هل يكترث حزب العمال باستعادة ثقة المسلمين البريطانيين؟  

بقلم إيمان عرفان   

ترجمة وتحرير نجاح خاطر   

خلال افتتاح البرلمان الأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر: “إن المعركة من أجل الثقة هي المعركة التي تحدد عصرنا السياسي”، ولكنه وقبل أسبوع واحد فقط، عندما سُئل صراحة عن فقدان الناخبين المسلمين البريطانيين الثقة في حزب العمال، تحايل على الإجابة بإجابة غامضة حول “التفويض القوي بشكل لا يصدق” لحزب العمال .  

جاءت التصدعات في درع ستارمر في شكل خمسة نواب مستقلين تم انتخابهم بشكل غير مسبوق على حساب مقاعد حزب العمال الآمنة السابقة، وسط انخفاض قياسي في عدد الأصوات لحزب فائز في الانتخابات .  

لقد حظي جميع المستقلين بتأييد حملة “الصوت المسلم) “TMV) وهي حملة شعبية أطلقت بعد فشل الأحزاب الرئيسية في دعم اقتراح وقف إطلاق النار في غزة الذي قدمه الحزب الوطني الاسكتلندي، حيث بذُلت منذ الانتخابات، محاولات في الإعلام لنزع الشرعية عن نتائج المرشحين المستقلين عبر التلميح إلى أنهم فازوا على خلفية “طائفية.”  

ومن السهل دحض هذه الادعاءات، فحوالي نصف المرشحين الذين حصلوا على دعم حملة الصوت المسلم لم يكونوا مسلمين، ففي شيفيلد مثلاً، لم يتم دعم مرشح مسلم من حزب العمال على وجه التحديد، في مواجهة مرشح من حزب الخضر، كما خاض المرشحون الناجحون حملات انتخابية حول قضايا محلية وفي إطار برامج مناهضة التقشف.  

وخلال الآونة الأخيرة، أدى النواب المستقلون اليمين غير الديني، في دحض رمزي ربما لادعاءات “القبلية.”   

وعلى الرغم من اتهام حملة الصوت المسلم بتعزيز “الولاءات الدينية والإثنية”، فإن مرشحيها لم يكونوا متجانسين عرقياً أو دينياً، ومثلوا طيفاً سياسياً واسعاً يشمل الخضر والمستقلين ومرشحي حزب العمال والديمقراطيين الليبراليين، الذين اتحدوا جميعاً بشأن ما اعتبروه تواطؤاً بريطانياً مع الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.   

لعب أنصار ستارمر المهزومون دوراً في الرواية التي تقوض انتصارات حملة الصوت المسلم، فقد صور النائب خالد محمود نفسه على أنه ضحية “عملية احتيال”، بعد خسارته مقعده في برمنغهام بيري بار لصالح أيوب خان .  

واتهم محمود مؤيدي حملة الصوت المسلم بأنهم “لا يملكون مكاناً حقيقياً في المجتمع البريطاني” كما اعتبر انه تعرض لمحاولة عزل “بشكل أساسي لأنني وقفت في وجه هؤلاء الناس .”  

انعدام الثقة المتجذر  

غير أن مسيرة محمود المهنية تعثرت أساساً بسبب دعمه لحرب العراق ومعارضته للتحقيق في الغزو، كما أنه روج لخدعة حصان طروادة، التي زعمت زوراً استيلاء الإسلاميين على المدارس في برمنغهام.   

بالإضافة لذلك، فإن ارتباطات محمود بمراكز البحوث المحافظة الجديدة، بصفته عضواً في المجلس السياسي لجمعية Henry  ،Jacksonوزميلاً بارزاً في مؤسسة  ،Policy Exchange وضعته في خلاف مع العديد من الناخبين المسلمين ذوي الميول اليسارية .  

ولم يكن التصويت لصالح اقتراح وقف إطلاق النار كافياً لإنقاذ محمود من الهزيمة، وهي حقيقة تشير إلى انعدام الثقة العميق في مواقف حزب العمال .  

أما جوناثان آشورث النائب السابق عن ليستر ساوث، فقد استخدم في مقابلاته نصاً مستهلكاً حيث زعم لكل من أندرو مار وكاي بورلي أن النائب المستقل شوكات آدم “انتخب على أساس كذبة بذيئة ومزعجة مفادها أنني مسؤول عن الإبادة الجماعية”، كما زعم أن حملة خصمه “كانت تديرها أقلية من المتنمرين والمتغطرسين .”  

في الأسبوع الذي سبق الانتخابات، تعهد آشورث “بإعادة المهاجرين الذين لا ينبغي أن يكونوا هنا من دول مثل بنغلاديش أو أينما كان”، وهو التعليق الذي من غير المرجح أن يكسبه نقاطاً مع الجالية البنجالية في ليستر.   

ودحض شوكات آدم اتهامات التنمر التي رماه به خصمه آشورث، ووصفها بأنها “غير صحيحة ببساطة” وقال “لم يتوقع أحد أن يلوح آشورث بعصا سحرية، وأن يسود السلام في الشرق الأوسط، إن ما أراده الناس فقط هو أن يتحدث نائبهم نيابة عنهم، لكن رغبتهم قوبلت بالصمت .”  

توضح السجلات السياسية لهؤلاء المرشحين وردود أفعالهم اللاحقة بعد الخسارة أسباب فقدان المسلمين في دوائرهم الانتخابية الثقة في آشورث ومحمود في المقام الأول .  

التهديد بالقتل  

هناك عدم تكافؤ واضح، فقد طُلب من المستقلين مراراً وتكراراً أن يدينوا العدوان الذي لا علاقة له بهم، في حين لم يفعل خصومهم ذلك.  

