هوس غربي بحصر المشكلة في نتنياهو رغم غالبية إسرائيلية تريد استمرار الحرب!

بقلم أنتوني لوينشتاين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لدى إسرائيل “مشكلة اللاجئين”، هكذا كتب رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ألوف بن، في مقال نشره مؤخراً، حيث أوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان على وشك اتخاذ قرار حول كيفية التعامل مع العدد الهائل من الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم قسراً من شمال غزة.

يرى بن أن “المسألة هي ما إذا كانت إسرائيل ستسمح للفلسطينيين بالعودة إلى شمال قطاع غزة، أو ما إذا كان سيتم تهجيرهم بشكل دائم من هناك وترك المنطقة تحت سيطرة إسرائيل”.

يعد بيني غانتس أحد الخلفاء المحتملين لنتنياهو، ولكنه لا يختلف كثيراً، فقد أمضى حياته المهنية بفخر في الترويج للدمار الذي أحدثه في غزة في الحروب السابقة

تعد صحيفة هآرتس صحيفة معارضة لنتنياهو، إلا أنها تظهر ممزقة بين وجهة النظر الإسرائيلية السائدة حول الهجوم على غزة، وبين موقف أكثر إنسانية يقر بأن إسرائيل ترتكب انتهاكات مروعة في غزة.

يمكن القول أن تحليل بن يعكس الجدل الدائر في أوساط النخبة السياسية الإسرائيلية اليوم بين موقفين لا يمكن التوفيق بينهما، فهناك أحزاب وسط تريد عقد صفقة مع حماس وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، في حين يفضل اليمين تجاهل مصير الرهائن والتركيز بدلاً من ذلك على إعادة إنشاء المواقع الاستعمارية في شمال غزة.

ويتغافل الفريق المتطرف عما كان يحصل في الشارع الإسرائيلي قبل 7 أكتوبر من احتجاجات عبر فيها الإسرائيليون عن رفضهم لإصلاحات نتنياهو الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، إلا في موضوع سياساته في غزة والضفة الغربية المحتلة والتي تتمتع بدعم إسرائيلي ضخم.

هوس غربي بحصر المشكلة في نتنياهو

المشكلة في إسرائيل ليست نتنياهو فقط، بل هو أحد أعراض التحول المجتمعي الكبير، فاستبداله بنسخة كربونية أخرى لن يغير الكثير بالنسبة لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلال عسكري وحشي.

ويعد بيني غانتس أحد الخلفاء المحتملين لنتنياهو، ولكنه لا يختلف كثيراً، فقد أمضى حياته المهنية بفخر في الترويج للدمار الذي أحدثه في غزة في الحروب السابقة.

لطالما كان هناك هوس غربي بحصر المشكلة في نتنياهو، باعتباره العائق أمام قيام “دولة يهودية”، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه مؤخراً الرئيس الأمريكي جو بايدن وزعيم مجلس الشيوخ تشاك شومر، اللذين قالا إن نتنياهو يمنع أي احتمال للسلام في المنطقة، معتبرين أن عدوانيته هي التي تجعل إنهاء الهجوم على غزة أمراً مستحيلاً.

الفصل العنصري هو الرؤية الإسرائيلية الحقيقية  لفلسطين، فبدلاً من الاعتراف بهذه الحقائق التي لا يمكن إنكارها، يروج الكثيرون في وسائل الإعلام الغربية للخيال القائل بأن الإسرائيليين يتوقون إلى الديمقراطية ويحتاجون فقط إلى زعيم جريء ليخرجهم من المستنقع

لا يمكن إنكار أن نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب لأطول فترة ممكنة، في محاولة يائسة لتجنب المحاسبة العلنية على الإخفاقات الاستخباراتية والعسكرية العميقة في يوم 7 أكتوبر، ولكن من الوهم الاعتقاد بأن إقالته هي الحل.

عندما سألته شبكة سي إن إن مؤخراً، قال نتنياهو إنه لاعب أساسي في إسرائيل، بل هو زعيم يتحدث باسم العديد من الإسرائيليين، وأنه حين يتبع سياسات معينة في غزة فهي تكون بدعم واسع النطاق.

حقائق لا يمكن إنكارها

في عام 2019، كنت قد كتبت في مقال أن العنصرية لطالما كانت منتشرة في كل مكان في إسرائيل، ولكنها تفجرت بشكل لا يمكن إنكاره منذ 7 أكتوبر، وأن نتنياهو كان ببساطة انعكاسًا لإسرائيل المعاصرة.

