بحث الكاتب والصحفي البريطاني، “بيل لو” آفاق تحولات عميقة في العلاقات الخليجية الغربية والتي مبنية على الرفض السعودي المتكرر لمطالب اقوى الزعماء الغربيين بزيادة انتاج النفط، في ظل تعمق علاقات العواصم الخليجية مع بكين.
و قدم “لو” في مقاله الذي نشره على موقع “ميدل ايست آي” البريطاني ، مطالعة متعددة الجوانب حول تغير مرتكزات العلاقات الأوروبية الخليجية في العهد الجيل الجديد من زعماء الخليج الشباب.
و شهد العام 2022 تحولا جذريا في العلاقة بين دول الخليج العربي والعالم الغربي، ففيه انتهز جيل جديد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي الفرص التي قدمتها حرب بوتين وأجبرت الدول الغربية على رؤية الخليج بعيون جديدة.
و كانت الإشارات على هذا التحول موجودة بالفعل منذ عدة سنوات حين كانت دول الخليج تعيد التفكير بشأن علاقاتها مع الغرب، لكن عام 2022 أصبح عام التحول التكتوني في هذه العلاقة.
على الطرف الآخر، أظهر رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون اهتماما قليلا بالخليج وصبوا تركيزهم على بيع الأسلحة واستقرار العرض وانخفاض سعر النفط في السوق العالمية.
فقد تجاهل باراك أوباما مجلس التعاون الخليجي في سعيه لاتفاق نووي مع إيران، واعتبر دونالد ترامب المملكة العربية السعودية بمثابة بقرة حلوب لجني مبيعات الأسلحة والمصالح الشخصية لعائلته.
وفي حاجة للوقوف في وجه بوتين لتجنب حرب قد تجتاحهم، لجأ الأوروبيون إلى فرض عقوبات في سعيهم لفطم أنفسهم عن إمدادات الطاقة الروسية.
أما بالنسبة لكبار قادة الخليج، فبالرغم من شعورهم بالحصول على الرعاية، إلا أن أصواتهم لم تُسمع، ومخاوفهم وضعت جانبا، ففي الواقع لم يقدم محمد بن سلمان لنفسه أي خدمة في توجيه الأمر بقتل جمال خاشقجي، الأمر الذي بدى وحشيا حتى بالمعايير السعودية، مما زاد من توتر العلاقات.
ومع ذلك، سرعان ما تم طوي تلك الصفحة والإعلان عن بدء العهد الجديد، الذي استغرق حدثا واحدا فقط حين أرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جيشه إلى أوكرانيا في 24 فبراير.
واجهت أوروبا التي حاصرت نفسها في الاعتماد على النفط والغاز الروسي أخطر صراع لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ففي ظل الحاجة للوقوف في وجه بوتين لتجنب حرب محتملة، اضطر الأوروبيون إلى فرض عقوبات في سعيهم لفطم أنفسهم عن إمدادات الطاقة الروسية.
وترتب على ذلك ارتفاع في أسعار النفط والغاز، مما منح منتجي البترول في الخليج السلاح الذي حرموا امتلاكه منذ سبعينيات القرن الماضي.
قصر النظر الأمريكي المتكبر
وقفت دول الخليج محايدة تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، ورفضت الموافقة على العقوبات، وانضمت إلى اقتراحات الأمم المتحدة التي تدين الغزو.
لكن ومع تقدم الحرب، أصبح من الواضح أن الخليجيين كانوا يرون ميزة كبيرة في الحياد الموجه بشكل متزايد تجاه الروس، مثل ما حققته سويسرا مع النازيين.
فبين مارس/ آذار ويوليو / تموز سافر كل من رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بوريس جونسون والرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إلى الرياض واجتمعوا مع محمد بن سلمان للمرة الأولى بعد مقتل خاشقجي مطالبين بزيادة إنتاج النفط، لكن طلباتهم الثلاثة قوبلت بالرفض.
وحمل شهر أكتوبر / تشرين الأول أنباء مفادها أن أوبك + ستخفض الإنتاج أكثر بضغط من السعوديين لترش مزيدا من الملح في الجرح.
أمّن ولي العهد دعما كبيرا لحملة تحسين صورته، لكن الغرب لم يتلق شيئًا في المقابل.
وفي أكتوبر / تشرين الأول، شارك عضو الكونغرس الديمقراطي توم مالينوفسكي في رعاية مشروع قانون يهدف إلى سحب القوات وأنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية والإمارات قبل منتصف المدة، لقد كان هذا القانون تعبرا عن حالة بايدن وحزبه الديمقراطي التي يرثى لها بعد الرفض السعودي لمطالبهم.
وقال مالينوفسكي ورعاة مشروع القانون في رسالة مصاحبة له: “لقد حان الوقت للولايات المتحدة لاستئناف التصرف مثل القوة العظمى في علاقتنا مع الدول العميلة لنا في الخليج، لقد اتخذوا خيارًا وعليهم التعايش مع العواقب، قواتنا ومعداتنا العسكرية مطلوبة في أماكن أخرى “.
