بقلم علاء الترتير و شيفان فاضل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
على أرض الواقع، نجح الغزو الأمريكي في إسقاط صدام حسين ونظام البعث قبل 20 عاماً، غير أنه أخفق بوضوح في تحقيق الهدف الذي ادعاه من تحقيق الحرية والأمن والديمقراطية والازدهار للعراق وشعبه، بل قام بدلاً من ذلك بخلق مجموعة من التحديات والمشاكل التي يعاني منها العراق حتى اليوم.
خلال العشرين عاماً، قام الغزو الأمريكي بفرض هياكل ومؤسسات صورية ولا تمثل العراقيين، قامت بتعميق مشكلة انعدام الأمن منذ الغزو بالإضافة إلى أشكال أخرى من عدم الاستقرار، قضت على أي أفق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة، وبعبارة أخرى، تسببت في صناعة أوجه قصور بنيوية وعوائق في المنهجية والسياسات، الأمر الذي أعاق أي تقدم في إمكانيات وطاقات الشعب العراقي.
لم تكن النتيجة الكارثية للغزو الأمريكي محض صدفة بطبيعة الحال
منذ الغزو، سقط مئات الآلاف من الضحايا المدنيين، كما نزح أكثر من 9.2 مليون عراقي داخل العراق أو خارجها حيث تحولوا إلى لاجئين، ولم تتحقق المطالب ولا التطلعات المدنية والسياسية للشعب العراقي، بل على النقيض من ذلك، فقد تم إهمالها وتجاهلها عمداً، حيث أدت الترتيبات الهيكلية الجديدة لما بعد عام 2003، والتي كانت فاسدة في تصميمها من حيث المبدأ، إلى مزيد من إضعاف مؤسسات الدولة بسبب هيمنة فصائل سياسية محددة بدلاً من النهج التشاركي الشامل ضمن نظام الحكم الديمقراطي.
لقد أدى احتكار مؤسسات الدولة في يد فصائل سياسية محددة إلى تحويل تلك المؤسسات إلى آليات تخدم المصالح الاقتصادية للنخبة الحاكمة، مما تسبب في اختلال نظام الدولة وعدم القدرة على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، فعلى سبيل المثال، لم يتم بناء أي مستشفى أو محطة كهرباء جديدة خلال العقد الأول بعد الغزو، على الرغم من إنفاق 500 مليار دولار من الأموال العامة، تم دفع 300 مليار دولار منها إلى مقاولين مقابل مشاريع لم تكتمل حتى اليوم!
وفي عام 2021، اعترف الرئيس العراقي في تصريح له بأن العراق قد خسر 150 مليار دولار منذ عام 2003 بسبب الاختلاس والفساد المستشري خاصة في قطاع النفط، الذي يتم من خلاله تهريب المليارات من الدولارات إلى خارج البلاد!
محكومة بالفشل!
لم تكن النتيجة الكارثية للغزو الأمريكي على العراق محض صدفة بطبيعة الحال، ففي المرحلة الأولى، لم يكن شكل التدخلات الخارجية يشير إلى أي توقع نحو تطورات مستقبلية أو إعادة بناء وتعزيز المؤسسات، بل كانت مرحلة خالية من اعتبارات الحكم أو المساءلة والمحاسبة إلى أقصى حد.
بعد 20 عاماً على الغزو، ما زال الشعب العراقي يبحث عن الوطن!
لم يكن تشكيل سلطة التحالف المؤقتة أو مجلس الحكم العراقي أو حتى العمليات التي أدت إلى صدور دستور جديد عام 2005، تهدف إلى وضع احتياجات الشعب وحقوقه في صميم النظام السياسي، فقد فشلت المنظومة الجديدة في إنشاء نظام تشاركي شامل أو حتى إرساء أبسط أسس الشفافية والمساءلة القانونية، والتي تعتبر ركائز أساسية في أي عملية ديمقراطية!
ويرجع السبب في هذه الإخفاقات إلى الإطار الهيكلي الذي تم وضعه خلال المرحلة الأولى بعد الغزو، فقد كانت أشبه بعملية تجميل خارجية فقط، في حين تُركت الأسباب الجذرية للفشل دون اهتمام أو معالجة، أو تكتلت في أيدي مجموعات طائفية معينة لم تأبه بالالتفات لمعالجة أي قضية خوفاً من أن يؤدي الإصلاح الديمقراطي إلى تقويض هيمنتها.
عام 2019، ظهرت حركة “تشرين” الاحتجاجية كردة فعل على الفشل التراكمي في الدولة وحكوماتها المتعاقبة، تحت شعار “نريد وطناً” باعتباره المطلب الرئيسي للحركة، انطلاقاً من رؤيتها بضرورة إحداث تغييرات جذرية في الهياكل والمؤسسات السياسية في البلاد، فبعد 20 عاماً على الغزو، ما زال الشعب العراقي يبحث عن الوطن!
خلال العقدين الماضيين، تم تجاهل كل دعوات الإصلاح ووقف العنف ومعالجة الثغرات الأمنية واجتثاث الفساد، كما عانى الشعب العراقي من نقص في الخدمات العامة وارتفاع نسبة البطالة التي وصلت إلى 36%، الأمر الذي ترتب عليه كشف العواقب الضارة لنموذج التدخل الخارجي، لأنه مصمم بطبيعته لخدمة النخبة الحاكمة وقوات الاحتلال وبالتالي حلفائها بالإضافة إلى المؤسسات الاقتصادية وجهات إقليمية أحياناً، كل هؤلاء ما عدا الشعب العراقي!
إخفاقات هيكلية
لقد أدت أربعة عناصر بشكل أساسي إلى تلك الإخفاقات، أولها إضفاء الطابع المؤسسي على الهوية العرقية والطائفية كأساس للتمثيل السياسي، وهو ما يُعرف بنظام الحصص “محاصصة الطائفة”.
أما السبب الثاني، فيتمحور حول غياب الاتفاق حول قضايا أساسية مثل الفيدرالية مثلاً، مما ساهم في بقاء العلاقة بين الحكومة العراقية الفيدرالية وإقليم كردستان شبه المستقل مشحونة بالتوتر حتى اليوم، كما لا تزال بعض القضايا طويلة الأمد تتعلق بالأراضي وتقاسم الإيرادات عالقة.
ثالثاً، لقد أدى تشكيل بنية امنية خارج جهاز الدولة إلى ظهور الميليشيات المسلحة، حيث لم تقم تلك المجموعات بملأ الفراغ الأمني بدلاً من الدولة فحسب، بل قامت بطمس الخطوط الفاصلة بين الأمن والحكم، فصار الحكم تابعاً بشكل ما إلى إملاءات الأجندة الأمنية!
أما عنصر الإخفاق الرابع، فهو يتعلق بملف الانتخابات، حيث أن النهج المتبع في الانتخابات خلال السنوات الماضية، لم يجعل من صندوق الاقتراع سبيلا للتغيير الإيجابي، بل عززت التوجه للهيمنة الطائفية على السلطة، وعليه لم تغير الانتخابات شيئاً على أرض الواقع حتى اليوم، فقد افتقرت الانتخابات العراقية إلى عناصر التمثيل الحقيقي والشمولية والمحاسبة القانونية من خلال مؤسسات توفر الضوابط والتوازنات، فكانت النتيجة الطبيعية لذلك الانخفاض المطرد في إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع.
“عدم وضوح المستقبل” هو الثابت الوحيد!
مر عقدان على الغزو، وعلى فشل إصلاح النظام السياسي ومعالجة أسباب القصور من جذورها، أو تلبية احتياجات العراقيين من خلال مؤسسات تمثلهم بشكل حقيقي وديمقراطي، وإن كان من تغير، فهو أن تداعيات الغزو هذه قد أجبرت العراقيين على التعامل مع مجتمع منقسم ومشتت، على خطوط صدع تتفاقم على طول الهويات الطائفية والسياسية والعنف الناتج عن ذلك!
أصبح النظام السياسي العراقي اليوم، يُمَكن للفساد ويعفي الأحزاب السياسية من المساءلة، وفي المقابل، لم يترك العراقيين عرضة لعنف تنظيم “داعش”، ومواجهة العمليات المعقدة لإعادة الإعمار وحدهم فحسب، بل تركهم أيضاً في صراع مع الحكومات المتتالية ونظام الحكم الذي فشل في الحكم والتنفيذ على حد سواء، أو بمعنى آخر، لم تفِ يوماً بوعودها!
في إحصائية جديدة قام بها “الباروميتر العربي”، تبين أن 93% من العراقيين يرون أن الفساد منتشر في وكالات ومؤسسات الدولة، فيما عبر 19% من العراقيين فقط عن ثقتهم بالبرلمان، و26% عن ثقتهم في الحكومة، بينما عبر 83% من العراقيين عن ثقة بالقوات المسلحة، كما أعرب 80% من العراقيين عن “حسرتهم لعدم استجابة الحكومة لمظالمهم”، ورأى 62% منهم أنه يجب تغيير النظام المحلي بما فيها النظام الانتخابي الحالي، بحسب تقرير الباروميتر.
بناء على الاستطلاع، يمكن القول أن العراقيين يتفقون على أمرين أساسيين، أولهما أن الثابت الوحيد هو ” عدم وضوح المستقبل” والثاني أن “إصلاح النظام” مطلب فوري، الأمر الذي يستدعي مشاركة جادة في إعادة تصميم العقد الاجتماعي في العراق، على أسس معالجة الفساد وتقديم الخدمات الأساسية وضمان المساواة الاجتماعية بين الفئات السكانية، في خطوات للسعي نحو إقامة وطن ينشده العراقيون.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)