لقد أظهر استطلاع للرأي أجري عام 2016 أن ما يقرب من نصف المواطنين اليهود لن يعيشوا في نفس المباني السكنية التي يعيش فيها العرب. وبالتقدم سريعًا إلى أوائل عام 2024، نجد أن 68% من اليهود الإسرائيليين لا يريدون تسهيل المساعدات الإنسانية لغزة، وفقًا لدراسة أجراها معهد الديمقراطية الإسرائيلي.

لو عدنا إلى استطلاع أُجري عام 2012، فقد عارضت غالبية اليهود الإسرائيليين حقوق التصويت للعرب إذا ضمت الدولة اليهودية الضفة الغربية، فيما أراد ثلث الإسرائيليين حرمان العرب في إسرائيل من حق التصويت.

واقع الأمر أن إسرائيل تجد نفسها اليوم في وضع محفوف بالمخاطر وفي منطقة مجهولة، فحجم الموت والدمار في غزة أسوأ من نكبة عام 1948 وغزو لبنان عام 1982، ولقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة

بعبارة أخرى، الفصل العنصري هو الرؤية الإسرائيلية الحقيقية  لفلسطين، فبدلاً من الاعتراف بهذه الحقائق التي لا يمكن إنكارها، يروج الكثيرون في وسائل الإعلام الغربية للخيال القائل بأن الإسرائيليين يتوقون إلى الديمقراطية ويحتاجون فقط إلى زعيم جريء ليخرجهم من المستنقع.

دعوني أتوقف عند مثال توماس فريدمان هنا، وهو كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، فقد سبق أن أخطأ في الحكم على كل إجراء أمريكي كبير منذ 11 سبتمبر، حيث دعم “الحرب على الإرهاب” التي قادتها الولايات المتحدة لسنوات في أفغانستان والعراق.

في عام 2019، صرح أمام جمهور في نيويورك: “لقد استقبلتني إسرائيل، وفي أوقات الأزمات، أعرف أين سأكون عندما تكون الدولة اليهودية في خطر”.

ومنذ 7 أكتوبر، أصبح فريدمان أحد أكثر المعارضين صراحة لنتنياهو، حيث يقول لقرائه باستمرار أن الزعيم الإسرائيلي يمثل كارثة للدولة اليهودية، وتنطوي رؤية فريدمان للمستقبل على تحالف إسرائيلي مع السلطة الفلسطينية الفاسدة التي لا تحظى بشعبية في الضفة الغربية لتهيئة الظروف لما يسمى “حل الدولتين”.

إنكار

ليس لدى الغالبية العظمى من اليهود الإسرائيليين مصلحة في العمل مع الفلسطينيين، فقد نجحت حركة المستوطنين في إسرائيل في اختطاف مؤسسات الدولة منذ سنوات.

يبدو الأمر وكأن فريدمان في حالة إنكار لدولة إسرائيل التي أمضى عقودًا من الزمن يتملق لها، ولكن الحقيقة أنه يرفض تقبل فكرة أنها أصبحت معارضة تمامًا لحق تقرير المصير الفلسطيني أو حتى الحقوق المتساوية، وفي الوقت نفسه، لا يتورع فريدمان عن خطاب عنصري عند شرح ديناميكيات الشرق الأوسط!

واقع الأمر أن إسرائيل تجد نفسها اليوم في وضع محفوف بالمخاطر وفي منطقة مجهولة، فحجم الموت والدمار في غزة أسوأ من نكبة عام 1948 وغزو لبنان عام 1982، ولقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة.

أما الضفة الغربية، فهي على وشك الانفجار خاصة مع وصول عنف المستوطنين والجنود الإسرائيليين إلى مستويات غير مسبوقة، مقابل دعوات ذات مصداقية، يتردد صداها لفرض حظر على بيع الأسلحة لإسرائيل. 

أنا أعتقد أن المسؤولين والجنود والسياسيين الإسرائيليين لابد أن يتساءلوا في المستقبل المنظور عما إذا كان من الممكن القبض عليهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب في عواصم في جميع أنحاء العالم.

للأسف، لا يعني هذا أن إسرائيل معزولة حقاً، فهي لا تزال تحافظ على علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي (واشنطن وبرلين هما أكبر مزودي الأسلحة لإسرائيل).

من جانب آخر، لا يزال العديد من اليهود الأمريكيين يدعمون إسرائيل، ومن الممكن أن يفوز الجمهوريون في عهد دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر وأن يعملوا على تعميق علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل.

وكما كانت الحال مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والذي اضطر إلى إنهاء نظامه القمعي عام 1994، يحتاج المجتمع المدني العالمي اليوم إلى لعب دور حاسم في حشد الدعم للضغط على إسرائيل وفرض العقوبات عليها.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة