ومع سقوط بغداد نُهبت كلُ ثروات العراق!

بقلم فرح عبد الصمد

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

في 10 نيسان/ أبريل 2003، سارع اللصوص إلى دخول المتحف الوطني العراقي عندما تقدمت القوات الأمريكية إلى بغداد، وعلى مدار الساعات الـ 36 التالية، نهبوا المتحف الذي تأسس عام 1923 والمخصص للحفاظ على التراث الهائل للبلاد.

وصفت صحيفة نيويورك تايمز نهب المتحف و مجموعة من القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن والتي يعود العديد منها إلى الأيام الأولى للثقافة والحضارة الإنسانية، بأنها “واحدة من أعظم الكوارث الثقافية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث”.

على الرغم من أن موظفي المتحف كانوا يستطيعون بقليل من الدعم الخارجي تأمين أكثر من 8000 قطعة أثرية، إلا أن أكثر من 15 ألف قطعة تاريخية اختفت في غضون يومين.

تُظهر الصور التي التقطت أثناء النهب حجم الحطام و الإهمال، حيث تم الدوس على الماضي المجيد وتحطيمه.

استخدم اللصوص وأعضاء العصابات المنظمة البنادق والمطارق والهراوات والعتلات لكسر الخزائن وزجاج الحماية، وملأوا الصناديق وعربات اليد كما جيوبهم بمقتنيات لا تقدر بثمن.

من بين الأشياء التي اختفت ختم سومري يمثل القيثارة الذهبية لأور، بالإضافة إلى إناء الإلهة الوركاء وقناعها، ولحسن الحظ، تم إرجاعهما لاحقًا.

وعندما وصلت القوات الأمريكية أخيرًا لحماية المتحف في 16 نيسان/ أبريل، كان الأوان قد فات بالفعل.

ومع انتشار التقارير عن هذا التقاعس، أعرب العلماء في جميع أنحاء العالم عن غضبهم، وكان الكثيرون قد نصحوا الجيش في السابق بالعمل الفاعل لضمان سلامة المتحف.

“بناء على إلحاح من عالم آثار عراقي، قامت مجموعة من مشاة البحرية على متن دبابة بإطلاق النار فوق رؤوس اللصوص وطردهم، لكن بدلاً من البقاء لحماية المبنى، غادر المارينز وعاد اللصوص” – هيومن رايتس ووتش.

في البداية، قللت الإدارة الأمريكية من شأن الحادث، وتساءل دونالد رامسفيلد وزير الدفاع آنذاك أمام الصحفيين:” هل يمكن أن يكون هناك الكثير من المزهريات في جميع أنحاء البلاد؟”.

لكن هذه المزهريات كانت فريدة من نوعها، ولا يمكن تعويض خسارة العراقيين بنهبها.

وبعد سنوات، نعت الكاتبة العراقية اللبنانية جمانة الطلال المفقودات مستذكرة وحشية الغزو.

وقالت:” كانت الأحداث تجري بسرعة كبيرة لدرجة أن حجم النهب لم يسجل في ذلك الوقت”، وأوضحت أن العراقيون كانوا منشغلين بموتاهم أو المختفين من عائلاتهم، ولم يفكر معظمهم في المتحف.

وخارج بغداد، تعرضت مواقع ثقافية أخرى للإهمال والتدمير، ففي أوقات الفوضى، يصبح النهب احتمالًا حقيقيًا، ويجب أن تؤخذ أحداث العام 2003 على محمل الجد.

أثناء حرب الخليج عام 1991، عندما فقدت القوات العراقية السيطرة على المناطق الجنوبية، هاجم اللصوص تسعة متاحف إقليمية، كانت تضم مجموعات من التحف المحلية وأخرى نقلت من المتحف الوطني في بغداد لتأمينها في تلك المتاحف.

تشير التقديرات إلى أن حوالي 4000 قطعة سُرقت أو دمرت في ذلك الوقت، بما في ذلك لوح جلجامش الذي يبلغ من العمر 3500 عام، وهو نسخة سومرية من الملحمة العظيمة.

تباع في الأسواق السوداء

وجدت معظم القطع الأثرية التي سرقت خلال حرب الخليج أو غزو عام 2003 طريقها عبر الوسطاء إلى أسواق غير شرعية، وتم بيعها في مزادات خاصة أو عبر الإنترنت، من خلال قنوات أقل اكتراثاً بالمصدر وحقوق الملكية.

وغالبًا ما كان يتم بيع التحف التي يتم الاتجار بها بطرق غير قانونية بمبالغ زهيدة جدًا.

حتى في زمن الحرب، يقرر القانون الدولي التزامات على الدول، وتحدد اتفاقية لاهاي لعام 1954 مسؤوليات تُلزم قوات الاحتلال لضمان سلامة الممتلكات الثقافية.

وقد تم تسجيل المزيد من الأضرار الثقافية عندما استخدم أكثر من 2000 جندي أمريكي وبولندي موقع بابل الأثري كقاعدة عسكرية، في الحادث الذي وصفته اليونسكو بأنه “تعدٍ خطير”.

