مع بدء الحظر على النفط الروسي في وقت سابق من هذا الشهر، وبالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة في جميع أنحاء أوروبا، تحولت القارة إلى مصادر طاقة تقليدية عفا عليها الزمن لمنع حدوث نقص كبير في الطاقة هذا الشتاء، وبهذا يعود الفحم كمصدر للطاقة على الرغم من التعهدات بالتخلي عنه تمامًا، بحسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
وتقوم كل من فرنسا وألمانيا والنمسا وهولندا واليونان بإعادة تنشيط محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، بينما تعمل بولندا على إعادة إحياء مناجمها البائدة حتى أنها افتتحت مناجم جديدة، كما أن العائلات غير القادرة على تحمل تكاليف خيارات التدفئة الأكثر تكلفة لجلأت لإشعال أفران الفحم الخاصة بها.
ولكن مع منع استيراد الفحم الروسي، لم يتبق ما يكفي من الوقود الأحفوري في القارة لتلبية هذا الطلب المتزايد، مما يعني أن أوروبا تتطلع إلى ما وراء حدودها لشراء الفحم بكميات كبيرة، محدثة بذلك تغييرا في القطاع الصناعي الذي يمر بمرحلة انتقالية.
حطمت مبيعات كبار منتجي الفحم كإندونيسيا وجنوب إفريقيا وأستراليا الأرقام القياسية هذا العام، كما فعلت مبيعات تركيا التي تحتل المرتبة الحادية عشر بين أكثر الدول المنتجة للفحم، إذ ازدادت صادراتها من الفحم نحو 7 مرات في شهر مايو/أيار الماضي، بعد ما أعلن الاتحاد الأوروبي حظره على استيراد الفحم الروسي، وارتفعت نحو 12 مرة في أغسطس/آب، بعد أن قطعت روسيا صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر خط “نورد ستريم 1”.
أحدثت هذه الزيادة في مبيعات الفحم، وتأثيراتها غير المباشرة اضطراباً في قطاع أوشك على التلاشي في تركيا، ما أدى إلى حدوث أزمة بين العرض والطلب.
وفي ذات السياق، قال إرهان ألتاي، من قسم المبيعات في شركة الفحم التركية المملوكة للدولة، إن إنتاج الشركة من الفحم الحجري كان يتقلص خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد “استنفدنا جميع مخزوناتنا”.
كما أن العقود الماضية شهدت تراجعا في إنتاج الفحم الصلب، حيث ترك جزء كبير من المخزون للوقت الذي لربما يصبح فيه الفحم سلعة أكثر ندرة وأكبر قيمة – كهذا الشتاء.
وتواجه تركيا مشكلة في تلبية الطلب المتزايد، خاصة مع عدم توفر أي احتياطيات تلجأ إليها، وعلى الرغم من انخفاض الإنتاج، أصبح الفحم منذ عام 2018 مصدر الطاقة الرئيس في البلاد، وهو المصدر الذي يُعتمد عليه في توليد أكثر من ثلث إجمالي احتياجات البلاد من الكهرباء، بعد أن كانت نسبة الاعتماد عليه نحو 23% قبل عقد من الزمن.
سد الفجوة
وتحكمت تركيا في هذه الزيادة بالاستعاضة عن الفحم المحلي باستيراد الفحم النظيف، الذي يحترق عند درجات حرارة أعلى، وتُستخرج منه كميات أكبر من الطاقة، لكن الطلب الأوروبي المتزايد تسبب في مضاعفة أسعار الفحم، وأخرج البلدان ذات الدخل المنخفض من المنافسة في سوق الشراء.
كما أن تركيا تكبدت انخفاضاً سريعاً في قيمة العملة المحلية هذا العام، مما جعل الفحم المستورد خياراً غير وارد ضمن خيارات الطاقة الرخيصة، والفحم المتوافر محلياً أصبح أكثر تكلفة.
بدوره، قال محمود كايهان، مساعد سكرتير غرفة التجارة والصناعة بولاية زنغولداك التي تضم جميع احتياطيات الفحم الصلب في تركيا، إن الطلب على الفحم ارتفع في بعض مدن البلاد بنسبة تصل إلى 200%، “وفي ظل ارتفاع الطلب، قد نزيد الإنتاج بتسريع عمليات الصيانة، وزيادة نوبات العمل من واحدة إلى 3 نوبات”.
ولما كانت مشروعات الفحم التركية تخدم القطاع العام فقط، فقد شرعت الدولة في الاعتماد على شركات التعدين الخاصة لسد العجز.
ومع ذلك، يرى كايهان أن الطفرة التي حدثت هذا العام في الطلب على الفحم قد تجعل الاستثمار فيه أكثر جاذبية، فعلى الرغم من تزايد تكلفة الإنتاج بسبب التضخم، فإن العائدات تزداد بوتيرة أسرع، لأن طن الفحم الذي كان يبلغ ثمنه 2000 ليرة تركية (107 دولارات) العام الماضي، أصبح يباع الآن بسعر 4 آلاف إلى 7 آلاف ليرة، بحسب الجودة.
وأشار كايهان إلى أن تعدين الفحم الصلب يتطلب معدات ثقيلة وعدداً كبيراً من العاملين، ما ضاعف تكاليف الإنتاج هذا العام، ومع ذلك فإن الشركات لا تزال تكسب أرباحاً أكبر من أرباح العام الماضي، وكان تعدين فحم اللجنيت (البني) الأقل كلفة “مربحاً للغاية”.
في ظل ارتفاع الأرباح من الوقود الأحفوري وعدم التزام أنقرة بالتخلي عن الفحم ضمن مصادر الطاقة، فقد يكون العمل بحسابات الاستثمار قصيرة الأجل هو أقرب الحلول، ومع ذلك، فإن استمرار الاعتماد على الفحم المحلي الأقل نظافة قد يرفع من تكلفة الأضرار البيئية والصحية.