وخلال الانتخابات التي شابها توتر المشاعر، ظلت التغطية الإعلامية للإساءة التي تلقاها حزب العمال ومرشحوه ضئيلة، فقد أدان مرشح حزب العمال جودي ماكنتاير، الذي يعاني من الشلل الدماغي، “الكراهية غير العقلانية للأشخاص ذوي الإعاقة” التي تعرض لها أثناء الحملة، وتحدثت لي ليان محمد عن الإساءة الشديدة المعادية للنساء والفلسطينيين التي تلقتها باستمرار عبر الإنترنت، بينما قيل لمندوبي آدم أن سكان ليستر “لن يصوتوا أبداً لمرشح حزب العمال”.   

ويوم الجمعة الماضي، انتقد آشوورث آدم لعدم حضوره جلسة البرلمان، لكن آدم قال إنه كان يتحدث إلى الشرطة بشأن تهديد بالقتل موجه إليه.  

ومن فضلة القول أن هذا يبدو وكأنه مآل أي تعبئة سياسية يقوم بها المسلمون، ففي الخطاب العام يتحول المحتجون السلميون إلى “غوغاء”، ويصبح الانخراط في العملية الديمقراطية “مناهضاً للديمقراطية”، ويصير الاندماج السياسي “إسلاموية عقيمة”.   

لقد قوبل نجاح حملة الصوت المسلم بواحد من ردي فعل اثنين هما، خطاب سوء النية من رموز حزب العمال الذين فشلوا في الانتخابات، أو التجاهل من قبل أولئك الذين أعيد انتخابهم، والذين يتمتعون بأغلبية برلمانية مريحة دون الحصول على دعمهم .  

 ويشير كلا ردي الفعل إلى شيء واحد هو أن حزب العمال لا يريد معالجة المظالم الحقيقية للمسلمين البريطانيين، فعندما سئُل عن كيفية إعادة بناء الثقة مع المجتمعات المسلمة، كانت اجابة ستارمر غامضة حين قال: “حيث لا نضمن الأصوات، سنعالج ذلك .”  

هذا غير مقنع للناخبين المسلمين، الذين يشعر الكثير منهم بخيبة أمل في نظام الحزبين، ويجب أن تكون الخطوة الأولى هي الاعتراف بهذا .  

وبينما يصافح وزير الخارجية ديفيد لامي رجلاً أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، تواصل الحكومة دعمها القوي لدولة تخضع للتحقيق بتهمة الإبادة الجماعية.  

وقد اعتبر البعض تعيين ريتشارد هيرمر في منصب النائب العام بمثابة إشارة إلى أن حزب العمال على استعداد للاستماع إلى المشورة القانونية القوية، ولكن ما دامت الأسلحة البريطانية تصُدَّر إلى إسرائيل، فإن غزة تظل قضية عاطفية بالنسبة للناخبين المسلمين وغيرهم .  

لا يزال بإمكان حزب العمال كسب نقاط مع المسلمين من خلال معالجة مجموعة واسعة ومعقولة من الأولويات التي تدعمها TMV ومن بينها متابعة سياسة خارجية أخلاقية، وضمان حماية الحريات المدنية، بما في ذلك الحق في الاحتجاج، والاستثمار في أفقر المجتمعات في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث أظهر تعداد المسلمين لعام 2022 أن 50% من الأسر المسلمة تعيش في فقر مقارنة بـ 18% من عامة السكان .  

لا يزال الكثيرون يشعرون بأن الحزب يفتقر إلى الشجاعة الأخلاقية، والالتزام بإلغاء الحد الأقصى لإعانة الطفلين، على سبيل المثال، سيكون علامة مشجعة على وضع المبادئ أولاً.   

إن تعليق عضوية سبعة نواب من حزب العمال )بدعم من المستقلين الآن( الذين تمردوا على موقف الحكومة أمر مثير للقلق.  

وهذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها ستارمر بالاستبداد، فأثناء مغازلة الأصوات، تحالف الحزب مع المرشح المؤيد لإسرائيل لوك أكهورست، بينما ألغى اختيار فايزة شاهين، التي ادعت أنها “عوقبت لوصف تجاربها مع الإسلاموفوبيا. “  

وفي عام 2022، حدد تقرير فورد “تسلسلاً هرمياً للعنصرية أو التمييز” في الحزب، حيث لم يتم التعامل مع بعض أشكال التحيز بشكل كاٍفٍ .  

في ذلك الوقت، قالت شبكة مسلمي حزب العمال) “LMN): أخبرنا الأعضاء المسلمون باستمرار أنهم يشعرون أن الإسلاموفوبيا غالباً ما تكون في أسفل هذا التسلسل الهرمي المتصور”، وأوضحت أن التقرير يشير بقوة إلى “الإسلاموفوبيا المؤسسية” في حزب العمال، حيث يجب على الحزب أن يأخذ هذا على محمل الجد .  

ويمكن للحكومة أيضاً أن تتعامل مع الناخبين المحبطين بدلاً من تجاهلهم، وعندما أدان شوكت آدم ترهيب مرشحي حزب العمال، عزا الغضب المحلي إلى الشعور بأنه “سواء أحببنا ذلك أم لا، فإنه وفقاً للعديد من منظمات حقوق الإنسان، هناك إبادة جماعية، إذا لم يكونوا غاضبين بحق في تلك اللحظة بالذات، فمتى سنغضب نحن كبشر؟ “  

هناك عدد لا يحصى من القضايا التي تؤثر على المسلمين، والتي من الأفضل لستارمر أن يعالجها، ولكن إلى أن يفكر حزب العمال في الأسباب وراء هذا الغضب، فلن يتمكن من استعادة الثقة بسهولة.  

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة