بي بي سي المتحيزة دوماً لإسرائيل.. هل تغير نهجها؟

بقلم تيم لويلين

ترجمة وتحرير مريم الحمد

منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، وعلى مدى 23 سنة مضت، كان تحيز هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في أخبارها واضحاً لصالح اهتمامات ومصالح الحكومات الإسرائيلية والغربية، حتى أنني أطلقت على ذلك عام 2005 مصطلح “استبداد التكافؤ الزائف” الذي يعتبر الفلسطينيين والإسرائيليين طرفين متنازعين متكافئين وزناً.

خلال نفس الفترة، كنت قد وصفت مراسلي البي بي سي في الميدان بأنهم كانوا “أسوداً تقودها حمير” يقصون قصصهم بالطريقة التي يريدها المحررون في لندن وبطبيعة الحال في إسرائيل، من خلال استخدام اللغة التي تحتقر الفلسطينيين وتستخف بهم، بالإضافة إلى تزوير السبب والنتيجة، والخلط بين الجاني والضحية!

وللمفارقة، كشفت لجنة مشكلة من مجلس محافظي الهيئة عام 2006، أن تغطية البي بي سي للصراع “مضللة يغيب عنها السياق التاريخي” مؤكدة على “فشل البي بي سي في نقل التباين بين الاحتلال والطرف الذي يتعرض للاحتلال.

خلال 17 عاماً الأخيرة، أخذت البي بي سي بالتقليل من تغطيتها للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل كبير، في محاولة لإظهار نفسها بمنأى عن النقد، إلا في الحالات التي يتعلق الأمر فيها بأصدقاء إسرائيل ومؤيديها، ففي عام 2009، رفضت بي بي سي بث نداء خيري من أجل غزة بعد عدوان إسرائيلي استمر 3 أسابيع، في موقف تم وصفه بأنه “غير أخلاقي”.

تغطية داعمة للرواية الصهيونية

برنامج “البانوراما”، مثلاً، على البي بي سي هو برنامج مناصر للصهيونية بامتياز، حتى أنه من المستحيل توثيق كمية الشكاوى حول التحيز والتأطير الموجود في البرنامج للمؤيدين لإسرائيل.

أما في برنامج “الإفطار” الصباحي، الذي يتابعه الكثير من السياسيين في بريطانيا، فقد ظهر مقدم البرنامج، جيريمي بوين، هذه المرة بشجاعة للحديث عن ما حصل في جنين، في مبادرة ذاتية تخطت قيود الرقابة على التحرير في الإذاعة، حتى امتد صدق بوين لزملائه على الأرض في الضفة الغربية، فلأول مرة منذ 20 عاماً، شعرت أن الصحفيين في الاستديوهات أخذوا زمام المبادرة في تصوير حقيقة محنة الفلسطينيين.

في تقديمه، أشار بوين إلى أن الاقتحام الإسرائيلي لجنين لن يصل لهدفه، وأطلق على المسلحين الفلسطينيين لقب “المقاتلين” و”المقاومة” بدلاً من استخدام صيغة البي بي سي “المسلحين”، وختم بوين أن “الفلسطينيين يشعرون أن مجرد صمودهم في المخيم انتصار بحد ذاته”.

عندما بدأ تداول أنباء اقتحام جنين الأخير، كانت تغطية البي بي سي في كفة إسرائيل كالعادة، حتى تلقفها بوين بجرأة طرحه مما أحدث فرقاً لدى الرأي العام، لكن مع ذلك لا يمكن أن يتم التغيير برجل واحد!

شدد بوين أيضاً في كلامه على أن لاجئي جنين هم أبناء مناطق 48 وهم الجيل الثاني من ضحايا النكبة، مشيراً إلى أن “هؤلاء الناس لن يذهبوا إلى أي مكان، ومقاومتهم لن تنته” وأن “هذا صراع بين الأجيال تقوم فيه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بتكثيف العنف ضد الفلسطينيين”.

تأثير الرأي العام

مراسل البي بي سي الدبلوماسي، بول آدمز، كان له صوت أيضاً في ذات السياق، فمنذ أواخر التسعينات، يعمل آدمز كمراسل للبي بي سي في القدس، وقد أشار في حديثه متحدثاً من لندن، أنه “بالنسبة للفلسطينيين هناك دائماً جيل جديد يقاتلون الاحتلال بالطريقة الوحيدة الممكنة”.

من الصعب، ربما، سرد قصة بكل سياقها في بضع دقائق من البث المباشر، خاصة إن كانت قصة فشلت الإذاعة في سردها بصدق لمدة 20 عاماً، لكن قد تستجيب البي بي سي أخيراً للتأثير العام، بدلاً من ضغط الحكومة والتأثير الصهيوني، وذلك عن طريق أخذ زمام المبادرة من قبل مراسليها ومحرريها، خاصة وأن وجود حكومة إسرائيلية متطرفة قد يكون عاملاً مهماً في هذا السياق، بالإضافة إلى تراجع أداء الحكومة البريطانية الحالية التي لا تتوقف عند حد في دعم إسرائيل!

ربما تكون البي بي سي قد أخذت في الحسبان رد الفعل الشعبي والبرلماني الهائل على مشروع قانون المقاطعة المناهض لإسرائيل، والذي يهدد بمنع الحكومات المحلية والجامعات من اتخاذ قرارات استثمارية أخلاقية فيما يتعلق بإسرائيل ومستوطناتها غير القانونية.

لا شك أن جزءاً من تخوف البي بي سي خلال السنوات الماضية ناتج عن الضغوط الحكومية المتزايدة على رسوم الترخيص، خاصة بعد وصول المحافظين للسلطة، وذلك خوفاً من تهمة معاداة السامية إذا قامت بأي انتقاد لإسرائيل، الأمر الذي تم تعزيزه من خلال هجمات اللوبي الصهيوني وأصدقاء إسرائيل بوجه عام، حتى تضاءلت مصداقية الحكومة البريطانية بسبب ارتباطها المعلن والصريح بحكومة إسرائيلية عنصرية تتشدق بالضم الفعلي للأراضي المحتلة!

رفض سردية “نحن وهم”

خلال السنوات العشر الماضية، ساهم جيل الشباب في تشكيل تغطية البي بي سي، بما في ذلك الصحفيين من أصول آسيوية وشرق أوسطية، فهم تجاوزوا التعبير عن سردية “هم ونحن” التقليدية، وقد كان لحركة Black Lives Matter تأثير إيجابي في ذلك، حيث سلطت الضوء على الظلم الاستعماري البريطاني الذي تم تجاهله لسنوات طويلة.

وفي مواقف أخرى، لا تزال البي بي سي تعمل كالمعتاد، فعلى سبيل المثال، سارعت الإذاعة بالاعتذار بعد كلام مقدم في إحدى نشرات الأخبار، خلال مقابلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، بقوله أن “القوات الإسرائيلية سعيدة بقتل الأطفال الفلسطينيين”، رغم تجاهلها الاعتذار بالعادة، وهذا موقف يدل على جرأة المقدم في تأطير السؤال بطريقة المواجهة رغم سياسة البي بي سي.

قضايا كثيرة قامت بتغطيتها البي بي سي بعمق إلا قضية فلسطين وكأنها لا تزال أرضاً غير مكتشفة بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية!

عندما بدأ تداول أنباء اقتحام جنين الأخير، كانت تغطية البي بي سي في كفة إسرائيل كالعادة، حتى تلقفها بوين بجرأة طرحه مما أحدث فرقاً لدى الرأي العام، لكن مع ذلك لا يمكن أن يتم التغيير برجل واحد!

الحقيقة أن البي بي سي مؤسسة متعصبة وإسرائيل تلعب لعبة قذرة وصعبة إن صح التعبير، فقد أكد لي كاتبان مخضرمان في المؤسسة قبل عام ما كنت أعتقده على الدوام، وهو أن أي شكوى إسرائيلية يتم تناولها على الفور، وأن المحررين يعدلون القصص دوماً بما يخدم الميل الإسرائيلي.

تفرض إسرائيل روايتها دائماً من منطق السيطرة والهيمنة، ولذلك تفرض نسختها في البداية، من خلال المتحدثين الرسميين، الذين يخرجون على شاشات مثل البي بي سي، التي أتاحت للإسرائيليين منبراً ووقتاً أوسع بكثير مما أتاحته للفلسطينيين.

أرض غير مكتشفة بعد!

من جانب آخر، هناك العديد من الصعوبات عندما يتعلق الأمر بالسردية الفلسطينية من زوايا معينة، مثلاً، لا يستطيع السفير الفلسطيني في لندن، حسام زملط، تفسير إخفاقات السلطة الفلسطينية رغم ما تتعرض له من انتقادات عديدة، منها تساؤلات بوين، فالحقيقة أن السلة الفلسطينية بلا أسنان، ولكن زملط لا يمكنه قول ذلك، ولا يمكنه تسليط الضوء على كيفية إنشاء السلطة الفلسطينية لتكون كلب حراسة لإسرائيل، تقوم بمعاملة شعبها بسوء لأجل ذلك.

لا شك أن ما حصل في جنين  سوف يتكرر، ولكن أين سيكون بوين في المرة القادمة؟ ربما في إجازة، سننتظر لنرى تأثير ما فعله بوين!

لكن من خلق هذا الوضع؟ الأمريكيون وإسرائيل بالتأكيد، لكن لن يعرف الكثير عن ذلك عبر البي بي سي البريطانية، حيث تهيمن أصوات الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن، فقضايا كثيرة قامت بتغطيتها البي بي سي بعمق إلا قضية فلسطين وكأنها لا تزال أرضاً غير مكتشفة بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية!

ويبقى السؤال، هل يتكرر الموقف الذي عبر عنه بوين تجاه جنين؟ هل ينتشر في غرف التحرير في البي بي سي؟! أنا أشك في ذلك، فالمؤسسة والمجتمع السياسي حولها متأثر بالمخاوف المتمحورة حول تهمة معاداة السامية، حتى أن العديد من المتعاطفين مع فلسطين قرر تجنب القضية في الوقت الحالي، حتى بات حزب العمال يضطهد أنصار فلسطين!

المجتمع المدني متخوف كذلك، حتى مساحات النقاش العامة والحوارات المنفتحة باتت معرضة للخطر من أصدقاء ومؤيدي إسرائيل، وهو جو لا يمكن للبي بي سي أن تأخذ فيه زمام المبادرة، لا شك أن ما حصل في جنين سوف يتكرر، ولكن أين سيكون بوين في المرة القادمة؟ ربما في إجازة، سننتظر لنرى تأثير ما فعله بوين!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة