بقلم عمران ملا
ترجمة وتحرير مريم الحمد
أعلنت حكومة حزب العمال البريطانية أنها سوف تعلق تصدير 30 سلاحاً إلى إسرائيل بسبب مخاوف من إمكانية استخدامها من قبل الجيش الإسرائيلي في انتهاك القانون الإنساني الدولي في غزة.
يذكر أنه منذ 7 أكتوبر، وافقت الحكومة البريطانية على أكثر من 100 رخصة تصدير لبيع الأسلحة والمعدات العسكرية وغيرها من المواد الخاضعة للرقابة إلى إسرائيل.
أما القرار الأخير، الذي أعلنه وزير الخارجية ديفيد لامي في البرلمان مؤخراً، فيمثل تغييراً كبيراً في السياسة الخارجية البريطانية تجاه الحرب على غزة، إلا أنها ليست المرة الأولى على أية حال، فبهذا القرار، أصبح كير ستارمر سادس رئيس وزراء بريطاني يقيد مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
لقد ساهمت هذه السياسة الجديدة في تقريب المملكة المتحدة من موقفها التاريخي تجاه إسرائيل، كما أنها سلطت الضوء على مدى غرابة الموقف الذي اتخذته حكومة ريشي سوناك المحافظة في السياق التاريخي البريطاني، حين وعدت بتقديم دعم غير مشروط لإسرائيل ورفضت تقييد مبيعات الأسلحة، حتى بعد مرور عدة أشهر على الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على غزة والذي أدى إلى مقتل أكثر من 40 ألف فلسطيني.
تجدر الإشارة إلى أن هناك 3 رؤساء وزراء محافظين سابقين قاموا بتقييد صادرات الأسلحة إلى إسرائيل ضمن القائمة، فمن هم رؤساء الوزراء الستة الذين فعلوا ذلك؟
-
إدوارد هيث:
كان إدوارد هيث رئيساً للوزراء عن حزب المحافظين من عام 1970 إلى عام 1974، وأثناء وجوده في منصبه، اندلعت الحرب في 6 أكتوبر عام 1973، عندما شنت مصر وسوريا هجوماً على جبهتين ضد إسرائيل بهدف استعادة الأراضي التي استولت عليها إسرائيل منهم عام 1967.
في تلك الحرب، أُخذت إسرائيل على حين غرة، حتى فرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظراً على الولايات المتحدة والدول الأخرى الداعمة لإسرائيل، وقتل أكثر من 2600 جندي إسرائيلي بحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب في أواخر أكتوبر.
اتخذ هيث وقتها نهجاً وصفه بأنه “محايد”، حيث أوقف إمدادات الأسلحة لكل من إسرائيل والدول العربية، وفي نفس الوقت كان حريصاً على عدم إثارة غضب الدول النفطية العربية، ولذلك رفض السماح للطائرات الأمريكية التي كانت تزود إسرائيل بالأسلحة باستخدام القواعد العسكرية البريطانية.
بعد أسبوع من الحرب، صرح وزير الخارجية آنذاك، أليك دوغلاس هوم، أمام مؤتمر حزب المحافظين بأنه كان يعلم أنه “أن العرب لن يمكثوا طويلاً حتى يحاولوا استعادة أراضيهم”.
لاحقاً، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أبا إيبان، سياسة بريطانيا، التي أثارت غضب الأمريكيين، بأنها كانت “ضربة قاسية للغاية” لإسرائيل، ولم يكن ذلك بسبب كمية الأسلحة التي حرمت إسرائيل منها، بل لأن “النموذج البريطاني أثر على الدول الأوروبية الأخرى” وشجعها على اتباع نهج مماثل، مما ساعد على عزل إسرائيل.
-
مارغريت تاتشر:
كانت مارغريت تاتشر، التي تولت السلطة في الفترة من عام 1979 إلى عام 1990، عضواً في حكومة إدوارد هيث خلال حرب عام 1973 وكانت معارضة لفرض الحظر على إسرائيل.
بعد توليها منصبها، أصبحت تُعرف بأنها أكثر رئيسة وزراء بريطانية مؤيدة لإسرائيل على الإطلاق، وكانت أول من زار إسرائيل أثناء وجودها في منصبها، إلا أن ذلك لم يمنعها من أخذ قرار بتقييد الأسلحة.
عام 1980، وقعت تاتشر على إعلان البندقية، وانضمت بموجب ذلك إلى 8 دول أوروبية أخرى في الموقف الرافض للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الأمر الذي ساهم في إضفاء الطابع الرسمي على قلق بريطانيا حول الاستيطان الإسرائيلي.
في خطاب لها في يونيو عام 1981، منددة بالقصف الإسرائيلي على مفاعل أوزيراك النووي العراقي: “لا يمكنك أن تكون انتقائياً في دفاعك عن القانون، فلا يمكنك أن تقول، أنا أحب هذا القانون وسوف أتمسك به ولن أؤيد آخر”.
في العام التالي، غزت إسرائيل لبنان وقتل 20 ألف شخص في حرب دعمها في البداية الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، لكن تاتشر رفضت الموافقة على سياسة الولايات المتحدة، وقالت لريغان أن “السياسة المتوازنة أفضل”، كما حذرت من أن “الدعم غير المحدود لإسرائيل لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تزايد الاستقطاب واليأس في العالم العربي”.
وفي العلن، عارض وزير الخارجية آنذاك، فرانسيس بيم، الغزو الإسرائيلي، كما أدانت تاتشر المذابح التي ارتكبها رجال الميليشيات المسيحية اللبنانية بتواطؤ الجيش الإسرائيلي ووصفتها بأنها “همجية خالصة”.
الأهم من كل ذلك هو أن بريطانيا فرضت حظراً على الأسلحة إلى إسرائيل استمر حتى عام 1994، كما سحبت دعوة كانت موجهة لإسرائيل لحضور معرض معدات الجيش البريطاني، فكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، مناحيم بيغن، إلى تاتشر يطلب منها إعادة النظر، لم تستجب له.
-
توني بلير:
تولى توني بلير منصب رئيس الوزراء البريطاني عن حزب العمال من عام 1997 حتى عام 2007، حيث قاد حكومة مؤيدة لإسرائيل إلى حد كبير، فقد كان أكثر تحفظاً في انتقاد إسرائيل مما كان عليه الزعماء السابقون، وفي عهده انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في دعمها القوي لإسرائيل.
رغم ذلك، وتحديداً في إبريل عام 2002، وأثناء الانتفاضة الثانية، تم الكشف عن أن بريطانيا كانت قد فرضت سراً حظراً على الأسلحة على إسرائيل، حيث شمل الحظر المعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كانت حكومة بلير، وذلك خلافاً للإدارات السابقة، تتبع الدول الأوروبية الأخرى ولا تقودها، خاصة ألمانيا وفرنسا، في موضوع فرض القيود على إسرائيل، فقد صرحت حكومة المملكة المتحدة آنذاك بأنها فرضت الحظر على إسرائيل، لأن الأخيرة نكثت بوعدها الذي قطعته في عام 2000 بعدم استخدام المعدات البريطانية ضد السلطة الفلسطينية.
علاوة على ذلك، فقد اتهمت حكومة بلير القوات الإسرائيلية بالتصرف مثل “الجيش الروسي” كما نقلت صحيفة الغارديان، كما وصف أحد الضباط البريطانيين، الذي كان مراقباً للعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية، الجيش بأنه “قوة من الدرجة الثانية وغير منضبط ومتنمر”.
-
جوردان براون:
لقد فرض جوردون براون، خليفة بلير، أيضاً قيوداً على مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وذلك بعدما شنت هجوماً على غزة أطلق عليه اسم عملية الرصاص المصبوب عام 2009، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1400 فلسطيني.
