بقلم أمير مخول
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تفاخر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأن الهجوم على جنين “حقق أهدافه بالكامل”، زاعماً أن المقاتلين الفلسطينيين “لن يعرفوا المخيم” عندما يعودون إليه بسبب شدة الهجوم.
وتابع غالانت أن معظم مقاتلي المخيم قد غادروه خلال الاقتحام الإسرائيلي، مضيفاً:” والذين ظلوا فيه احتموا بمواقع السكان المدنيين كالمستشفيات نظراً للجبن وقلة الشجاعة التي حاولوا التظاهر بها”.
لكن رد فعل الجيش الإسرائيلي كان أكثر جدية، فقد أعرب عن قلقه الحقيقي من أن المقاومة والتكتيكات الفلسطينية، بما فيها استخدام العبوات الناسفة، ستمتد إلى مناطق مختلفة في الضفة الغربية المحتلة.
يبدو أن غالانت يروج لنفسه أمام الجمهور الإسرائيلي ولزيادة نفوذه السياسي من خلال إخفاء فشل هجومه بدلاً من تقديم صورة صادقة عن نتائجه.
انتصار فلسطيني
إذ يمكن القول أيضًا أن الجيش الإسرائيلي الذي يُعتبر واحدًا من أكثر الجيوش تقدمًا في العالم والمجهز بسلاحه الجوي والأقمار الصناعية وقوات النخبة والتكنولوجيا العسكرية المتطورة قد فشل في التقدم إلى وسط مخيم جنين للاجئين.
وبدلاً من السير على الأقدام، زحف الجنود على الأرض لتجنب القنص، وتراجعت العربات المدرعة وناقلات الجند للخلف أثناء الانسحاب.
وتمثل المشهد الأكثر إثارة في احتفالات الانتصار الشعبية العفوية التي أقامها سكان المخيم والمقاتلون بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
هؤلاء هم اللاجئون الذين طردت عائلاتهم وأجدادهم من حيفا ومحيطها إبان نكبة 1948، والذين نزحوا مؤخرًا من منازلهم التي استولى عليها الجيش لاستخدامها كحصون وثكنات عسكرية بعد تدميرها.
لكن لماذا استخدم وزير الحرب الإسرائيلي مصطلح “فر” لوصف المقاومين الذين لا يتجاوز عددهم بضع عشرات والذين لا يمتلكون أسلحة فتاكة، بينما يصورهم الإعلام العسكري والمدني الإسرائيلي على أنهم جيش نظامي؟ بترسانة عسكرية وقيادة أركان؟
الجواب على هذا السؤال يكمن في أهداف الهجوم على جنين، والتي ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنها كانت تتمثل في تحويل مخيم جنين إلى “مقبرة للإرهابيين”.
فقد أشار المحلل العسكري الإسرائيلي رون بن يشاي في موقع Ynet إلى “خيبة الأمل في الجيش نتيجة قلة عدد القتلى” بين المقاتلين الفلسطينيين.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغالانت مخيم جنين “عاصمة الإرهاب”، بينما قال جهاز الأمن الإسرائيلي، الشاباك، إن الهدف هو القضاء على “البنية التحتية للإرهاب” و “القدرات القتالية المتقدمة بما في ذلك تطوير صاروخ بدائي”.
إلا أن المدير العام لمعهد دراسات الأمن القومي والرئيس السابق لشعبة المخابرات العسكرية، اللواء تامر هايمان، رأى أن المقاومة “تعيش في قلوب الفلسطينيين” وبالتالي لا يمكن القضاء عليها بواسطة اقتحام مخيم جنين.
نكبة جديدة
إذا اعتبرنا أن هذا هو الهدف المركزي للحكومة الإسرائيلية، فإنها قد فشلت في النهاية في تحقيقه، حيث لم يتم القضاء على المقاومة ولا على قدراتها أو معرفتها المتراكمة في فن القتال والمواجهة.
