الشرخ يزداد عمقا بين الكيان المحتل والدروز

قد لا تبدو مظاهرات الدروز السوريين الغاضبة والكبيرة الأسبوع الماضي والقمع الإسرائيلي العنيف لها متناسبة مع اعتقاد البعض أنها كانت مجرد احتجاج على تدشين مزرعة الرياح في مرتفعات الجولان المحتلة.

كان المشروع الإسرائيلي لبناء توربينات الرياح على أرض سورية خاصة هو الدافع بالتأكيد، لكنه أطلق العنان لمشاعر أعمق من الغضب والشعور بالأذى والإذلال كانت تغلي منذ سنوات.

تفاقمت هذه المشاعر بسبب تمرير قانون الدولة القومية اليهودية عام 2018، والذي كرّس دستوريًا هوية إسرائيل كدولة لليهود فقط، متجاهلاً الآخرين.

في إسرائيل، كان يُنظر إلى الدروز إلى حد ما على أنهم استثناء، ومنذ سنوات، تم دمجهم في قوات الشرطة والجيش، وقد أطلق عليهم العديد من الإسرائيليين لقب “إخوة السلاح” ويعتبرونهم “العرب الطيبين”.

لكن بسبب سلوكهم، ولأنهم لا يشكلون تهديدًا لإسرائيل، فإنهم يتلقون اهتمامًا أقل من السلطات.

هذا الإهمال، جنبًا إلى جنب مع استمرار التعدي على الأراضي الدرزية على طرفي الحدود، يؤدي ببطء إلى إثارة مظالم طويلة الأمد تهدد بقطع العلاقات الإسرائيلية – الدرزية.

الاحتجاجات والاتفاقيات

هناك مجموعتان من الدروز تربطهم صلات وثيقة ببعضهم البعض، تسكن أحداهما في مرتفعات الجولان والأخرى داخل إسرائيل.

كما يعيش حوالي 25000 درزي في الجانب السوري المحتل من الجولان معتمدين بشكل أساسي على السياحة والزراعة.

وتحتفظ الغالبية العظمى من الدروز بجنسيتهم السورية، وباستثناء 10 بالمئة فقط يرفض البقية الحصول على الجنسية الإسرائيلية رغم قدرتهم على ذلك.
ويقول دروز الجولان إنهم منسيون منذ عقود على الرغم من احتجاجاتهم المستمرة ضد السياسات التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي، بدءاً من ضم الهضبة عام 1981 إلى مشروع توربينات الرياح الأخير.

وفي عام 1957، وبناءً على طلب زعماء الطوائف الدرزية، صنفت الحكومة الإسرائيلية الدروز الإسرائيليين كمجتمع عرقي متميز، كما مُنحت السلطة الدينية الدرزية درجة من الاستقلالية عن الهيئات الإسلامية.

في المقابل، وعلى عكس الأقليات الأخرى التي تعتبر الخدمة العسكرية اختيارية بالنسبة لها، أصبح تجنيد الذكور الدروز إلزاميًا.

خدم الدروز على مر السنوات كجنرالات وكبار قادة وطيارين، وقتل أكثر من 450 منهم في الخدمة العسكرية.

المشاعر المتغيرة

ومع ذلك ، تظهر الاتجاهات الأخيرة أن المشاعر الدرزية آخذة في التغير.

فقد أظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2017 أن غالبية الدروز الإسرائيليين يعرفون أنفسهم الآن بأنهم عرب، بل إن البعض يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، مقابل 11 بالمئة فقط صنفوا أنفسهم عرباً في دراسةٍ أجريت عام 2009.

لفهم هذا التحول الجذري الذي طرأ في ثماني سنوات، وكذلك شدة الغضب بشأن توربينات الهواء، من الضروري العودة إلى “قانون كامينيتس” الصادر عام 2017.

أقر الكنيست القانون كناظم، ظاهرياً، للتخطيط والبناء عام 1965، لكن تعديل عام 2017 هدف رسميًا إلى “زيادة إنفاذ ومعاقبة جرائم التخطيط والبناء”.
وفي الواقع، فقد كان القانون “تمييزياً” لا يأخذ في الاعتبار سنوات من التحيز المنهجي ضد الأقليات غير اليهودية في تخطيط أراضي الدولة وتخصيصها، وفقًا لمنظمة عدالة الحقوقية ومقرها حيفا.

تسببت هذه السياسة في أزمة سكن حادة في القرى الفلسطينية والدرزية، حيث لا حل أمام السكان سوى البناء دون تصاريح ثم مواجهة تداعيات قاسية من السلطات.

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة سالم بريك إن إسرائيل صادرت 60٪ من أراضي الدروز في الخمسينيات وتستخدمها الآن كاحتياطي للهجرة اليهودية في المستقبل إلى إسرائيل بينما لم يتم إنشاء مستوطنة درزية جديدة منذ ذلك الحين.

صراع واحد

ووحدت تظاهرات الأسبوع الماضي ضد مشروع التوربينات دروز الجولان مع أولئك الموجودين في إسرائيل على أساس التضامن وكذلك لأن الموضوع الرئيسي للاحتجاجات تمحور حول قضية الأرض.

ويقول العميد المتقاعد من الجيش الإسرائيلي وأحد قادة مظاهرات الأسبوع الماضي، أمل الأسد إنه على الرغم من ولائه والتزامه بإسرائيل، فإن أوضاع الدروز في البلاد أسوأ بكثير مما هي عليه في البلدان المجاورة مثل سوريا ولبنان.

وقال:” نحن في إسرائيل نرى أنفسنا كإسرائيليين، لكن الدولة سلبت هويتي الوطنية ولم تترك لي أي شيء هذا مؤلم”.

في المظاهرات الأخيرة، تحول الأسد الذي خدم في الجيش الإسرائيلي 26 عاماً من “بطل محلي” إلى محرض إجرامي تقريبًا لانه عارض علانية.

اتهمه وزير شؤون المغتربين عميحاي شكلي على تويتر بالعمل كدمية متحركة في خدمة إيهود باراك، رئيس الوزراء السابق والزعيم المعلن للاحتجاجات المستمرة.

“جاهز للحرب”

ربما وقع نتنياهو بالخطأ الكبير عندما أرسل وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، أحد أكثر المتطرفين عنصريةً للقاء الزعيم الروحي للطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف الأسبوع الماضي لحل القضية الحالية.

وقال زعماء دروز محليون” إنه يرسل بن غفير لإعلان الحرب على الطائفة الدرزية، ونحن مستعدون للحرب”.

وخرج بن غفير من الاجتماع باتفاق على وقف أعمال البناء إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى يوم الأربعاء، لكن أبناء الطائفة الدرزية رفضوا الوقف المؤقت مطالبين بوقف دائم للمشروع.

وشارك آلاف الدروز، السبت، في اجتماع طارئ في كفر ياسيف لمناقشة الخطوات المقبلة.

وحذر الشيخ طريف من أنه إذا رفضت الحكومة قبول مطالبهم “فسيأتي رد غير مسبوق لم تشهده هذه الدولة من قبل”.

يبدو أن الالتحام بين الطرفين قد بدأ للتو في ظل إصرار طرف على فرض “حكم” وجاهزية الآخر “للحرب”.

مقالات ذات صلة