بقلم ضياء الرحمن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
كان هناك 4 أيام من الغارات أو “المعارك الجوية” وغارات بطائرات بدون طيار ووابل من الصواريخ، ثم أخيراً وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية!
لقد شهدت الهند وباكستان تصعيداً درامياً مصحوباً بسلسلة سريعة من الاشتباكات العسكرية وتزايد المخاوف حول مستقبل الاستقرار الإقليمي وتزايد احتمالات نشوب صراع أوسع نطاقاً بين الخصمين المسلحين نووياً.
كان السبب المباشر وراء كل ذلك هو الهجوم المسلح المميت على مجموعة سياح من الهندوس في الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير في 23 إبريل الماضي، حيث ألقت نيودلهي باللوم فيه على باكستان دون تقديم أي دليل.
بدأت الهند عملية “سيندور”، زاعمة أنها ضربت “البنية التحتية الإرهابية” للجماعات المسلحة المحظورة في عمق الأراضي الباكستانية، فردت عليها باكستان بـ “عملية البنيان المرصوص”، مؤكدة أنها ضربت أهدافا متعددة داخل الهند.
“وقف إطلاق النار هذا مرحب به، ولكن إلى متى سيستمر؟ فكل 4-5 سنوات، تندلع التوترات بين الهند وباكستان وينتهي الأمر بالشعب الكشميري الذي يعيش على طول خط السيطرة إلى تحمل وطأة الصراع بين الجيشين”
جامشيد مير – ناشط سياسي كشميري
وشهد الصراع نشر أسلحة متقدمة وتوغلات الطائرات بدون طيار وإطلاق الصواريخ، وبذلك قدم كلا البلدين لمحة مروعة عما قد تبدو عليه الحرب الحديثة في جنوب آسيا في القرن 21، فرغم وقف إطلاق النار، إلا أن هناك سحابة مشؤومة خطيرة لا تزال تخيم على البلدين!
الدبلوماسية الدولية
مع وصول التوترات العسكرية بين باكستان والهند إلى ذروة خطيرة، لاحظ المحللون أن النافذة الضيقة لخفض التصعيد ظلت مفتوحة حتى وسط ضربات الطائرات بدون طيار والصواريخ، وعلى إثرها أعلن الجانبان عن انتصارات حزبية، مما أدى إلى تأجيج الخطابات القومية في الداخل.
في حديثه لميدل إيست آي، أوضح باحث العلاقات الدولية في جامعة القائد الأعظم في إسلام آباد، فرحان حنيف صديقي، بأن “خطاب النخبة والرأي العام في باكستان لا يزال احتفالياً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إسقاط الطائرة الهندية رغم الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار وتأكيد الهند أنها نجحت بنسبة 100% في تحييد التوغلات الباكستانية المزعومة”.
وسط التصاعد الخطير بين الهند وباكستان، لعبت الدبلوماسية الدولية دوراً حاسماً في منع نشوب صراع أوسع نطاقاً، فقد حثت القوى الإقليمية بما فيها السعودية والإمارات والصين وإيران، على ضبط النفس الفوري.
الضربات الجوية الهندية على المدن الباكستانية كانت بمثابة خروج عن قواعد الاشتباك الراسخة، مما يشير إلى الدخول ربما في حقبة جديدة من عدم الاستقرار الاستراتيجي تصبح فيه حتى الحدود الدولية، التي كانت مقدسة ذات يوم، عرضة لعمل عسكري مباشر!
أما الولايات المتحدة، فقد تبنت في البداية نهج عدم التدخل، حين صرح نائب الرئيس جي دي فانس بأن الصراع “ليس من شأننا في الأساس”، إلى أن تحول الموقف الأمريكي بشكل كبير في أعقاب سلسلة من التطورات المثيرة للقلق، من بينها مناوشات جوية عالية الكثافة وزيادة في عدد الطائرات الباكستانية بدون طيار التي تختبر الدفاعات الجوية الهندية والانفجارات في قاعدة نور خان الجوية الباكستانية قرب إسلام أباد.
لقد أدت هذه الأحداث إلى تدخل عاجل من قبل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونائب الرئيس فانس، حيث نقلت سي إن إن عن مسؤولين في إدارة ترامب، بأن وزارة الخارجية الأمريكية تلقت تقييمات استخباراتية خطيرة تشير إلى أن الصراع قد يتصاعد بشكل خطير، وفي مواجهة هذا الواقع، شعرت واشنطن بأنها مضطرة إلى القيام بدور أكثر حزماً وفعالية في التوسط لوقف إطلاق النار.
هل هو وقف إطلاق نار دائم؟
رغم أن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان موضع ترحيب، إلا أن المحللين يرون أنه هش وذلك بسبب انعدام الثقة العميق الجذور والعداوات التاريخية، وهو ما قد يتضح من خطاب الهند بعد الاتفاق، والذي صاغ الهدنة باعتبارها “تفاهم” غير رسمي وليس اتفاقاً ملزماً.
يبدو أن رسائل نيودلهي تهدف إلى التقليل من أهمية أي تصور للوساطة الدولية أو الالتزامات الرسمية، والتي تهدف على الأرجح إلى التخفيف من ردود الفعل السياسية المحلية والحفاظ على الاستقلال الاستراتيجي.
تم التأكيد على هذا المعنى أيضاً ببيان أصدره رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، أكد فيه أن الهند “ستراقب سلوك باكستان”.
في قلب الصراع بين البلدين يكمن نزاع كشمير الذي لم يتم حله ويعد السبب الرئيسي وراء التوتر الدائم بين البلدين، حيث تطالب كل من الهند وباكستان بالمنطقة بأكملها، وقد أدت عقود من الصراع إلى تآكل ثقة الجمهور والتفاؤل الدبلوماسي بتسوية دائمة.
في غضون ساعات من سريان وقف إطلاق النار الأخير، اتهم الجانبان بعضهما البعض بارتكاب انتهاكات، شملت قصفاً عبر الحدود على طول خط السيطرة وهو خط حدودي مدجج بالسلاح يبلغ طوله 740 كيلومتراً ويمر عبر منطقة كشمير المتنازع عليها.
في حديثه لموقع ميدل إيست آي، تساءل الناشط السياسي الكشميري المقيم في راجوري في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، جامشيد مير بالقول: “وقف إطلاق النار هذا مرحب به، ولكن إلى متى سيستمر؟ فكل 4-5 سنوات، تندلع التوترات بين الهند وباكستان وينتهي الأمر بالشعب الكشميري الذي يعيش على طول خط السيطرة إلى تحمل وطأة الصراع بين الجيشين”.
أما عن عدد الضحايا والخسائر الاقتصادية، فتشير مصادر محلية إلى حدوث خلل كبير في حياة المدنيين والبنية التحتية وسبل العيش على جانبي خط السيطرة، حيث أوضح محلل شؤون جنوب آسيا، مايكل كوجلمان، في مقابلة مع ميدل إيست آي، بأن التصريحات الأمريكية خلال مفاوضات وقف إطلاق النار تبدو في صالح باكستان.
قال كوجلمان: “أولاً، يقول روبيو إن الهند وباكستان اتفقتا على إجراء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا، والتي لن يكون للهند اهتمام كبير بها،ثم يقول ترامب إنه يريد النظر في حل لكشمير، وهو ما سترفضه الهند بالتأكيد ما لم يشير ذلك إلى كشمير التي تديرها باكستان فقط وهو أمر غير مرجح”.
وأضاف كوجلمان: “هذان تنازلان مهمان لباكستان”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ربما طمأنت الهند بأنها لن تطالبها بالتراجع عن الإجراءات العقابية مثل تعليق معاهدة مياه السند مع مواصلة الضغط على باكستان بشأن مكافحة الإرهاب.
من ناحية أخرى، فقد أشار أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة ألباني، كريستوفر كلاري، خلال حديث له مع ميدل إيست آي إلى أن التدقيق الدولي في الجماعات المسلحة الباكستانية مثل عسكر طيبة وجيش محمد، هي أهداف الضربات الجوية الهندية ومن المرجح أن يستمر ذلك التدقيق، فقال: “إن العالم مليء بالمشاكل المزعجة والأزمات الخطيرة، حيث يقوم الدبلوماسيون بإطفاء الحرائق أكثر من الطب الوقائي”.
توترات مستمرة ومتطورة بين الهند وباكستان
يسلط التصعيد الأخير بين الهند وباكستان الضوء على تحول جذري في طبيعة الحرب في جنوب آسيا، من حيث الانتقال من الاشتباكات العسكرية التقليدية إلى تكتيكات متعددة المجالات أكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية.
“المستقبل لا يحتمل حرباً أخرى، فقد تم وقف الحرب ليس لأننا لا نملك القدرة، ولكن لأن المجتمع الدولي لا يستطيع تحمل تكاليفها” مسؤول عسكري باكستاني لميدل إيست آي
يرى المحللون أن الضربات الجوية الهندية على المدن الباكستانية كانت بمثابة خروج عن قواعد الاشتباك الراسخة، مما يشير إلى الدخول ربما في حقبة جديدة من عدم الاستقرار الاستراتيجي تصبح فيه حتى الحدود الدولية، التي كانت مقدسة ذات يوم، عرضة لعمل عسكري مباشر!
وعلى عكس الاشتباكات السابقة، التي اقتصرت عادةً على إطلاق النار من الأسلحة الصغيرة وتبادل المدفعية على طول خط السيطرة، فقد شهدت المواجهة هذه المرة ضربات صاروخية واستخداماً واسعاً للطائرات بدون طيار المسلحة، كما استهدفت الهند مواقع في إقليم البنجاب الباكستاني المكتظ بالسكان وفي الجزء الخاضع لإدارة باكستان من كشمير، في حين ردت باكستان بضربات على مدن هندية مثل أمريتسار وجامو وجايسالمر.
إن تصاعد الهجمات من منطقة كشمير المتنازع عليها إلى المناطق الحضرية في البر الرئيسي يشكل سابقة خطيرة، ويشير توسيع المناطق المستهدفة إلى تحول في الحسابات الاستراتيجية، مما يزيد من المخاطر المحتملة لمواجهات أوسع في المستقبل!
التكنولوجيا تعيد تشكيل الديناميكيات
على مدى 4 أيام من التبادلات عالية الكثافة، نشرت الهند وباكستان تقنيات عسكرية متقدمة غيرت بشكل كبير طبيعة الحرب الإقليمية، فقامت الهند بإرسال طائرات رافال الفرنسية، في حين ردت باكستان بطائرات J-10C وصواريخ PL-15E المقدمة من الصين، كما نشر الجانبان مئات الطائرات بدون طيار، والتي تم إنتاج العديد منها محلياً أو تم الحصول عليها من الحلفاء، للاستطلاع والضربات الدقيقة وتجنب سقوط ضحايا من الطيارين.
وقد أوضح مسؤول عسكري كبير لموقع ميدل إيست آي بأن “الأمر كان أشبه بمعركة جوية ملحمية في القرن الحادي والعشرين”، فقد كانت العمليات مصحوبة بغارات جوية متواصلة ونيران مضادة للطائرات، مما خلق بيئة شديدة الخطورة في ساعات قليلة.
وعلى الأرض، توغلت الضربات في عمق أراضي كلا الدولتين مستهدفة القواعد الجوية والبنية التحتية الدفاعية الحيوية، مما أدى إلى إطلاق إنذارات واسعة، حيث يحذر المحللون من أن استخدام الأنظمة المستقلة والذخائر الدقيقة يزيد من خطر سوء التقدير ويسرع التصعيد ويعقد ضبط النفس الدبلوماسي.
وفي حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار عباد أحمد، وهو محلل إعلامي مقيم في الدنمارك، إلى أن التغطية العالمية ركزت بشكل أقل على أسباب الصراع أو الجماعات المسلحة الباكستانية التي تم إلقاء اللوم عليها في الهجوم الذي وقع في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، فيما ركز أكثر على منشأ الأسلحة مثل الأسلحة الصينية والإسرائيلية والفرنسية، فقال: “لقد أثار ذلك مخاوف أوسع نطاقاً حول انتشار الأسلحة”.
ماذا يخبئ المستقبل؟
لقد كان قائدا العمليات العسكرية في كل من الهند وباكستان يستعدان لإجراء اتصالات مباشرة، بعد يومين من إعلان وقف إطلاق النار، ولكن دون وجود مؤشرات فورية على استعداد أي من الجانبين لإصلاح علاقاتهما الدبلوماسية المتوترة، وهي التوترات التي كانت تتفاقم قبل الجولة الأخيرة من التصعيد العسكري.
ويظل المشهد السياسي في كل من البلدين دون تغيير، فكل منهما مدفوع بإيديولوجيات قومية راسخة لا تترك مجالاً يذكر للتسوية.
في الهند، يعمل المد المتصاعد للقومية الهندوسية بشكل مضطرد على إعادة تشكيل الأسس العلمانية للبلاد وتعزيز موقف أكثر تشدداً في التعامل مع باكستان وتضييق الحيز المتاح للمشاركة الدبلوماسية.
أما في باكستان، فتظل المؤسسة العسكرية القوية هي القوة المهيمنة في عملية صنع السياسات الوطنية، حيث تعمل وسط عدم استقرار سياسي مستمر وتحديات أمنية متصاعدة على حدودها الغربية تشمل النشاط المسلح المتزايد من قِبَل حركة طالبان الباكستانية والانفصاليين البلوش.
رغم وقف الأعمال العدائية بعد وقف إطلاق النار الأخير، إلا أنه لم يعالج الأسباب الجذرية للصراع، فلا يزال تعليق معاهدة مياه السند ساري المفعول، وفي غياب المشاركة الدبلوماسية المستدامة وبناء الثقة المتبادلة وآليات حل الصراعات ذات المصداقية، فإن خطر تجدد العنف يظل مرتفعاً، فبحسب مسؤول عسكري باكستاني لموقع ميدل إيست آي، فإن “المستقبل لا يحتمل حرباً أخرى، فقد تم وقف الحرب ليس لأننا لا نملك القدرة، ولكن لأن المجتمع الدولي لا يستطيع تحمل تكاليفها”.