قامت حكومة براون أيضاً بإلغاء تراخيص تصدير الأسلحة على زوارق الصواريخ التابعة للبحرية الإسرائيلية لأنها كانت تستخدم أثناء الهجوم، إلا أن هذه الخطوة ظلت سرية كما كان حال بلير، حتى كشف مسؤولون إسرائيليون عن حدوث ذلك.
أصبحت مثل هذه العقوبات متوقعة من بريطانيا لدرجة أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا متفائلين بشأن القيود، حيث قال وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أفيغدور ليبرمان، أن سياسة حكومة براون كانت مجرد واحدة من “العديد من عمليات الحظر”.
-
ديفيد كاميرون:
ديفيد كاميرون، الذي كان حتى الانتخابات الأخيرة وزيراً للخارجية في حكومة ريشي سوناك، كان رئيساً للوزراء عن حزب المحافظين من عام 2010 إلى عام 2016.
بصفته زعيماً للمعارضة، سمح كاميرون لوزير خارجية الظل، ويليام هيج، بانتقاد الحرب الإسرائيلية على لبنان بشدة عام 2006، حيث خاطب هيج النواب في مجلس العموم وقتها قائلاً: “أعتقد أنه يمكننا القول بأن الرد الإسرائيلي غير متناسب”، وذلك في إشارة إلى “الهجمات على وحدات الجيش اللبناني، والخسائر في أرواح المدنيين والبنية التحتية الأساسية، والأضرار الهائلة التي لحقت بالمدينة”.
بعد ذلك الخطاب، قام “أصدقاء إسرائيل” من المحافظين بعقد اجتماع مع كاميرون، تعهد فيه زعيم حزب المحافظين آنذاك بعدم استخدام كلمة “غير متناسب” مرة أخرى، وبالفعل لم يفعل كاميرون ذلك قط.
وحين أصبح رئيس وزراء الحكومة الائتلافية بين عامي 2010 و2015، كان مؤيداً قوياً لإسرائيل لدرجة أن صحيفة هآرتس أشارت إلى أنه كان “رئيس الوزراء البريطاني الأكثر تأييداً لإسرائيل على الإطلاق”، ومع ذلك، لم يكن دعم كاميرون للعمل العسكري الإسرائيلي غير مشروط.
في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة في عام 2014، أعلنت الحكومة البريطانية تعليق بعض صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل إذا استأنفت الاخيرة أعمالها العدائية، حيث أوضحت وقتها وزارة الأعمال بأن مراجعة الصادرات حددت 12 ترخيصاً، بما في ذلك معدات الدبابات والطائرات المقاتلة، التي يمكن للجيش الإسرائيلي استخدامها في غزة.
جاءت هذه الخطوة بعد مطالبة طويلة من حزب الديمقراطيين الليبراليين، الطرف الآخر في الائتلاف الحاكم، بتعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، حيث قاوم كاميرون تلك المطالب وأصر على أن لإسرائيل “حق مشروع في الدفاع عن النفس”.
أدى موقف كاميرون إلى استقالة البارونة سعيدة وارسي، وهي وزيرة خارجية مسلمة، قبل أسبوع من إعلان القيود، ولكن الحقيقة هي أنه لم يتم الإعلان عن هذه التدابير إلا بعد انتهاء الحرب، مما يشير إلى أن كاميرون كان أكثر استعداداً للتسامح مع العمليات العسكرية الإسرائيلية مقارنة برؤساء الوزراء السابقين.
بعد عقد من الزمن، حين كان أصبح كاميرون وزيراً للخارجية، قاوم باستمرار الدعوات إلى تعليق مبيعات الأسلحة خلال الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة رغم التقارير التي تؤكد أن الحكومة تلقت مشورة قانونية بأن إسرائيل قامت بانتهاك القانون الدولي.
من هذا المنطلق، فإن النهج الجديد الذي تبنته حكومة حزب العمال مؤخراً يبعدها أكثر عن نهج كاميرون حين كان وزيراً للخارجية، ولكنه يقربها من نهجه حين كان رئيساً للوزراء.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)