هم بمثابة فئران التجارب! هكذا تنظر صناعة السلاح في إسرائيل إلى الفلسطينيين!

بقلم أنتوني لوينشتاين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد أصبحت الصناعات الدفاعية الإسرائيلية “مصدر إلهام” للعديد من دول العالم على مدار سنوات، خاصة وأنها دائماً ما تربط ذلك التطور بكونها مهددة من قبل الأعداء حولها، فمن هم الأعداء؟ ألا تستخدم إسرائيل دفاعاتها على الفلسطينيين كحقل تجارب؟؟!

في حديثه لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، صرح وزير الخارجية التايواني، جوزيف واو، بأن “جوانب القدرة القتالية الإسرائيلية مدهشة للشعب والحكومة في تايوان”، وأوضح أنه يقدر “حماية إسرائيل لنفسها، فهي لديها خبرة تشكلت من الحروب التي خاضتها في السابق”، كما عبر واو عن إعجابه بصناعة الأسلحة الإسرائيلية مؤكداً على الاستفادة منها في أي حرب محتملة مع الصين، وأشار إلى القبة الحديدية التي اعتبرها تطوراً تكنولوجياً مهماً.

لقد باعت إسرائيل معدات دفاعية إلى ما لا يقل عن 130 دولة حتى أصبحت عاشر مصدر للأسلحة في العالم

وفي تصريح للرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، في أبريل عام 2022، أشار إلى أن رؤيته لوطنه تتمثل في “تقليد الهوية اليهودية”، وأنه من “أشد المؤيدين لإسرائيل”، وفي إطار التصريح عقب الغزو الروسي قال زيلينسكي أنه يطمح لأن تصبح أوكرانيا “إسرائيل كبيرة بوجه روسيا”، موضحاً أنه يقصد وجود “ممثلين عن القوات المسلحة أو الحرس الوطني في جميع المؤسسات والأماكن في المستقبل”.

المختبر الفلسطيني!

لا يعد هذا الإعجاب بإسرائيل مفاجئاً بطبيعة الحال، لكنه مقلق لأنه يتجاهل حقيقة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وتنفيذ مشروع استعماري مستمر عليها، حيث يعد تطلع دول مثل تايوان وأوكرانيا إلى إسرائيل نظرة انتقائية للغاية، لا ترى فيها أكثر من 5 مليون فلسطيني يواجهون الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة والقدس الشرقية وغزة!

قامت المخابرات الإسرائيلية ببناء نظام مراقبة على مستوى وكالة الأمن القومي عبر الأراضي الفلسطينية بأكملها، وبذلك لم يعد هناك مكان يخلو من رقابة أو متابعة!

السؤال هنا أين يتم تطبيق هذا التطور الإسرائيلي؟ إنها جاذبية المختبر الفلسطيني، التي أمضيت سنوات من عمري أبحث عن تفاصيلها كمفهوم يتم تنفيذه على الفلسطينيين ويمكن انسحابه إلى مناطق أخرى في العالم، فصدر كتابي الجديد “مختبر فلسطين: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم؟”، والذي يكشف عن كيفية استخدام إسرائيل للفلسطينيين كأداة أساسية في تطوير أدوات القمع والتجسس من الطائرات بدون طيار إلى تقنيات التجسس والتعرف على الوجوه وغيرها.

لقد باعت إسرائيل معدات دفاعية إلى ما لا يقل عن 130 دولة حتى أصبحت عاشر مصدر للأسلحة في العالم، وهي بذلك تحذو حذو الولايات المتحدة التي لا تزال متصدرة لهذه الصناعة، التي جربتها خلال حربها في العراق وأفغانستان كحقل تجارب لأسلحة جديدة، والآن في الحرب الأوكرانية الروسية، بمثابة اختبار تجريبي للأسلحة الجديدة وأنظمة الرقابة المتطورة.

أما إسرائيل، فلديها سكان جاهزون من الفلسطينيين للاختبار والتجريب، لأكثر من 5 عقود، قامت المخابرات الإسرائيلية ببناء نظام مراقبة على مستوى وكالة الأمن القومي عبر الأراضي الفلسطينية بأكملها، وبذلك لم يعد هناك مكان يخلو من رقابة أو متابعة!

إسرائيل وبرامج التجسس

في السنوات الأخيرة، برز أشهر الامثلة على القمع والتجسس الإسرائيلي عبر برنامج بيغاسوس، الذي يعد أداة اختراق الهاتف التي طورتها شركة NSO الإسرائيلية، وتعد المكسيك أكثر دول العالم استخداماً لهذا البرنامج، الذي قلب حياة العديد من الناشطين والسياسيين والصحفيين والحقوقيين الذي تم التجسس عليهم حول العالم.

ويعد غياب التغطية الإعلامية عن الكثير من وسائل الإعلام الغربية حول بيغاسوس، بما في ذلك حملات الغضب ضد الشركة ومؤسسيها الجنود السابقين في الجيش الإسرائيلي، اعترافاً ودليلاً واضحاً على العلاقات الوثيقة التي تربط الشركة بإسرائيل.

هي شركة NSO بالاسم فقط، لكنها تعد ذراعاً للدبلوماسية الإسرائيلية، ويستخدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والموساد من أجل جذب أصدقاء جدد على الساحة الدولية، فإدراجها على القائمة السوداء في الولايات المتحدة في نوفمبر 2021، لم يؤثر على نشاط الشركة على الأرض!

من خلال البحث، وجدت علاقة واضحة بين بيع الأسلحة الإلكترونية الإسرائيلية ومحاولات إسرائيل لإخماد أي رد فعل قوي محتمل ضد احتلالها، ويتم استخدام برامج التجسس الإسرائيلية وتكنولوجيا المراقبة من قبل عدد لا يُحصى من الدول الديمقراطية والديكتاتورية على حد سواء حول العالم، فالمشكلة التي لم يعد بالإمكان السيطرة عليها لا تكمن في إغلاق الشركة التي أنتجت برنامج بيغاسوس فحسب، بل في فتح الباب أمام انتقال تقنية انتهاك الخصوصية إلى أي شركة منافسة أخرى، فالرغبة لدى الحكومات والشرطة والمخابرات لا تهدأ في استخدام تلك التقنيات، وفي حالة إسرائيل، المختبر الفلسطيني جاهز للتجارب فلا رقيب ولا حسيب.

توافق مع الأيديولوجيا

يعد مدى توافق إسرائيل مع سياق القمع في القرن 20 والقرن 21 مذهلاً، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك العلاقة العميقة بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل، فالأمر لا يتعلق بتجارة الأسلحة فقط، ولكنه توافق أيديولوجي بين دولتين آمنتا أنهما تحاربان من أجل وجودهما.

اعتادت إسرائيل الإفلات من العقاب رغم التغذية القومية العرقية التي تنتهجها، فقد كانت الدول الأوروبية من أشد الداعمين لإسرائيل، وعلى استعداد للتغاضي عن انتهاكاتها واحتلالها

في عام 1976، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحاق رابين، نظيره الجنوب إفريقي جون فورستر، لزيارة إسرائيل، حيث زار نصب الهولوكوست في القدس وجلس على مأدبة عشاء إلى جانب رابين الذي تحدث عن المثل العليا المشتركة بين الجانبين، باعتبارهما بلدين يعانيان من عدم الاستقرار ومن التهديد الدائم من أعداء محتملين وسط شعب مظلوم!

إسرائيل واليمين المتطرف حول العالم

لا تزال القومية العرقية جزءاً أصيلاً من تغذية إسرائيل حتى اليوم، كما أنها ترغب في تصديرها، لكن في صفقات الاسلحة مع دول مثل بنغلادش والفلبين، فهي تبني الصفقات على أسس عسكرية وربحية فقط، فلا تضع إسرائيل قيوداً على ما تبيعه، ولا يهمها لماذا تستخدم هذه الأسلحة التي تبيعها، فجماعات اللوبي المؤيدة لإسرائيل تعمل بشكل متزايد مع الدول القمعية مثل بنغلادش من أجل الترويج لفائدتها المفترضة مع الغرب.

أما تقارب إسرائيل مع دول مثل المجر او الهند أو اليمين المتطرف عموماً، والذي من المفترض أنه فكر يكره اليهود تاريخياً، ففيه الكثير من الحديث عن إسرائيل كدولة ملهمة في تجربتها، ففي تعليقه على دفاع نتنياهو عن تعليقات إيلون ماسك التي من المفترض أن تكون معادية للسامية، كتب الصحفي الإسرائيلي، نوا لانداو، “إن حشد الحكومة لخدمة تأجيج معاداة السامية ليس مفاجئاً، بل ثمرة عمل طويلة كانت حكومة نتنياهو تقترب فيها من العناصر اليمينية المتطرفة حول العالم، على حساب الجاليات اليهودية”.

يجب التوقف هنا قليلاً، إسرائيل، التي تدعي أنها تمثل يهود العالم، تشجع على التوافق مع الشعبوية القومية المتطرفة والعنصرية، بغض النظر عن عواقب ذلك على المدى البعيد على سلامة وأمن اليهود حول العالم، ولقد اعتادت إسرائيل الإفلات من العقاب رغم التغذية القومية العرقية التي تنتهجها، فقد كانت الدول الأوروبية من أشد الداعمين لإسرائيل، وعلى استعداد للتغاضي عن انتهاكاتها واحتلالها.

وفقاً لوثائق تم نشرها مؤخراً من ملفات وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن ألمانيا بين عامي 1967-1990، أصبحت أكثر انتقاداً لمشروع الاستيطان الإسرائيلي، لكن همها الرئيسي تركز حول مصالحها المالية إذا ما اندلعت حرب إقليمية في المنطقة، وفي وثيقة بعثها مكتب وزارة الخارجية الإسرائيلية في أوروبا الغربية، في فبراير عام 1975، إلى وزير الخارجية الإسرائيلي قبل زيارته إلى ألمانيا الغربية، أوضح المكتب مخاوف الألمان من حرب إقليمية، جاء في الوثيقة “هناك إجماع على أن هذه الحرب سيكون لها هذه المرة تأثير بعيد المدى وأنها يمكن أن تكون محرقة للاقتصاد الألماني، بناء على ذلك، ألمانيا الغربية مهتمة بإحراز تقدم نحو اتفاق سلام”.

الصمت الغربي

في الحقيقة، نادراً ما كان هناك أي اهتمام جاد بتحقيق سلام، أو محاسبة إسرائيل على أفعالها غير القانونية، لأن الضرورة الاقتصادية هي رأس الأولويات بالنسبة للغرب، حتى اليوم، عند الحديث عن نكبة جديدة مفترضة ضد الفلسطينيين يسود الصمت بين النخب الغربية.

ألمانيا، مثلاً، حظرت الاعتراف العلني بوقوع نكبة عام 1948، كما جرمت أي تضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت، تحرص ألمانيا على شراء نظام دفاع صاروخي إسرائيلي، وهذا هو السبب في صعوبة إيقاف الفصل العنصري الإسرائيلي ومختبرها في فلسطين، لأن دول كثيرة تريد قطعة من تكنولوجيا القمع الإسرائيلية لمراقبة سكانها غير المرغوب بهم أيضاً، ولذلك يمكن لإسرائيل أن تشعر بالراحة، في ظل عالم يغازلها بدلاً من محاسبتها، طمعاً في أسلحتها وتقنياتها!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة