ولدوا في الحرب وماتوا من البرد… أطفال غزة يتجمدون حتى الموت!

ولدوا في الحرب وماتوا من البرد… أطفال غزة يتجمدون حتى الموت!

بقلم مها الحسيني

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الصباح الباكر، سقطت قطرة ندى من سطح خيمة على أنف الفلسطيني يحيى محمد البطران، فأيقظته على خبر أن ابنه حديث الولادة قد تجمد حتى الموت!

كان المنزل الأول للطفل الشهيد والذي كان شقيق توأمه، عبارة عن خيمة مؤقتة للنازحين مغطاة بالبطانيات في دير البلح وسط قطاع غزة، 

وقد كانت الحماية البدائية من برد الشتاء ونقص الملابس المناسبة تعني أن الأولاد كانوا في خطر منذ البداية.

يروي يحيى اكتشافه لموت طفله فيقول: “كانت زوجتي مستيقظة، فسألتها ما الأمر فأشارت إلى جمعة وهزت رأسها، وقالت: علي يبدو نصف حي، أما جمعة فأنا بحاول إيقاظه ولنه لا يستجيب، فرأسه يشبه الجليد”.

عند ذلك، لف يحيى ابنه ببطانية ونقله إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، يقول: “ولما وصلت إلى هناك أخبرنا الطبيب أنه قد مات”، فيما لا يزال شقيقه التوأم في حالة حرجة ويعاني من ارتفاع الحرارة.

لإعادة شحن الجهاز، كان يحيى يذهب إلى المستشفى مرتين في اليوم ويستخدم الكهرباء التي توفرها مولدات الطاقة، ولكن في الليلة التي تجمد فيها جمعة حتى الموت، كان الجهاز قد فقد الشحن من الاستخدام السابق

تعكس تجربة عائلة البطران تجربة مئات الآلاف الآخرين الذين أُجبروا على الانتقال من منزل مؤقت إلى منزل مؤقت بينما تشن إسرائيل حملة القتل والدمار، حيث يروي يحيى لموقع ميدل إيست آي، يقول: “لقد جئنا إلى وسط غزة لحماية أنفسنا وأطفالنا من الموت الذي رأيناه في شمال غزة، لقد كنا نقيم في مدرسة في منطقة المغازي، لكن بعد قصفها هربنا إلى دير البلح وأقمنا في خيمة”.

وأضاف يحيى: “استشهد اثنان من أبناء أخي وثلاثة من أهل زوجتي منذ بضعة أسابيع، وبعد أسبوع من مقتل أبناء إخوتي، رزقني الله بتوأم، 

فسميت أحدهما باسم عمه الذي استشهد سابقاً، جمعة، والآخر على اسم ابن أخي الذي استشهد مؤخراً، علي”.

بوفاة الرضيع جمعة، يرتفع إجمالي عدد الأطفال الذين تجمدوا حتى الموت في غزة خلال الأسبوعين الأخيرين إلى 5 على الأقل، من بينهم عائشة القصاص ذات الـ 21 يوماً، وعلي عصام صقر ذي الـ 23 يوماً، وعلي حسام عزام وعمره 4 أيام، وسيلا محمود الفصيح ذات الـ 14 يوماً، وجمعة البطران وعمره شهر واحد.

 تم العثور على ضحية سادسة، وهو ممرض يدعى أحمد الزهارنة، ميتاً في خيمته في منطقة المواصي في خانيونس، وذلك بسبب انخفاض حرارة جسمه نتيجة البرد الشديد!

لا رعاية بعد الولادة

حتى سبتمبر الماضي، فقدت أكثر من 525,000 امرأة فلسطينية في غزة إمكانية الوصول إلى الخدمات الحيوية، بما فيها الرعاية قبل الولادة وبعدها وتنظيم الأسرة وعلاج العدوى، حيث تواجه أكثر من 17 ألف امرأة حامل المجاعة، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان. 

في تقريره على الانترنت، ذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان على أن “هذا النقص في التغذية السليمة، إلى جانب الضغط الهائل الذي يفرضه وضعهم، يؤدي إلى ارتفاع معدلات الولادات المبكرة وانخفاض وزن الأطفال عند الولادة وزيادة مخاطر تأخر النمو”.

في حالة أطفال يحيى البطران مثلاً، خرج التوأم من الحاضنة مبكراً، واضطرت أسرتهما إلى إعادتهما إلى خيمتهما المؤقتة، بسبب الضغط والنقص في الخدمات، حيث يقول يحيى: “لم يكن لدي المال لشراء الملابس أو البطانيات لهم، فتبرع بعض الجيران ببعض الملابس، لكن التوأم كانا بحاجة إلى شيء مثل حاضنة المستشفى لإبقائهما دافئين”.

وأضاف: “أقسم بالله أني كنت أغطيهم ببطانيتي الوحيدة وأقضي الليل كله متجمداً، وقد ذهبت إلى الأونروا وأعطوني جهازاً يمكن شحنه لإبقاء الأطفال دافئين، لكنه يعمل لمدة 3 ساعات فقط قبل أن يحتاج إلى إعادة الشحن، فكنت أستخدمه لمدة ساعة ونصف لكل رضيع”.

لإعادة شحن الجهاز، كان يحيى يذهب إلى المستشفى مرتين في اليوم ويستخدم الكهرباء التي توفرها مولدات الطاقة، ولكن في الليلة التي تجمد فيها جمعة حتى الموت، كان الجهاز قد فقد الشحن من الاستخدام السابق.

نتحسس قدميها 

منذ بدء حربها على غزة في أكتوبر عام 2023، قطعت إسرائيل الكهرباء وقيدت بشدة دخول الوقود وقصفت جزءاً كبيراً من البنية التحتية للكهرباء في القطاع المحاصر، ونتيجة لذلك، يعاني سكان غزة من انقطاع كامل للطاقة منذ 14 شهراً، وحتى وإن ساعدت الطاقة الشمسية بعض الفلسطينيين في توليد الطاقة، إلا أنها لم تكن كافية لتلبية احتياجاتهم.

أوضح أخصائي طب الأطفال في مستشفى ناصر  في خان يونس، الدكتور هاني الفليط، أن هناك حالات كان فيها الأطفال على وشك الموت لكنهم تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، مؤكداً أن “الوضع محزن للغاية، لأنه كان من الممكن منعه لو توفرت التدفئة والملابس والتغذية المناسبة، فالبرد الشديد يؤثر على وظائف أعضاء الجسم ويعطل القلب والدورة الدموية”.

“بعد أن سمعنا عن الأطفال الذين ماتوا بسبب البرد، لا يمكننا النوم ليلاً لأننا نظل طوال الليل نتأكد لمعرفة ما إذا كانوا أولادنا تحت الغطاء دافئين، فأنا وزوجتي نتناوب على البقاء مستيقظين للتأكد من أن ابنتنا البالغة من العمر 22 يوماً لا تزال على قيد الحياة، فنحن نتحسس بقدميها بانتظام لمعرفة ما إذا كانت باردة أم دافئة”

حامد أحمد- نازح في خانيونس

مع تزايد حالات انخفاض حرارة الجسم واستمرار انخفاض درجات الحرارة في غزة، أصبح الآباء يشعرون بالقلق الشديد على أبنائهم، ففي منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي اكس، كتبت أم فلسطينية نازحة في وسط قطاع غزة تدعى نور: “لا أستطيع النوم، ففي الظلام الخانق، أتحسس أنفاسهم للتأكد من أنهم لم يتجمدوا حتى الموت”. 

أما الأب النازح في منطقة الزوايدة حامد أحمد، فيقوم بوخز قدمي مولودته الجديدة بدبوس أثناء نومها للتأكد من أنها لا تزال تشعر بذلك، يقول: “خيمتي مصنوعة من قطع النايلون والقماش، نصبت بالقرب من البحر، وفي الليل، تنخفض درجة الحرارة كثيراً لدرجة أننا نحن الكبار نرتعد ونتجمد فما بالك بالأطفال”.

يضيف حامد: “عادة، في بداية فصل الشتاء نقوم بالتسوق لشراء ملابس جديدة للأطفال، لكن الآن، مع وجود 3 أطفال وأنا وزوجتي، فنحن بحاجة إلى ميزانية ضخمة لشراء الملابس، واليوم بات سعر البيجامة الواحدة 150-180 شيكل أي 40-50 دولار، وأنا عاطل عن العمل الآن، لذلك لم أشترِ لهم أي شيء”.

منذ أكثر من عام، فرضت إسرائيل قيوداً مشددة على دخول البضائع إلى غزة، ونتيجة لذلك، يواجه وسط وجنوب قطاع غزة، الذي يأوي فيه حالياً حوالي 2 مليون ساكن ونازح، نقصاً في الملابس الشتوية والبطانيات، وإن تم جلب بعض المواد عن طريق التجار من شمال غزة، فإنها تباع بأكثر من 3 أضعاف أسعارها قبل الحرب.

يقول حامد: “بعد أن سمعنا عن الأطفال الذين ماتوا بسبب البرد، لا يمكننا النوم ليلاً لأننا نظل طوال الليل نتأكد لمعرفة ما إذا كانوا أولادنا تحت الغطاء دافئين، فأنا وزوجتي نتناوب على البقاء مستيقظين للتأكد من أن ابنتنا البالغة من العمر 22 يوماً لا تزال على قيد الحياة، فنحن نتحسس بقدميها بانتظام لمعرفة ما إذا كانت باردة أم دافئة”.

مقالات ذات صلة