بقلم شاهنده نقيب
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد أقيمت جنازة غير رسمية لواحد من الجنديين المصريين اللذين قتلا على يد جنود إسرائيليين على حدود غزة مع سيناء المصرية، وسط تجاهل الجيش المصري لهوية أي من الجنديين القتيلين.
الجندي الأول هو عبد الله رمضان البالغ من العمر 22 عاماً ويعمل في حرس الحدود قرب معبر رفح، أما الثاني فهو إبراهيم عبد الرزاق،الذي توفي متأثراً بجراحه.
أثارت وفاة رمضان موجة من الغضب بين المصريين عبر الإنترنت، حيث استنكر الكثيرون صمت الحكومة وعدم وجود تصريحات واضحة حول إطلاق النار، يقول ابن عمه أبو أحمد: “ما زلنا لا نستطيع أن نصدق أنه رحل، فالشيء الوحيد الذي يمنحنا الصبر هو أنه قد مات شهيداً وهو يدافع عن بلاده ضد المعتدين”.
وأضاف أبو أحمد بالقول: “بعد أن خدم وطنه في الصحراء وتحمل الليالي القاسية، قُتل على يد الصهاينة ولم يحصل حتى على جنازة عسكرية”!
تم حظر التقارير حول إطلاق النار بين جنود إسرائيليين ومصريين في البداية ثم أكدها الجيش الإسرائيلي لاحقاً، حيث ذكر أنه “حادث إطلاق نار” قد وقع على الحدود المصرية وأنه قيد التحقيق.
أما على الجانب المصري، فقد أكد المتحدث باسم الجيش المصري مقتل “عنصر مكلف بأمن الحدود” في حادث إطلاق نار، وقال إن التحقيق جار، إلا أنه لم تصدر أي تصريحات رسمية أخرى حول الحادث، ولم يكشف الجيش علانية عن هوية الجندي.
من جانبها، فقد نقلت صحيفة ديلي نيوز إيجيبت، وهي صحيفة مصرية مستقلة تصدر باللغة الإنجليزية، عن مصادر لم تسمها قولها إن الجنود المصريين “تأثروا” بمذبحة رفح التي أدت إلى مقتل 45 فلسطينياً في مخيم للنازحين.
بعد مقتل رمضان، تم تداول حسابه على فيسبوك، حيث سلط الكثيرون الضوء على منشوره الأخير الذي كتب فيه عن غزة يقول “اللهم نسألك السلام التام لغزة”، وكان قد كتب في تدوينة سابقة: “قلبي يتألم وعيني تمتلئ بالدموع وغزة قريبة، لكن العالم أصم وأبكم وأعمى، إن الصمت تعبير عن العجز”.
أوضحت عائلة رمضان وأصدقاؤه أنه قد تخرج من الكلية في الفيوم ثم تم تجنيده لمدة عامين في حرس الحدود في شمال سيناء، وعنه يقول سمير أبو عطوة، الذي التحق بنفس الكلية، لموقع ميدل إيست آي: “كان من المفترض أن يبدأ ينتهي من الخدمة ويصبح مدنياً مرة أخرى في أغسطس”، وأضاف: “كان رمضان متديناً ويحب كرة القدم، حتى أنه في إجازته الأخيرة من الخدمة قد أخبرنا عما يراه قرب الحدود من ضحايا القصف وعائلاتهم من غزة الذين يعبرون الحدود إلى مصر”.
“كان واحداً منا”
كانت جنازة رمضان مقتصرة على حضور الأهل والأصدقاء، فيما غاب كبار ضباط الجيش عن الجنازة التي عُقدت في قريته العجميين قرب الفيوم على بعد 110 كيلومترات جنوب القاهرة.
“لم تقم أي قناة مصرية رسمية بتغطية جنازته، ولم يكن هناك موكب رسمي لجنازته، وكأنه ضحية مجهولة لقي حتفه في حادث دراجة نارية، حتى وصفه بيان الجيش بأنه مجرد أحد العناصر، بلا اسم ولا رتبة ولا قيمة ولا قدسية ولا كرامة” – جمال سلطان- صحفي مصري
يؤكد أحد أقارب رمضان يدعى أبا أحمد بأن العائلة علمت عن وفاته من فيسبوك وليس من رسول رسمي أو مكتب التجنيد في المدينة، وأن الجنازة لم يحضرها سوى ضابط برتبة رائد بالجيش وعقيد شرطة من مديرية أمن الفيوم، مؤكداً: “يؤلمنا عدم تكريمه من قبل الجهات الرسمية”.
أما عن المستوى الشعبي، فقد أكد أبو أحمد: “وجدنا العشرات من الأشخاص الذين لا نعرفهم ومن القرى المجاورة قد أتوا للتعزية، حتى العائلات التي كانت لدينا بعض الخلافات معها، جاءت لمساعدتنا والتأكد من أننا لا نحتاج إلى أي شيء”.
تم انتقاد الموقف الرسمي للمؤسسة العسكرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وذلك لانعدام الشفافية وعدم الاعتراف بالجندي القتيل، حيث كتب الصحفي المصري جمال سلطان: “تم دفن الشهيد الجندي المصري عبد الله رمضان، الذي قتله الصهاينة على الحدود برفح، بين فقراء بلدته بالفيوم، ولم يحضر جنازة شهيد الوطن كلب رسمي ولا محافظ ولا قائد عسكري ولا حتى رئيس مجلس مدينة”.
وأضاف سلطان: “لم تقم أي قناة مصرية رسمية بتغطية جنازته، ولم يكن هناك موكب رسمي لجنازته، وكأنه ضحية مجهولة لقي حتفه في حادث دراجة نارية، حتى وصفه بيان الجيش بأنه مجرد أحد العناصر، بلا اسم ولا رتبة ولا قيمة ولا قدسية ولا كرامة”.
أوضح أبو عطوة أن بعض الشباب الذين حضروا الجنازة حاولوا ترديد “جيل بعد جيل، سنعارض إسرائيل”، لكن ضباط الأمن منعوهم، يقول: “قام المسؤولون الأمنيون بإبلاغنا بأن عملية الدفن يجب أن تكون هادئة وتم منع بعض الأشخاص الذين حاولوا تصوير مقاطع فيديو”.
وفق شهادة صديق آخر يُدعى العمدة فقد كان “أحب عبد الله حقاً خدمته العسكرية وكان يقدر ما تعلمه، لكنه كان أيضاً متعباً وأراد أن تنتهي هذه الأيام، فقد كان واحداً منا ولا أستطيع أن أقول المزيد”.
مجهولة المصدر!
لم تستشهد وسائل الإعلام المصرية إلا بمصادر مجهولة أدلت بتصريحات غامضة حول الحادث، حيث ذكرت قناة القاهرة نيوز المرتبطة بالاستخبارات أن مصدراً أمنياً مسؤولاً قال إن مصر حذرت من تداعيات العمليات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا وحذرت من المساس بعناصرها.
تجدر الإشارة إلى أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل واتفاقية الحدود لعام 2005، تحدان من الوجود العسكري الإسرائيلي على طول المنطقة العازلة التي يبلغ عرضها 100 متر وطولها 14 كيلومتراً والمعروفة باسم ممر فيلادلفيا.
نقلت القناة عن المصدر الأمني قوله “هذا ما حذرت منه مصر منذ أشهر، فالهجوم الإسرائيلي على محور فيلادلفيا يخلق ظروفاً ميدانية ونفسية يصعب السيطرة عليها ومن المتوقع أن تتصاعد”.
يذكر أن سيطرة إسرائيل على المعبر للمرة الأولى منذ انسحابها من غزة عام 2005، قد أثارت خلافاً دبلوماسياً مع مصر، التي رفضت حتى الآن فتحه من جانبها من الحدود، قائلة إنه معبر فلسطيني مصري ويجب أن يبقى على هذا النحو.
كان يعد معبر رفح، حتى تاريخ إغلاقه، البوابة الرئيسية للمساعدات الحيوية والمدنيين منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر، حيث ظلت تسيطر عليه حماس من الجانب الفلسطيني ومصر من جانب سيناء، مع الخضوع لرقابة إسرائيلية بالتنسيق مع مصر، منذ عام 2007 حتى التوغل الإسرائيلي في 7 مايو الماضي.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)