بقلم وليد أبو هلال
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الآونة الأخيرة، تم نشر عدة تقارير أفادت بأن هناك 12 دولة تواجه خطر الإفلاس أو التخلف عن سداد ديونها على أقل تقدير، من بينها مصر و تونس في منطقة الشرق الأوسط!
وفقاً للبيانات الأخيرة، فإن الاقتصاد التونسي يواجه مشاكل مزمنة، ابتداءً من الدين العام الذي ارتفع أكثر من 80% من قيمة الدخل القومي التونسي أو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وقد كان أقل من 40% في عام 2010، أي قبل الربيع العربي مباشرة.
إضافة إلى ذلك، فقد ارتفع العجز في الميزان التجاري إلى 15% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ومنها السلع الأساسية ومصادر الطاقة، بشكل كبير خلال الـ 18 شهراً الأخيرة، نتيجة للتضخم العالمي على إثر الحرب الروسية الأوكرانية.
عام 2011 توجهت أنظار العالم بإعجاب إلى الشعب التونسي الرائد في ثورات الربيع العربي، ولكن دخول البلاد في دوامة من الاضطرابات السياسية تسبب بتباطؤ النمو الاقتصادي
كل هذه التطورات أدت مجتمعة إلى ارتفاع معدل التضخم في البلاد إلى رقم قياسي تجاوز 10% من يناير حتى أبريل من عام 2023، صعوبات تستحق الوقوف عندها للإجابة على السؤال الأهم، هل هناك فرصة لتفادي خطر الإفلاس في تونس؟
في عام 2011، توجهت أنظار العالم بإعجاب إلى الشعب التونسي الرائد في ثورات الربيع العربي، ولكن دخول البلاد في دوامة من الاضطرابات السياسية تسبب بتباطؤ النمو الاقتصادي والذي تفاقم لاحقاً بسبب تأثير جائحة كورونا، مما أدى إلى انخفاض في النمو الاقتصادي وبالتالي في فرص العمل.
في ضوء تلك التحديات، عملت الحكومة التونسية على تنفيذ سياسات شعبوية مثل زيادة دعم الوقود والسلع الأساسية، في محاولة لاحتواء الأزمة والحفاظ على الأمن والنظام، وتحت ضغط اتحاد العمل التونسي، خلقت الحكومة فرص عمل في القطاع العام دون وجود خطة حقيقية لإصلاح الاقتصاد.
لقد أدت هذه الحلول قصيرة الأمد في التعامل مع الاقتصاد، إلى جانب الصراعات السياسية التي تفاقمت منذ عام 2021 بعد منح الرئيس سعيد نفسه سلطات استثنائية، إلى التعجيل في دحرجة البلاد نحو الفشل الاقتصادي.
على صعيد الميزان التجاري، فتونس تعد مستورداً بالدرجة الأولى، يعني أن وارداتها أكبر بكثير من صادراتها، كما أدى ارتفاع معدل التضخم في العالم، إلى مضاعفة العجز في السنة الأخيرة إلى حوالي 1.9 مليار دولار، وهو نفس المبلغ المقترح لإنقاذ تونس من قبل صندوق النقد الدولي، والذي رفضه الرئيس سعيد، ففي خطابه في 5 أبريل عام 2023، أعلن سعيد أنه “لن يسمع إملاءات” من الصندوق.
يذكر أن رفض سعيد لمقترح المؤسسة الدولية نابع من عدم رغبته بخفض دعم الوقود والسلع الأساسية، أو الاقتطاع من فاتورة القطاع العام، وذلك رغم توصية فريقه الحكومي من التكنوقراط بأن البلاد لا تملك خياراً للنجاة سوى القبول بعرض صندوق النقد الدولي.
يؤكد مسؤولون تونسيون أن على التونسيين “الاعتماد على أنفسهم”، فالهدف النبيل بالدعم لا يمكن تحقيقه على المدى القصير، وربما يكون هناك خيارات أخرى للتفكير مثل طلب المساعدة من الجزائر أو بنك التصدير والاستيراد الإفريقي، ومع ذلك لا تشكل هذه الحلول حلاً جذرياً لمشكلة التمويل في البلاد.
هناك العديد من الخطوات اللازمة من أجل إصلاح الاقتصاد، منها محاربة الفساد واستعادة وتعزيز الديمقراطية والشفافية باعتبارها أموراً حاسمة في التغيير
تجدر الإشارة إلى أن قرض صندوق النقد الدولي يعتبر بمثابة ضوء أخضر للمانحين والمقرضين الدوليين من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج لمساعدة الاقتصاد التونسي، خاصة وأن المسودة الحالية لاتفاقية الصندوق تشجع المجتمع الدولي على إظهار دعم مالي أوسع لتونس، وهو أمر تزداد الحاجة إليه اليوم وفقاً لوكالة فيتش، التي خفضت تصنيف تونس إلى CCC، وهي المرحلة التي تعني وجود خطوة واحدة فقط قبل الوصول إلى الإفلاس وعدم القدرة على سداد الديون.
خطوات للأمام
لقد أدى ارتفاع فاتورة الأجور العامة في تونس والإعانات السخية إلى جانب عوامل أخرى، إلى عجز كبير في الميزانية العامة، يضاف إليه عجز كبير في الميزان التجاري حين ارتفعت الواردات بفارق كبير عن الصادرات.
يواجه البنك المركزي التونسي اليوم خطر نفاد احتياطيات العملات الأجنبية، ربما لم يعد أمامها سوى 90 يوماً، فقد انخفض المبلغ بشكل حاد إلى 7.8 مليار دولار!
من جهة أخرى، أعلنت الحكومة التونسية، في خطتها التمويلية، عن حاجتها إلى أكثر من 5 مليار دولار من الأطراف الخارجية خلال عام 2023-2024، من أجل تقليص العجز في الميزان التجاري، ودعم احتياطي البنك المركزي، وتمويل استيراد المواد الغذائية والوقود، ومن المفترض أن تغطي الخطة أيضاً سداد أقساط بقيمة 1.5 مليار دولار إلى الاتحاد الأوروبي مع نهاية 2024، بالإضافة إلى زيادة التمويل المحلي بالدينار التونسي لتغطية العجز في الميزانية الحكومية.
في المدى المنظور، لا يوجد بديل عن التسوية مع صندوق النقد الدولي، في صفقة يمكن أن تمهد الطريق لخطة إنقاذ دولية تساهم فيها دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.
في نهاية المطاف،على الحكومة التونسية أن تدرك أن المقرضين بشكل عام يتبعون خطى صندوق النقد الدولي، ويوافقون على ما توافق عليه الوكالة الدولية، وهو ذات المعيار الذي طبقته الدول الخليجية مع مصر.
أما على المدى البعيد، فهناك العديد من الخطوات اللازمة من أجل إصلاح الاقتصاد، منها محاربة الفساد واستعادة وتعزيز الديمقراطية والشفافية باعتبارها أموراً حاسمة في التغيير، كما يجب على الدولة وضع حد للفلسفة الريعية في التعامل مع الاقتصاد، فهي لن تنجح في حالة تونس بسبب ضعف مواردها، ويشمل ذلك إصلاحات في نظام الدعم الحكومي للسلع الأساسية والوقود وخفض فاتورة أجور القطاع العام، مع ضمان وصول الدعم إلى الفئات الضعيفة المستحقة.
إضافة إلى ذلك، يجب إصلاح قوانين الاستثمار والتخلص من البيروقراطية وتحسين الأمن وإصلاح قطاع السياحة الذي يشكل 7% من الاقتصاد، كما يجب دعم دور القطاع الخاص في التنمية الزراعية والصناعية، باعتباره أحد الرئيسية لإصلاح عجز ميزان المدفوعات، وبالتالي زيادة احتياطيات العملات الأجنبية في خزائن البنك المركزي التونسي.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)