“كانت مسألة التراث الثقافي غائبة إلى حد كبير عن مناقشات صانعي السياسة في الولايات المتحدة قبل غزو العراق” – لورانس روثفيلد، مؤلف كتاب “اغتصاب بلاد ما بين النهرين: وراء نهب متحف العراق”.

استخدمت البروفيسور إليزابيث ستون، عالمة الآثار في قسم الأنثروبولوجيا في جامعة ستوني بروك، صور الأقمار الصناعية لإظهار أن أكثر من 40 %من حوالي 1500 موقع في جنوب العراق ظهرت فيها أدلة على الدمار بحلول ديسمبر 2003.

ومن الصور، حددت ستون عددًا كبيرًا من الحفريات غير القانونية حيث تُركت المواقع في الغالب دون حماية خلال السنوات الأولى من الصراع.

كانت هناك أيضًا تقارير غير رسمية عن جنود ومقاولين أمريكيين عادوا إلى ديارهم بتذكارات ثقافية كاستحقاق كئيب ووحشي للفتات المسلوب من ماضي العراق.

ظهرت القطع الأثرية التاريخية العراقية في العديد من البلدان منذ ذلك الحين، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا.

يبدو أنه لم يتم تعلم أي دروس من نهب عام 2003، وكانت هناك محاولات نهب أخرى للمتحف الوطني.

وفي ظل الفراغ الأمني الذي أعقب الانسحاب الأمريكي، أصبحت الممتلكات الثقافية هدفًا للجماعات المسلحة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي صور تدمير مواقع تاريخية في شمال العراق لإنتاج مقاطع فيديو دعائية قاسية.

نفذ التنظيم “نهبًا منهجيًا واسعًا” لتأكيد هيمنته على الأقليات الثقافية في العراق، ولا تزال مشاهد مقاتليه وهم يحطمون التراث الآشوري داخل متحف الموصل في فبراير 2015 ماثلة للعيان.

طريق بطيء نحو الرد

صدمت صور المتحف الوطني الذي تعرض للنهب عام 2003 الجمهور بشدة وأثارت مشاعر الغضب والتضامن.

وشرع الشركاء العراقيون والدوليون في فهرسة وترقيم واستعادة العناصر المفقودة، في مهمة ضرورية حيث تم أخذ العديد من الغنائم التي لم تكن قد سجلت بشكل صحيح بعد.

وأطلق المعهد الشرقي في شيكاغو على الفور منصة “كنوز العراق المفقودة”، وهي صفحة معلومات وقاعدة بيانات على الإنترنت لتسجيل المفقودات العراقية وتصويرها والإبلاغ عنها.

ومنذ عام 2007 إلى اليوم، يستخدم الفنان العراقي مايكل راكويتز المقيم في الولايات المتحدة بيانات المعهد الشرقي لإنشاء العديد من المجسمات التي تحاكي المفقودات في إطار مشروعه ” لا يجب أن يبقى العدو الخفي موجودا”.

أعاد راكويتز بناء نقوش من قصر النمرود القديم وتماثيل طينية شهيرة تحاكي مقتنيات المتاحف المنهوبة كي يبقي قضية سرقة وتدمير كنوز العراق الثقافية حية في الوعي العام، وهو أمر حيوي إذا تم إعادة القطع الأثرية المنهوبة.

فعلى سبيل المثال، من خلال تحقيق دولي، تم استعادة تمثال مكسور للملك السومري إنتيمينا من لاجاش في نيويورك في عام 2006، وتم الإعلان عن استعادة مقتنيات أخرى بشكل دوري منذ ذلك الحين.

وأعيدت حوالي 17 ألف قطعة أثرية إلى العراق في عام 2021، كان معظمها عبارة عن ألواح طينية قديمة وجدت بحوزة مؤسسة ناشئة ذات ميول إنجيلية مقرها الولايات المتحدة، ومتحف الكتاب المقدس، وجامعة كورنيل.

وفي كانون أول/ ديسمبر الماضي أعيدت أربعة أختام أسطوانية عمرها 4000 عام نُهبت خلال نهب عام 2003 من المتحف الوطني ببغداد.

وقد عجل فرض الغرامات والدعاوى القضائية بلا شك من عمليات الاسترجاع، لكن البحث مازال مستمرا عن نحو نصف المفقودات.

كان من المتوقع بشدة أن يعاد افتتاح المتحف الوطني العراقي عام 2015، لكنه ظل مغلقًا لمدة ثلاث سنوات أخرى بسبب الاحتجاجات واسعة النطاق عام 2019 ووباء كورونا ولم يتم افتتاحه أخيرًا إلا في أوائل عام 2022.

وقد يجادل البعض بأن النهب كان دائمًا مصحوبًا بالحرب، لكن التدمير الثقافي للعراق أثناء وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 كان واحداً من أعمال العنف، وخلف خسارة وظلمًا لا يزالا ملموسين بعمق حتى اليوم، على الرغم من الجهود القانونية المستمرة والمتفرقة للتعويض.

ولا يزال نهب متاحف العراق واحدا من أعظم الكوارث الثقافية في تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة