يهود الشتات بين الفاشية الإسرائيلية والضمير الإنساني

بقلم أنتوني لوينشتاين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في أعقاب ردود الفعل الإعلامية والسياسية المبالغ فيها على الهتافات المؤيدة لفلسطين في مهرجان غلاستونبري للموسيقى، أعرب وزير شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، عن قلقه من وضع اليهود في بريطانيا.

نشر الوزير على موقع اكس بأن الجالية اليهودية يجب أن “تغادر البلاد”، وأسبابه تلخصت في معاداة السامية المفترضة في كل مكان في جميع أنحاء بريطانيا، من هيئة الإذاعة البريطانية إلى عشاق الموسيقى، باعتبارها تهدد “دماء اليهود والإسرائيليين الذين يعيشون في بريطانيا”، وأضاف: “أنا منزعج بشدة مما يحدث في بريطانيا، في مكان تزدهر فيه معاداة السامية، يغرق المجتمع في أعماق مظلمة وخطيرة فهذا البلد يضيع”.

لقد أمضى شيكلي سنوات في بناء تحالفات وثيقة مع بعض أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، والتي يحتفظ العديد منها بعلاقات مع النازيين الجدد الفعليين، لأنه يراهم حلفاء مفيدين في تحقيق حلمه ببناء حركة عرقية قومية عالمية بقيادة النموذج، إسرائيل.

هذه هي إسرائيل في عام 2025، تواصل التطهير العرقي والإبادة الجماعية في غزة وتطبق نظاماً بشعاً يتم فيه قتل الفلسطينيين الذين يطلبون المساعدة بالرصاص، وتشويه أي انتقاد باعتباره أقرب إلى النازية!

رؤية مسيحانية دينية

نادراً ما يتم استجواب التطرف اليهودي الإسرائيلي في الغرب رغم كونه ظاهرة مخيفة تهدد حياة الفلسطينيين واليهود الأقل تديناً والشرق الأوسط برمته!

تنظر شريحة مؤثرة من السكان اليهود في إسرائيل إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو أفغانستان تحت حكم حركة طالبان باعتبارهما نموذجين مثاليين يجب اتباعهما لشكل الدول الأصولية الثيوقراطية التي لا تقبل وجود أي شخص لا يتفق مع رؤيتها، سواء كان يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو ملحداً.

أنا صحفي يهودي يكتب عن إسرائيل وفلسطين منذ أكثر من 20 عاماً، ومع ذلك أتردد أحياناً في التركيز على المشاعر اليهودية المعارضة للفظائع التي تحدث في غزة والضفة الغربية وخارجها، باعتبار أن التركيز يجب أن ينصب على حياة الفلسطينيين ومعاناتهم ومقاومتهم، ومع ذلك فمن المستحيل تجاهل الذنب الأخلاقي والسياسي والعملي للمجتمع اليهودي المنظم في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ومعظم أنحاء العالم الغربي.

أكثر اليهود ضيقاً في الأفق اليوم هم من ينظرون إلى الشرق الأوسط اليوم ويستنتجون أن إسرائيل أصبحت أكثر أمناً لليهود مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر عام 2023، فالأمر ليس كذلك، فكونك يهودياً في إسرائيل يظل أمراً غير آمن أكثر من أي جزء آخر من العالم

لم يكن ليحدث أي مما حصل ويحصل للفلسطينيين لو رفض المزيد من اليهود المشاركة في الصمت المؤلم أو الإذعان للاحتلال والحرمان الذي لا نهاية له في فلسطين، ورفضوا الضغط على حكوماتهم للحصول على المزيد من الأموال والأسلحة لإسرائيل، وقاوموا الضغط على وسائل الإعلام لإسكات الانتقادات المشروعة للإجراءات الإسرائيلية.

صمت جماعي

يمثلني في هذا المقام سؤال طرحه كاتب يهودي استرالي مؤخراً: “لماذا يشعر أي يهودي بأنه ملزم بأداء التكفير العاطفي عن تصرفات الحكومة الإسرائيلية؟”، وهو سؤال عادل يساعد في فهم عدم الأمانة المتأصلة في فرضيته.

عندما تؤيد كل منظمة يهودية تمثيلية كبرى في استراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا دون انتقاد أهداف حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غزة، وتدعم الضربات العسكرية الإسرائيلية غير القانونية ضد إيران، ولا تقول شيئاً عن المذابح اليومية التي يقودها المستوطنون في الضفة الغربية، يصبح من المنطقي أن نتساءل: أي نوع من اليهودية يتم دعمه وباسم من؟!

اليهودية ليست الصهيونية، وأولئك الذين يزعمون أنهم شيء واحد هم في الأساس غير صادقين، ومع ذلك، فاليهود يتحملون مسؤولية جماعية في كثير من الأحيان عندما تدعي الدولة اليهودية الوحيدة في العالم أنها تتصرف باسمنا، بل ويصبح هناك تجنب للانتقاد خوفاً من الإدراج على القائمة السوداء للمنظمات اليهودية بسبب ما يعتبر انحرافاً عن خط “إسرائيل على حق”، وهذا لا يترك مجالاً للخلاف أو النقاش القوي.

من غير المستغرب إذن، أن العديد من المواطنين في الأنظمة الديمقراطية لا يستطيعون التمييز بين إسرائيل واليهودية!

لقد كانت العديد من المنظمات الصهيونية منذ فترة طويلة يمينية، لكن القرن 21 شهد تحولاً سريعاً نحو موقف أكثر استبدادية تجاه إسرائيل والفلسطينيين والإسلام والهجرة، ولهذا السبب، صوت عدد متزايد من اليهود الأمريكيين لصالح دونالد ترامب في انتخابات عام 2024.

وفي كتابه الجديد تحت عنوان “أن تكون يهودياً بعد تدمير غزة”، يجادل الكاتب اليهودي الأمريكي بيتر بينارت بأن الخلط بين الصهيونية واليهودية لا يجعل اليهود أكثر أمناً بالتأكيد، كما أن علامة “فلسطين حرة” لا تعرض اليهود للخطر بطبيعتها.

يقول بينارت: “ولكن مع استخدام طرق فظيعة للخلط بين إسرائيل والصهيونية بحجة الدفاع عن اليهود، فتلك طريقة فعالة لتشويه سمعة الفلسطينيين لأنها تحول المعارضة الفلسطينية للصهيونية من رد فعل طبيعي على القمع إلى شكل من أشكال التعصب”.

بالنسبة للعديد من اليهود في الشتات، فقد تم تأطير إسرائيل كمنارة للحرية ومكان للجوء في حالة وقوع مذابح أو إبادة جماعية في أي مكان في العالم، ولكن ماذا لو كان ضحايا الإبادة الجماعية النازية يرتكبون الآن إبادة جماعية ضد الفلسطينيين؟!

خلط الصهيونية

يبلغ عدد السكان اليهود في العالم حوالي 16 مليون نسمة، يعيش نصفهم تقريباً في مكانين فقط، إسرائيل والولايات المتحدة، وهناك معركة حية وضرورية تدور اليوم من أجل الحفاظ على روح هذا المجتمع، فما الذي يعنيه أن تكون يهودياً في القرن 21؟

باعتباري يهودياً علمانياً ملحداً، فإنني أزعم أن هذا يعني التعامل مع الأعمال الكارثية التي تقوم بها الدولة اليهودية والتي يدعمها الكثير من الشتات، كما يتعين علينا أن نبني شيئاً أكثر إنسانية وقوة وفق رؤية تدعم مفهوم عالم متعدد الأعراق.

نحن كيهود بحاجة ماسة إلى تحدي اعتناق التيار اليهودي السائد للتفوق اليهودي في إسرائيل وتشدقه بالتعددية الثقافية في الداخل، سواء في لندن أو نيويورك أو سيدني، فهذه أيديولوجيات متناقضة بطبيعتها ومع ذلك نادراً ما يتم محاسبة اليهود عليها.

هذا هو التحدي الذي يواجهنا كيهود في القرن 21، فنحن أمام اختيار، هل نستمر في الارتباط بإسرائيل الفاشية أو نبني مجتمعات شاملة في الشتات؟

ليس اليهود في خارج إسرائيل مسؤولون جميعاً وبشكل شخصي عن تصرفات الدولة الإسرائيلية كما أن ليس كل المسلمين مسؤولون عن جرائم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، أو الكاثوليك ليسوا مسؤولين عن خطايا الكهنة الذين يمارسون الجنس مع الأطفال.

رغم ذلك، فقد سمح العديد من اليهود لأنفسهم العناصر الأكثر عسكرة وعنصرية بتمثيلهم داخل مجتمعاتهم تحت وهم مفاده أن هذا ما سيبقينا آمنين في القرن الذي يلي المحرقة.

حساب أخلاقي

في الوقت الذي تتصاعد فيه معاداة السامية الحقيقية في أجزاء كثيرة من العالم، فإن اللوبي المؤيد لإسرائيل والأصوات الصهيونية الأعلى غير جاهزين للرد.

ربما تم التعبير عن هذا الفكر المتشدد بوضوح من قبل المتحدث السابق باسم نتنياهو، إيلون ليفي، الذي نشر على موقع اكس في عام 2024 بعد أن اغتالت إسرائيل زعيماً “عدواً”: “لم يعد يهود أجدادك بعد الآن” – في إشارة واضحة إلى عقود من اليهود العزل الذين قُتلوا دون انتقام أو عقاب.

وفقاً لهذه النظرة العالمية، فإن إسرائيل هي حامية اليهود وبدون نهج “عش بالسيف  ومت بالسيف”، كنا سوف نصبح جميعاً يهوداً مرتعشين في طريقنا إلى أوشفيتز!

أكثر اليهود ضيقاً في الأفق اليوم هم من ينظرون إلى الشرق الأوسط اليوم ويستنتجون أن إسرائيل أصبحت أكثر أمناً لليهود مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر عام 2023، فالأمر ليس كذلك، فكونك يهودياً في إسرائيل يظل أمراً غير آمن أكثر من أي جزء آخر من العالم.

اليوم، يمر المجتمع اليهودي بحساب أخلاقي طال انتظاره فيما يتعلق بهويته ودوره ومسؤوليته، فكما كتب مؤخراً المؤسس اليهودي للموقع الإخباري الأمريكي “موندويس”، فيل فايس: “إن هذا وقت حرج بالنسبة لليهود الأمريكيين، ففي أغلب الأحيان، يتم تعريف مجتمعنا على أنه معتدٍ وحشي”.

هذا هو التحدي الذي يواجهنا كيهود في القرن 21، فنحن أمام اختيار، هل نستمر في الارتباط بإسرائيل الفاشية أو نبني مجتمعات شاملة في الشتات؟ بالنسبة لي، القرار واضح.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة