كشفت ملفات رسمية النقاب مؤخراً عن أن بريطانيا كانت قد أبلغت حكومة الاحتلال قبل أكثر من عشرين عاماً أن سلوك جيشها في الضفة الغربية “أكثر جدارة بالجيش الروسي” من كونه سلوك دولة متحضرة.
ففي العام 2002، قال السفير البريطاني شيرارد كوبر كولز لداني أيالون مستشار السياسة الخارجية لرئيس وزراء الاحتلال آنذاك أرييل شارون خلال لقاء جمعهما: “لم أكن لأعتبر أن مثل هذا السلوك يمثل مسألة سياسة”.
وجاء نشر مذكرات الاجتماع ضمن الوثائق التي نشرها الأرشيف الوطني يوم الثلاثاء والتي تكشف عن الإحباط البريطاني والأميركي أثناء اجتياح الاحتلال الكبير للضفة الغربية عام 2002، والتي عرفت باسم عملية (السور الواقي).
وكان شارون قد أطلق عملية السور الواقي وسط الانتفاضة الثانية بعد موجة من الهجمات الفلسطينية التي أسفرت عن مقتل العشرات من الإسرائيليين.
وفي خضم تلك العملية، تمت محاصرة مبنى المقاطعة وهو مقر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في رام الله وتدميره جزئياً وقطع خطوط الهاتف والكهرباء عنه.
وتخلل تلك العملية كذلك اشتباكات عنيفة في شوارع مخيم جنين للاجئين وهجمات بالمدفعية وغارات جوية على جنوب لبنان.
“لم يكن هناك شك في أن جنود الاحتلال تصرفوا خارج نطاق السيطرة وارتكبوا أعمالاً أثارت غضب الرأي العام الدولي” – السفير البريطاني شيرارد كوبر كولز في عام 2002
وتتسق المخاوف التي كشفت الملفات النقاب عنها مع تلك التي عبر عنها الحلفاء الغربيون بشأن عدوان الاحتلال الأخير على غزة، بما في ذلك الدعوات المتكررة من المسؤولين البريطانيين والأمريكيين لنزع فتيل التوتر دون جدوى والمخاوف من أن يهدد استمرار القتال الاستقرار الإقليمي.
وكما يحري اليوم في غزة، فإن عملية السور الواقي تركزت في مناطق مكتظة بالسكان واستخدمت فيها أسلحة ثقيلة، ألحقت أضراراً جسيمة بالبنية التحتية المدنية، وأدت إلى عرقلة وصول المساعدات الطبية لبعض الفلسطينيين مما أدى إلى وفاتهم، وفقاً لما قالته الأمم المتحدة.
وعلى الأرجح، فإن تشبيه سلوك جيش الاحتلال بأداء الجيش الروسي يشير إلى التكتيكات الوحشية التي اتبعتها قوات موسكو في الشيشان قبل بضع سنوات.
وقد حذر كولز داني أيالون، مستشار شارون، من أن عملية السور الواقي كانت “خطأ استراتيجياً كبيراً”.
وأظهرت الملفات أيضاً أن الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش كان منزعجاً من سلوك جيش شارون، حيث اشتكى في مكالمة خاصة مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير من أن سياسات شارون حولت عرفات إلى شهيد مثل أسامة بن لادن.
ووفقاً لملاحظة من مكتب الزعيم البريطاني آنذاك، اشتكى بوش قائلاً: “بينما كان عرفات يهمش نفسه فعلياً، نجح شارون في تحويله إلى شهيد، فبنى شخصيته إلى الحد الذي جعله يتحول إلى بن لادن الجديد”.
وتابع: “لقد حاولت الولايات المتحدة إقناع شارون سراً، ولكنه لم يستمع، وكانت النتيجة النهائية أن شارون كان يقوض قدرة الولايات المتحدة على مواصلة الحرب ضد الإرهاب، ولم يكن هذا تصرف حليف جيد”.
وكان ما يقرب من 500 فلسطيني قد استشهدوا وأصيب 1447 آخرون في عملية السور الواقي التي استمرت أكثر من شهر بقليل.
وأفادت الأمم المتحدة في ذلك الحين أن نحو 7000 فلسطيني قد اعتُقلوا أثناء العملية واحتجزوا لفترات طويلة دون تواصل مع العالم الخارجي أو ضمن تواصل محدود جداً.
وفي تقرير صدر في آب/أغسطس 2002، قال الأمين العام للأمم المتحدة: “في كثير من الحالات، اتبعت قوات الدفاع الإسرائيلية نمطاً يتمثل في استخدام مكبرات الصوت لاستدعاء الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاماً”.
ووفقاً لتقارير حقوق الإنسان، فإن أعداداً كبيرة من الرجال الذين تم اعتقالهم كانوا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، ولم يُسمح لهم باستخدام دورات المياه، وحُرموا من الطعام أو البطانيات خلال اليوم الأول من احتجازهم”.
جدير بالذكر أن قوات الاحتلال اعتقلت ما لا يقل عن 8425 فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة في حملة اعتقالات واسعة ومستمرة منذ الهجمات التي قادتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
واستشهد أكثر من 500 فلسطيني في هجمات الاحتلال في الضفة الغربية منذ ذلك الحين.
كما ويتعرض الأسرى الفلسطينيون للاعتداء الجسدي وانتهاكات أخرى بما في ذلك التجويع والحرمان من النوم وقطع الاتصال مع عائلاتهم ومنع المياه عنهم.