بل على العكس، فقد أثبتت الأحداث على الأرض أن المقاومة توقعت اجتياح جيش الاحتلال وراقبت تحركاته وحددت كيف وأين ومتى ستواجهه.
أما الهدف الإسرائيلي الآخر فكان استهداف القاعدة الشعبية الفلسطينية، التي تتكون من الشعب الفلسطيني ككل وسكان المخيم على وجه الخصوص.
كان هذا هو الدافع الرئيسي لاستهداف المدنيين، والتدمير الكامل للبنية التحتية وقطع خدمات المياه والكهرباء والاتصالات فضلاً عن التهجير القسري لـ 5000 شخص من منازلهم، وهو ما يذكر الفلسطينيين بالنكبة.
وكمقدمة لهجوم واسع آخر على شمال الضفة الغربية، فإن الهدف السياسي المركزي للهجوم في جنين هو إعادة الاستيطان هناك، عبر بناء عشرات البؤر الاستيطانية في المنطقة وتهويدها وضمها وفق اتفاقيات الائتلاف.
سياسة الضم
بالنسبة للاحتلال، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب القضاء على المقاومة في هذه المنطقة وتهميش دور السلطة الفلسطينية، خاصة أن المقاومة تستهدف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
كان هذا المشروع في البداية هامشيًا في السياسة الإسرائيلية لكنه اكتسب أهمية بعد أن أيده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وبعد صعود الصهيونية الدينية إلى السلطة.
كانت نتائج الهجوم على جنين مخيبة للآمال لأولئك الذين تمسكوا بمشروع الضم، فقد سعى الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ عملية طرد جماعي للاجئين الفلسطينيين من المخيم، مما يشير إلى أن عقلية التهجير والنكبة ما زالت عميقة في الحكم الإسرائيلي.
إلا أن الفلسطينيين ردوا بالعودة إلى منازلهم فور انسحاب قوات الاحتلال، في حين رفض قسم كبير من السكان مغادرة منازلهم على الرغم من تهديدات الجنود الإسرائيليين.
على الصعيد السياسي نجح نتنياهو في أمرين مهمين، فمحلياً، حصل على دعم رؤساء المعارضة البرلمانية فيما يتعلق بالهجوم وقرار الحكومة، كما حظي بتأييد من قبل الإجماع الوطني الصهيوني.
أما دوليًا، فقد تلقى نتنياهو دعمًا لا لبس فيه من إدارة بايدن، وكذلك من بريطانيا وألمانيا اللتين أيدتا “حق إسرائيل في حماية مواطنيها” وإدانة “الإرهاب الفلسطيني”.
وبحسب التقديرات، فقد زادت شعبية نتنياهو، خاصة وأن المجتمع الإسرائيلي ووسائل الإعلام لا يهتمون بعدد الضحايا الفلسطينيين أو الدمار الهائل، لكنهم يركزون بشكل أساسي وفقط على الخسائر الإسرائيلية.
ما يحدث في الواقع هو أن كل عدوان يثير عكس أهدافه المقصودة، وتخرج المقاومة أكثر تصميمًا وخبرة وتمتعاً بدعمٍ شعبي أوسع.
ستسعى إسرائيل إلى إثارة الفتنة الفلسطينية الداخلية، ولا سيما بين الفصيلين السياسيين الرئيسيين، فتح وحماس، من أجل تحقيق أهدافها العسكرية بأيدي الفلسطينيين، هذا هو السيناريو الأكثر خطورة حاليا.
لم يغير العدوان الإسرائيلي قواعد اللعبة، بل عزز استمرار السياسة الإسرائيلية، وربما يكون جيش الاحتلال قد انسحب من مخيم جنين، لكن هجومه القادم ليس سوى مسألة وقت، وقد بدأ العد التنازلي بالفعل.
وبالتالي، فإن توفير الحماية للفلسطينيين هو حاجة ملحة ويجب أن يصبح أولوية قصوى.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)