بقلم عزام التميمي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في الوقت الذي يسعى فيه الوسطاء الأساسيون إلى تمديد الهدنة وإتمام صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، فإنهم يأملون كذلك في إطلاق محادثات تهدف إلى وقف دائم لإطلاق النار، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال.
نشأت فكرة الهدنة طويلة الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين في أوائل التسعينيات، وفي شباط/فبراير 1994 أشار إليها موسى أبو مرزوق، الذي كان يرأس المكتب السياسي لحماس، في بيان نشرته صحيفة السبيل الأسبوعية في عمَّان، وهي الصحيفة الناطقة باسم الحركة الإسلامية الأردنية.
وفي ذات التوقيت تقريباً، صدرت إشارة مماثلة لهذا المفهوم من داخل فلسطين وعلى لسان مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين الذي اقترح من داخل زنزانته في السجون الإسرائيلية الهدنة كحل مؤقت للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وكررت حماس العرض في مناسبات عدة بعد ذلك، دون أن تنجح في جلب اهتمام الإسرائيليين، وفي الأيام الأخيرة، تمت الإشارة مرة أخرى إلى فكرة الهدنة من قبل العديد من المتحدثين باسم حماس.
تعتبر الهدنة في الفقه الإسلامي عقداً شرعياً وملزماً يهدف إلى وقف القتال مع العدو لفترة زمنية متفق عليها، وقد تكون قصيرة أو طويلة، حسب الاحتياجات والمصالح المشتركة.
مثل هذه المعاهدة ستكون مختلفةً عن اتفاقيات أوسلو للسلام، والتي بموجبها اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل وحقها في الوجود.
الفرق هو أنه في ظل الهدنة، لن يتم طرح مسألة الاعتراف، لأن حماس، التي تصنفها إسرائيل ومعظم القوى الغربية كمنظمة إرهابية، لا تملك السلطة للتخلي عن حقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم وديارهم التي أُجبروا على الخروج منها في عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك.
السياق التاريخي
وفي ظل الظروف الحالية، فإن أفضل ما يمكن للهدنة أن تقدمه يتمثل في استعادة بعض الأراضي السليبة وتأمين إطلاق سراح الأسرى، مقابل وقف الأعمال العدائية، وسيكون هذا مشابهًا إلى حد ما لموافقة الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA) على التفاوض لإنهاء الصراع في أيرلندا الشمالية دون الاعتراف بالسيادة البريطانية على الإقليم.
ولا يزال العديد من الكاثوليك الأيرلنديين يأملون أو يحلمون بأن تتحد أيرلندا بأكملها في يوم من الأيام، وبأن ينتهي الحكم البريطاني فيها، حيث لم يكن التفاوض على إنهاء العنف في أيرلندا الشمالية مشروطًا أبدًا بتخلي الجيش الجمهوري الأيرلندي عن هذا الحلم أولاً، ولو كان الأمر كذلك، لما كان هناك سلام على الإطلاق.
يمكن لقادة حماس أن يبرروا هذه الهدنة من خلال التنظير إلى ما جرى بين الصليبيين والمسلمين في العقد الأخير من القرن الثاني عشر، حيث تواصل الصراع بين الطرفين في فلسطين والمنطقة المحيطة بها قرابة قرنين من الزمان، ومما يثير اهتمام حماس بشكل خاص في هذا الصدد معاهدة الرملة التي أبرمها صلاح الدين الأيوبي مع ريتشارد قلب الأسد في سبتمبر 1192.
وإلى حد كبير فإن من المستبعد أن تقبل حماس بأي طرح أقل من العودة إلى حدود عام 1967 مقابل هدنة طويلة الأمد يمكن أن تستمر لمدة ربع قرن أو أكثر.
كانت الهدنة بمثابة نهاية للحملة الصليبية الثالثة، وقد استمرت لمدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، حافظ الصليبيون خلالها على سيطرتهم على الساحل من يافا إلى عكا، وسمح لهم بزيارة القدس وممارسة الأنشطة التجارية مع المسلمين.
بالإضافة إلى ذلك، يُشار غالبًا إلى الهدنة الأولى في تاريخ الإسلام، والتي شهدت توقيع الاتفاقية المعروفة باسم صلح الحديبية، نسبة إلى الموقع الذي أُبرمت فيه على مشارف مكة، حيث شملت تعليق الأعمال العدائية بين المجتمع المسلم في المدينة المنورة تحت قيادة النبي محمد وقبيلة قريش في مكة.
كانت مدة الهدنة المتفق عليها بين الجانبين 10 سنوات، لكنها انتهكت بعد أقل من عامين من تنفيذها من قبل قريش، بالقتل غير المشروع لبعض أفراد قبيلة متحالفة مع النبي.
وبمجرد إبرام الهدنة، فإنها تعتبر مقدسة، ويصبح الوفاء بالتزاماتها واجباً دينياً، وما دام الطرف الآخر يلتزم بها، فلا يمكن للجانب المسلم أن يخرقها، لأن ذلك من كبائر الذنوب، وكما هو الحال مع المعاهدات الدولية الأخرى، فإن الهدنة قابلة للتجديد عند انتهاء مدتها بالاتفاق المتبادل.
وتنص الهدنة طويلة الأمد التي اقترحتها حماس في السابق على انسحاب إسرائيلي إلى حدود عام 1967، مما يعني عودة كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة، بما في ذلك القدس الشرقية للفلسطينيين وهذا يتطلب إخراج جميع المستوطنين اليهود من هذه المناطق، كما أنه سيتعين على إسرائيل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين.
في رأيي، فإن من غير المرجح في ظل الوضع الحالي أن تقبل حماس بأي شيء أقل من ذلك مقابل هدنة طويلة الأمد يمكن أن تستمر لمدة ربع قرن أو أكثر.
استعادة الحياة الطبيعية
في ثلاث مناسبات على الأقل أعلنت حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية عن هدنة مؤقتة، يشار إليها عادة بالتهدئة، وقد تم التوصل لإحداها خلال محادثات القاهرة في آذار / آذار 2005؛ وكان من المفترض أن تستمر حتى نهاية عام 2005 لكنها امتدت إلى ما بعد ذلك بكثير.
وعُقدت التهدئة الأولى في عام 2002، بوساطة مبعوث الاتحاد الأوروبي أليستر كروك، لكنها تحطمت في غضون أسابيع عندما اغتالت إسرائيل زعيم حماس صلاح شحادة في 22 تموز / يوليو 2002.
ما أفهمه هو أن حماس تستلهم رؤية مستوحاة من نموذج المصالحة في جنوب أفريقيا، الذي أنهى الفصل العنصري، ولكنه أبقى جميع المجتمعات تعيش معًا.
وفي 29 حزيران/ يونيو 2003، أعلنت حماس والجهاد الإسلامي هدنة أخرى من جانب واحد، وأوضح قائد حماس في غزة في ذلك الوقت عبد العزيز الرنتيسي أن ذلك كان بمثابة لفتة لمنح رئيس الوزراء المعين حديثاً محمود عباس فرصة لتسوية الأمور مع الإسرائيليين.
وانتهت التهدئة أحادية الجانب بعد سبعة أسابيع بعد أن داهمت القوات الإسرائيلية مخيم عسكر للاجئين في 8 آب/ أغسطس 2003 لاعتقال أعضاء في حماس، حيث أدت العملية إلى مقتل أربعة فلسطينيين.
ورداً على ذلك، تم تفجير حافلة في القدس في 19 آب/ أغسطس 2003، مما أسفر عن مقتل حوالي 20 إسرائيلياً وإصابة عشرات آخرين، وأعقب ذلك قيام إسرائيل باغتيال القائد في حماس إسماعيل أبو شنب في 21 آب / أغسطس 2003.
وفي الواقع، يبدو أن الإسرائيليين لم يعترفوا أو يقدروا الهدنة أحادية الجانب التي أعلنتها الفصائل الفلسطينية المسلحة، وأدى رفض إسرائيل الرد بالمثل إلى فقدان العديد من الفلسطينيين الثقة في جدوى إعلان هدنة من جانب واحد.
لم تقل حماس أي شيء عما سيحدث بعد انتهاء أمد الهدنة طويلة الأمد الموقعة مع الإسرائيليين، ومن المرجح أن تستمر مثل هذه الصفقة لمدة ربع قرن أو أكثر، وهي فترة طويلة للغاية بحيث لا يستطيع أحد التنبؤ بما قد يحدث بعد ذلك، كما أن هناك دائماً احتمال أن تنتهي الهدنة قبل الأوان بسبب ارتكاب انتهاكات لها.
يمكن أيضًا، وبعد 20 أو 30 عامًا من السلام في المنطقة، أن يتغير الكثير في العالم لدرجة أن إسرائيل، ككيان صهيوني، قد لا ترغب أو لا تستطيع العمل بالطريقة التي تعمل بها اليوم، ومن حيث المبدأ، يمكن للمسلمين والمسيحيين واليهود أن يعيشوا معًا في المنطقة، كما عاشوا لعدة قرون من قبل.
يتم في بعض الأحيان مساواة الصهيونية بالفصل العنصري، ويُنظر إلى إزالتها على أنها الطريق للمضي قدمًا كي يتمكن المسلمون والمسيحيون واليهود من التعايش مرة أخرى بسلام في المنطقة.
سيكون من المستحيل أن يصبح مثل هذا السيناريو حقيقة واقعة دون هدنة طويلة الأمد من شأنها أن تسمح، على مدى حياة جيل كامل، للمجتمعات في المنطقة باستعادة بعض الظروف الطبيعية في حياتهم.
قد يجادل أولئك الذين يشككون في الهدنة بأنها ليست سوى مقدمة للقضاء على إسرائيل، في الواقع، فإن الهدنة من شأنها أن تنهي سفك الدماء والمعاناة لفترة معينة من الزمن، في حين يستطيع كل طرف أن يحلم بالطريقة التي قد يرغب بها في المستقبل، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام كافة الخيارات.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)