا، تحثه على إعطاء الخلافة مكانتها البارزة كمركز لتضامن مسلمي العالم، لكن الحكومة التركية شجبت محاولة التدخل الأجنبي واستخدمت حركة الخلافة، وكذلك مزاعم مؤامرة مؤيدة للعثمانيين في تركيا، كذريعة لإلغاء الخلافة في مارس 1924.

تم وضع العائلة المالكة العثمانية على قطار الشرق السريع، وانتهى بها المطاف في سويسرا، حيث عاش أفرادها في “فقر مدقع”، فجاءت المساعدة المالية من مكان غير متوقع: حيدر أباد ، وهي ولاية هندية أميرية خاضعة للسيطرة البريطانية غير المباشرة وتحكمها سلالة آساف جاه المسلمة.

كان حاكم حيدر أباد ، النظام السابع، عثمان علي خان، أغنى رجل في العالم، وكان الإسراف في حياة النخبة هناك أسطوريًا، وكانت قصور حيدر أباد غارقة في البذخ والعظمة الهندية المسلمة القديمة.

قام النظام عثمان علي خان، وهو شاعر موهوب، بشراء المنمنمات المغولية والنسخ العتيقة المزخرفة من القرآن، وكان أساتذة القوالي يترددون على بلاطه، ويؤدون الشعر الصوفي على إيقاع الطبل وغرغرة النرجيلة.

وشهد عهد النظام حكمًا جيدًا نسبيًا (مقارنة بالهند البريطانية)، وكان يتمتع بشعبية كبيرة لدى رعاياه الهندوس، وقام بتمويل المهرجانات الهندوسية والمساجد والأضرحة الصوفية والمعابد والكنائس والجوردواراس، وأعلن أن “المسلمون والهندوس عينيّ”.

شعر النظام بالذنب لعدم دعمه للإمبراطورية العثمانية قبل انهيارها وأراد مساعدة الخليفة السابق، فاقترح منح عبد المجيد وأسرته 300 جنيه إسترليني شهريًا.

الاتحاد العثماني آساف جاه

أثناء نفيهم، انتهى الأمر بعبد المجيد وبقية العشيرة العثمانية في فيلا من القرن التاسع عشر على الريفيرا الفرنسية، وغالبًا ما شوهد الخليفة السابق على الشاطئ ، “يرتدي ثياب السباحة فقط ويحمل مظلة كبيرة”.

في هذه الأثناء ، كان مولانا شوكت علي، الذي قاد حركة الخلافة، يعمل مع مرمادوك بيكثال، الباحث الإنجليزي في الإسلام الذي عينه نظام لترجمة القرآن إلى الإنجليزية، في مخطط طموح آخر.

واقترحوا أن يتزوج ابن نظام، عزم جاه، من ابنة الخليفة السابق، الأميرة دروشيفار ، ويتزوج الابن الأصغر للنظام ، معظم جاه ، من ابنة عمها نيلوفر.

وافق نظام وعبد المجيد على الخطة، وأرسل النظام إلى عبد المجيد رسالة تؤكد أنه “تم إنشاء تحالف بين السلالتين القديمتين والتاريخيتين، ومن المأمول أن يكون له آفاق مستقبل مشرق”.

شعرت السلطات الاستعمارية بالقلق: فقد كتب تيرينس كيز، الذي كان مقيمًا بريطانيًا في حيدر أباد، إلى نائب الملك “إحياء مفتوح لمخطط” جلب الخلافة إلى حيدر أباد، ودانت السفارة التركية في بريطانيا “مكيدة الخلافة” التي شهدتها في الزيجات.

توجه مولانا شوكت علي، الذي نجحت خطته، إلى فلسطين لحضور المؤتمر الإسلامي العالمي، الذي نظمه مع مفتي القدس، بهدف حشد الدعم لما أفاد الجواسيس البريطانيون أنه “مخططه لاتحاد إسلامي شامل”.

كان الاجتماع فاشلاً، حيث عارض العديد من الحاضرين ادعاء العثمانيين القيادة الإسلامية، ولم تكن هناك قوة إسلامية قوية بما يكفي لتحدي المخططات الاستعمارية.

في غضون ذلك، كان الأزواج الجدد يستقرون في حياتهم الجديدة وأصبحت الشابتان من المشاهير التي تسرق الأضواء في حفلات النخب في حيدر أباد.

وفي أواخر 1933، أنجبت الأميرة دوروشفار ولداً، الأمير مكرم جاه، الذي اختاره نظام ليكون وريثه متجاوزًا ابنه الذي لم يكن مهتمًا بالدور.

مُدّعٍ للخلافة

كتب المؤرخ جون زوبرزيكي أن المسؤولين البريطانيين صُدموا عندما اكتشفوا في وصية عبد المجيد (توفي في باريس عام 1944) أنه رشح حفيده ليكون وريثه والمطالب بالخلافة وزعامة مسلمي العالم.

لكن هذا بالطبع لن يحدث أبدًا، فقد كانت حيدر أباد تحت السيطرة الاستعمارية، وكان انتقال الهند إلى الاستقلال يتشكل من قبل السياسيين الديمقراطيين، وليس الأمراء.

استمر العقل المدبر للتحالف العثماني مع حيدر أباد، مولانا شوكت علي، في لعب دور رئيسي في السياسة الهندية، ففي عام 1936 انضم إلى الرابطة الإسلامية وأصبح حليفًا وثيقًا لمحمد علي جناح، المحامي والسياسي الذي نصب نفسه كزعيم لمسلمي الهند

في عام 1940 أعلنت الرابطة الإسلامية دعمها لدولة إسلامية مستقلة: باكستان.

وبحلول عام 1947، فشلت محاولات تأمين حل وسط – اتحاد هندي يتمتع بالحكم الذاتي للمقاطعات ذات الأغلبية المسلمة، بينما كان البريطانيون يستعدون للمغادرة مع التقسيم في الأفق، كانت حفلات النخب في حيدر أباد تتحدى الثقافة الهندية الإسلامية القديمة.

تمنى نظام أن تكون حيدر أباد ذات سيادة ومستقلة، متصورًا أن وريثه مكرم جاه سيكون قائدًا عظيمًا وقويًا، وخليفة لمسلمي العالم.

لكن الحكومة الجديدة في الهند المستقلة رفضت قبول نظام يسيطر على دولة عملاقة في وسط الأراضي الهندية.

كانت علاقة جناح، الذي قاد باكستان حديثة النشأة، متوترة مع نظام، ففي 1946 ، فشل اجتماعهما في حيدر أباد لمناقشة مستقبل الولاية فشلا ذريعا.

لكن، وفي الشهر الذي سبق التقسيم، نصح جناح النظام بعدم الخضوع لمطالب الهند، وحذر نائب الملك البريطاني من أن أي محاولة للحكومة الهندية للضغط على حيدر أباد، ستدفع مائة مليون مسلم في جميع أنحاء الهند للدفاع عن أقدم سلالة مسلمة في البلاد، الأمر الذي شجع حكومة حيدر أباد.

ولكن بحلول خريف عام 1948 ، حاصر الجيش الهندي حيدر أباد، وتوفي جناح في 11 سبتمبر ، مما أثار الفوضى في باكستان وجعل أي تدخل عسكري دفاعا عن حيدر أباد مستحيلاً، وبعد أقل من يومين غزا الجيش الهندي الولاية وتم دمجها في الهند وباتت تسمى الآن تيلانجانا وعاصمتها مدينة حيدر أباد.

وتقول تقارير مستقلة إن عشرات الآلاف على الأقل من المسلمين قتلوا في الغزو، واتُهم ضباط بالجيش الهندي بارتكاب جرائم حرب، وكان رئيس الوزراء جواهر لال نهرو منزعجًا عندما سمع أن الكثير من المسلمين قد قُتلوا و أن حيدر أباد لن تعود كما كانت مرة أخرى.

الحياة بعد الاستقلال

أما بالنسبة للأميرة دوروشيفار، فقد عاشت في لندن حتى وفاتها عن 92 عاما في 2006.

وعندما توفي النظام عام 1967 وخلفه مكرم جاه، لم يكن في وضع يسمح له بحمل اللقلب، فلم يكن للنظام الجديد أي سلطة وكان الميراث المتنازع عليه قانونًا يطالب به الآلاف من الناس.

في عام 1974، ألغت الحكومة الهندية لقبه وأخضعته لضرائب جديدة وقوانين الأراضي، وفي النهاية تم بيع معظم ممتلكات الأسرة الحاكمة.

كان هذا يمثل فقدان الامتياز للنخبة الثرية وانهيار آخر ثقافة هندية إسلامية متطورة ومتسامحة، كانت رؤيتها للعالم وجمالها مهمين لشعب بأسره.

انتقل مكرم جاه إلى مزرعة للأغنام في أستراليا 1973، لكنه استقر في النهاية في شقة صغيرة في اسطنبول، حيث توفي هذا الشهر بعدما حافظ دائمًا على اتصالاته مع حيدر أباد، التي دفن فيها، من خلال مبادراته الخيرية.

أما ابنه الأكبر، الأمير عزام جاه، فهو صانع أفلام بريطاني عمل مع مخرجين في هوليوود، وسوف يخلف والده باعتباره النظام الفخري التالي لحيدر أباد ومستحقا للمطالبة بلقب الخليفة، نتيجة للتحالف المميز بين العثمانيين وإحدى أغنى العائلات المسلمة في العالم منذ نحو قرن من الزمان.

مقالات ذات صلة