كان التهديد بسحب القوات وأنظمة الدفاع الصاروخي في وقت يزداد فيه قلق الخليج أكثر من أي وقت مضى بشأن التهديد الإيراني غير سليم من الناحية الاستراتيجية، خاصة وأن هذا القلق يشاركه أفضل صديق إقليمي لأمريكا وهو إسرائيل.
لقد أظهر وصف دول الخليج بأنها “دول عميلة” الغطرسة وقصر النظر الأمريكي الذي لعب لصالح الجيل الجديد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذين وصلوا الحكم على مدى العقد الماضي.
صفقات شي جين بينغ
أصبح محمد بن زايد، الذي كان الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، مع وفاة شقيقه في أيار /مايو، الزعيم الشرعي لدولة أشادت بها أمريكا ذات يوم باسم “سبارتا الصغيرة”.
لا هو ولا قادة دول مجلس التعاون الخليجي الخمسة الآخرون يرون أنفسهم عملاء لأمريكا، بل إنهم ومع تضاؤل قوتها إقليمياً وعالمياً أخذوا ينخرطون مع شركاء آخرين، مع قبول أن واشنطن ستحتفظ في المستقبل المنظور بدورها كضامن للأمن.
المملكة العربية السعودية: يمكن لمحمد بن سلمان أن يقترب من الصين لكنه لا يزال بحاجة إلى حماية أمريكية.
مع تراجع أسهم بوتين كلاعب جيوسياسي ماهر بشدة بسبب حملته غير الكفؤة في أوكرانيا، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يرى بوضوح أكثر بكثير من واشنطن الاتجاه الذي تهب فيه الرياح مشغولاً بعقد الصفقات.
في نوفمبر / تشرين الأول، وقعت شركة سينوبك الصينية صفقة غاز مسال مدتها 27 عامًا مع شركة قطر للطاقة التي قال رئيسها سعد الكعبي: “هذا يأخذ علاقتنا إلى آفاق جديدة”.
في أوائل ديسمبر / كانون الأول، وصف وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي العلاقة بين بلاده والصين بأنها “نموذج عالمي.
في 8 من ذات الشهر، استقبل محمد بن سلمان الرئيس شي في الرياض ووقع معه سلسلة من الصفقات الاستراتيجية، بما في ذلك صفقة مع شركة Huawei، على الرغم من المخاوف الأمريكية بشأن الشركة والمخاطر الأمنية التي تشكلها للولايات المتحدة.
وأثبتت كأس العالم أنها منصة مفيدة ليس فقط لأنها وضعت قطر بقوة على الساحة العالمية، ولكن أيضًا لأنه – مع الهزيمة السعودية الصادمة للأرجنتين ورحلة المغرب العنيدة إلى الدور نصف النهائي – أصبحت مجازًا لصعود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
التقى محمد بن سلمان مع تميم في الدوحة للتأكيد على أن الخلاف الخليجي أصبح من الماضي، وفاجأ محمد بن زايد المحرض الرئيسي على الخلاف المراقبين بحضوره أيضًا، ومع بدء التحول التكتوني في عام 2023 سيستمر القادة الصاعدون الثلاثة في تعزيز المكاسب الوفيرة التي حققتها الحرب في أوكرانيا.
مع وجود بايدن في البيت الأبيض، ستظل العلاقات الأمريكية مع السعوديين متوترة وبنسبة أقل من ذلك ستكون مع الإماراتيين الذين حققوا نجاحًا كبيرًا في تجنب الكثير من العار الموجه إلى المملكة العربية السعودية بشأن الحرب في اليمن، على الرغم من أن كليهما منخرط بعمق ويتهم بارتكاب العديد من جرائم الحرب.
موازنة صعبة
يدرك قادة الخليج الثلاثة أهمية منع تعمق الخلاف مع واشنطن، لأنهم سيظلون بحاجة إلى الغطاء الأمني الذي ما زالت أكبر قوة عسكرية عظمى في العالم توفره، ومع ذلك فإن عملية الموازنة ستكون صعبة وتستحق المشاهدة.
وسوف ينمو نفوذ الصين لأنها تستخدم قوتها الاقتصادية لتقترب أكثر من الخليج الذي يشترك معها في أيديولوجية استبدادية، وسيواصل السعوديون والإماراتيون قمعهم المستمر لحقوق الإنسان، والذي سيتجاهله القادة الغربيون مرة أخرى حتى مع تزايد قلقهم بشأن الوجود الصيني في الخليج.
باختصار، سيُذكر عام 2022 باعتباره عام التحول، العام الذي انتهزت فيه السلالة الجديدة من قادة دول مجلس التعاون الخليجي الفرصة التي منحتها لهم حرب بوتين وأجبرت الغرب على رؤية الخليج بعيون مختلفة.