بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
وفقاً للحكمة التقليدية في وستمنستر، فقد أصبح حزب المحافظين البريطاني الليلة الماضية بعيداً عن ذاته بعد خروج جيمس كليفرلي، المرشح الوحيد المتبقي الذي يتمتع بمؤهلات التيار العام من المنافسة على زعامة الحزب، لكن هذه الحكمة التقليدية خاطئة بحد ذاتها.
فمن المؤكد أن المرشحين الباقين وهما روبرت جنريك وكيمي بادينوخ، يقفان على أقصى يمين الحزب إلى الحد الذي تبدو فيه مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء المحافظة اليمينية الشهيرة، وكأنها ليبرالية عند المقارنة بهما.
لكن أي شخص يعتقد أن استيلاء اليمين المتطرف على حزب المحافظين يعني أن الحزب أصبح الآن غير ذي صلة بذاته يخدع نفسه، فلم يعد المحافظون هم ذات حزب إدموند بيرك وتاتشر، لقد تخلوا عن تقليد الاعتدال والتسامح الذي جعل حزبهم الحزب الديمقراطي الأكثر نجاحاً في العالم على مدى المائتي عام الماضية.
لقد تحولت المحافظة البريطانية إلى حركة يمينية متطرفة يمكن مقارنتها بحركة التجمع الوطني التي تقودها مارين لوبان في فرنسا، وحزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه ناريندرا مودي في الهند، وإخوان إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني، وائتلاف الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو في إسرائيل، وحزب الحرية الذي يتزعمه خيرت فيلدرز في هولندا، وحزب البديل من أجل ألمانيا النازي الجديد في ألمانيا، وحزب الجمهوريين الذي يتزعمه دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
تشير الاتجاهات الحالية إلى أن الشعبوية الساخرة التي يمثلها كل من بادنوخ وجنريك لن تختفي، رغم أن نتائج الانتخابات الأخيرة في النمسا تشير إلى أنها في طريقها إلى الزوال، ولنتأمل هذا: إن فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية الشهر المقبل من شأنه أن يجلب المحافظين الذين يتزعمهم جينريك أو بادنوخ إلى التيار الرئيسي الغربي.
قبل ستة أشهر، قال جنريك لـ GB News: لو كنت مواطناً أمريكياً لصوتت لصالح دونالد ترامب”، هذه الملاحظة كانت صادمة للغاية، فترامب كاره للنساء ومتعصب ومجرم مدان، أدين بـ 34 تهمة تتعلق بتزوير سجلات تجارية.
دعم ترامب
وغالباً ما كان بعض اليساريين يقللون من قيمة اتهامهم لخصومهم بالفاشية، لكن بالنسبة لترامب فإن الاتهام صحيح، فهو فاشي صغير من العصر الحديث، هو فاشي في احتقاره التام للحقيقة، وفي بناء عالم يرضي خيالات أتباعه الأكثر سوداوية.
وهو فاشي يحول خيبة الأمل والغضب الحقيقيين الذين ينتابا من خاب أملهم في الطبقة الحاكمة الفاسدة وغير الكفؤة إلى الأقليات العرقية والدينية، والمهاجرين بشكل عام، وإلى أي شخص يمكنه الكذب بشأنه باعتباره “عدواً داخلياً”، وهو فاشي في احتقاره الكامل لحكم القانون وعملية القانون، وفاشي يستغل الحراسة الذاتية والغوغاء.
لا يبدو أن أياً من هذا يزعج جنريك، ومن المدهش أن اثنين من رؤساء الوزراء المحافظين السابقين وهما بوريس جونسون وليز تروس يقولان أيضاً أنهما يدعمان ترامب، وهذا دليل آخر على أن حزب المحافظين في المملكة المتحدة قد تحول إلى عالم مظلم.
وفي نظر العديد من الناخبين، فإن اسم المحافظين سيجعل التعصب الذي ينطق به كل من جنريك وبادينوخ يبدو محترماً.
وتجلب كيمي بادينوخ مشاكلها الخاصة إلى الحلبة، الخدمة المدنية هي واحدة من تلك المؤسسات التي يدعمها المحافظون تلقائياً، لكن بادينوخ هاجمتها بعنف، حين أشارت مؤخراً إلى أن ما يصل إلى 10% من مسؤولي الخدمة المدنية سيئون للغاية لدرجة أنه يجب أن يزج بهم في السجن.
ورغم ذلك، فإن القلق الأكبر يتمثل في رد فعل بادينوخ على أعمال الشغب العنصرية خلال الصيف الماضي، ففي البداية غضت الطرف عن الأحداث، وهذا سيء بما فيه الكفاية في لحظة أزمة وطنية من شخص يريد قيادة حزب سياسي عظيم.
ولكن ما هو أسوأ من ذلك كان دفاعها القوي عن دوغلاس موراي، وهو من دعاة الجدل اليميني المتطرف، بعد ظهور مقطع فيديو دعا فيه موراي في وقت سابق إلى ما فسره أحد المراقبين المرموقين على الأقل على أنه مذبحة ضد المهاجرين.
هذا ما قاله موراي: “إذا لم يتم إرسال الجيش، فسوف يضطر الجمهور إلى التدخل، وسوف يضطر الجمهور إلى حل هذه المشكلة بنفسه، وسوف يكون ذلك وحشياً للغاية”، وقد ذهب جوناثان بورتيس، وهو أكاديمي مرموق، إلى حد القول أن هذا كان “دعوة مباشرة إلى عنف الغوغاء”.
مهاجمة الإسلام
لقد بنى كل من بادينوخ وجنريك حياتهما السياسية، جزئياً على الأقل، من خلال مهاجمة “التطرف الإسلامي”، حيث تتمتع بادينوخ بسجل من التصريحات المعادية للإسلام والتي يعود تاريخها على الأقل إلى حملة زاك جولدسميث سيئة السمعة لتولي منصب عمدة لندن عام 2016، وهذه هي الطريقة التي تصنع بها موجات في حزب المحافظين المعاصر.
وهناك نقطة أخيرة تخيفني بشكل خاص، وهي أن كلاً من جنريك وبادينوخ يعبران عن رؤية يمينية متطرفة لا تشترك تقريباً في أي شيء مع المحافظين التقليديين، ومع ذلك، فإن فوز أي منهما يعني أن إدارته سترث اسم الحزب المحافظ وأجهزته، وهذا الاسم ذو قيمة خاصة بسبب ارتباطه الطويل بالتقاليد البريطانية للديمقراطية الليبرالية.
وعلى الرغم من ذلك فإن حزب المحافظين اليوم أصبح عدواً للديمقراطية الليبرالية، وفي نظر العديد من الناخبين فإن تعبير “المحافظة” سيجعل التعصب الذي يعبر عنه كل من جنريك وبادينوخ يبدو محترماً، أي أن التصويت يوم الأربعاء لم يهمش المحافظين، بل جعلهم مهمين بطريقة جديدة وخطيرة من شأنها أن ترعب كل من يهتم بالحريات والديمقراطية البريطانية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)