بقلم عادل حجار
أدى ظهور الزراعة في الشرق الأوسط قبل 11 ألف عام إلى الاستقرار الحضري وهجر حياة الصيد السابقة، ونتيجة لتوفر المحاصيل الزراعية وتربية الماشية، لم يعد هناك حاجة للناس إلى التنقل بحثاً عن مصادر الطعام.
وتحولت التجمعات الزراعية الصغيرة إلى قرى ومدن لتمثل اللبنة الأولى للحضارة المدنية، وظهرت أول مدن العالم في الشرق الأوسط ومنها جاتال هويوك القريبة من مدينة قونيا التركية الآن وذلك قبل حوالي عام 7400 قبل الميلاد والتي تركها سكانها بعد ذلك بنحو ألفي عام.
واكتشف الباحثون في المدينة جداريات منزلية بنيت بأسلوب فني، كما وجدوا تماثيل الآلهة مثل تمثال “الإلهة الأم” الذي تجسد في هيئة امرأة جالسة داخل المدينة.
هُجرت جاتال هويوك غالبًا بسبب تأثير المرض وزيادة السكان وتغير المناخ، لكن بعض مدن الشرق الأوسط القديمة ما زالت مأهولة بالسكان حتى اليوم.
إليكم 5 من هذه المدن التي صمدت أمام عوامل الزمن:
غازي عنتاب.. تركيا
تدل قطع الفخار التي اكتشفت في غازي عنتاب على أن الناس سكنوا المدينة الواقعة بين التلال الجيرية ومصادر المياه العذبة الفسيحة في تركيا قرب حدود سوريا منذ القرن الرابع قبل الميلاد.
ومنذ عهد الحثيين في أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد وحتى العثمانيين في العصور الوسطى والحديثة، حاربت المدينة تحت حكم الإمبراطوريات التي تعاقبت على حكمها.
وهناك من يقول أن اسم المدينة اشتق من الكلمة العربية والآرامية “عين” التي تعني نبع الماء، أو من كلمة “khantap” الحثية التي تعني أرض الملك.
كانت غازي عنتاب القديمة تُشرف على طريق تجاري بين مرتفعات الأناضول ومصر، فجذبت السكان عبر السنين، وما زالت مدينة زراعية مهمة تنتج الفستق والزيتون والعنب إلى اليوم.
جبيل.. لبنان
كانت مدينة بيبلوس أو جبيل، كما هي معروفة، مأهولة بالسكان منذ عام 5 آلاف قبل الميلاد وفقًا لعلماء الآثار، وتقع المدينة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في لبنان، وقد تعاقبت عليها العديد من الإمبراطوريات، فحكمها المصريون القدماء والآشوريون، والرومان، والعرب، وغيرهم.
اكتسبت جبيل أهميتها من موقعها القريب من البحر ومن دورها التاريخي كمحطة انطلاق للتجارة عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث اشتهر الفينيقيون الذين استوطنوا المدينة قبل 2500 و4500 عام بمهارتهم في الملاحة البحرية وأسسوا مستعمرات على طول البحر الأبيض المتوسط حتى إسبانيا.
عند تأسيسها، حملت المدينة اسم جبل أي “منبع الإله”، ثم سماها اليونانيون “بيبلوس” أي الكتاب وذلك لدور المدينة في تصدير ورق البردي.
واعترفت اليونسكو بالمدينة كمكان ذي قيمة عالمية مميزة، وما زالت تضم بعض الآثار التاريخية مثل المنازل العثمانية والمنشآت الصليبية.
أربيل.. العراق
كانت أربيل – عاصمة المنطقة الكردية بالعراق – مأهولة بالسكان منذ عام 2300 قبل الميلاد، ويقال إن بدايات المدينة تعود إلى 6 آلاف عام من ذلك.
وذكرت المصادر السومرية التي يعود تاريخها إلى 5000 عام اسما مشابها لكلمة أربيل، وقد سمى الأكاديون من بعدهم مكانًا يدعى “Arba-ilu” الذي يعني أربعة آلهة.
تضم المدينة اليوم قلعة يرجع تاريخها إلى 4 آلاف عام، عند ملتقى الطرق بين الأناضول في الشمال وإيران في الشرق والشام في الغرب، وقد تنازعت الإمبراطوريات على أربيل عبر التاريخ، فحكمها البابليون والفرس والروم، والعرب، والأتراك، وغيرهم.
واعترفت اليونسكو بقلعة أربيل ضمن التراث العالمي، حيث تستثمر السلطات المحلية في تطوير المدينة ومتاحفها لتصبح وجهة سياحية رائدة.
دمشق.. سوريا
ذُكرت دمشق لأول مرة باسم “Ta-ms-qu” خلال تنازع الإمبراطوريتان المصرية والحثية على السيطرة على بلاد الشام في الألفية الثانية قبل الميلاد، وفي الألفية الأولى تطور الاسم إلى “Dimashqu” وهو اسم آرامي قريب من الاسم العربي دمشق.
تأُسست المدينة قبل 4300 عام، إلا أن الباحثين وجدوا أدلة لمستعمرات بشرية فيها تعود لما قبل 8 آلاف و10 آلاف عام في تل رفعت على أطراف المدينة.
وبرز اسم دمشق في العهدين القديم والجديد للكتاب المقدس، واشتهرت بكونها وجهة بولس الطرسوس الذي كان يضطهد المسيحيين لكنه تحول إلى المسيحية وأصبح يبشر بها بعد مواجهته يسوع، فأصبح التحول الدمشقي يعني التحول المفاجئ في معتقدات الإنسان.
وفي العهد الإسلامي، اتخذ الخليفة معاوية من المدينة عاصمة للدولة الأموية منذ تأسيسها، لتستمر مكانتها كواحدة من أهم مدن الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وما زالت سمعتها قائمة رغم عقد من الحرب الأهلية في سوريا.
أريحا.. الضفة الغربية المحتلة
تعتبر أريحا أقدم مدينة لا تزال مأهولة بالسكان في العالم، حيث يعود تاريخها إلى 11 ألف عام، واشتق اسم المدينة من الكلمة الكنعانية “ريح” التي تعني العطر.
تقع أريحا في وادي الأردن بالضفة الغربية المحتلة، وهي ذات تاريخ مزدهر شاهد على العديد من الإمبراطوريات، بالإضافة إلى أنها خلفية لواحد من أشهر فصول الكتاب المقدس.
تقلصت أريحا إلى حجم قرية في العصر العثماني، برغم أهميتها التاريخية والدينية، لكن كثافتها السكانية ازدادت منذ فترة الانتداب البريطاني، وتتميز أريحا، إضافًة إلى تاريخها، بأنها أكثر مدينة منخفضة في العالم ما زالت مأهولة بالسكان، رغم وقوعها على انخفاض 240 مترًا تحت سطح البحر.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)