بقلم ندى عثمان
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يتناسب استوديو سليمان منصور في رام الله مع الصورة النمطية للمساحة الإبداعية للفنان: فوضى تعم المكان حيث الأقلام وفُرش الرسم والصور مبعثرةً على الطاولة إلى جانب أكواب الشاي وأعقاب السجائر. أما جدران الاستوديو فتكتنز بلوحاته الخاصة جنباً إلى جنب مع تلك اللوحات القماشية المهداة له من زملائه الفنانين.
احب رسومات الفنان سليمان منصور … واحب اعتزازه وحبه لوطنه فلسطين ❤️
بعض منها pic.twitter.com/lbLConqfl5— nrmieen (@nrmieen1) May 10, 2023
فعلى مدار مسيرته المهنية، اشتهرت أعمال منصور دوليًا بقطعه التصويرية والرمزية، التي تصور الحقائق الاجتماعية والثقافية للحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وتعد لوحته لعام 1994 والتي أسماها “الصيف الماضي في فلسطين” واحدة من أشهر لوحاته وهي ترجمة “للعشاء الأخير” (The Last Supper) لليوناردو دافنشي، باستثناء صورة المسيح التي تم استبدالها برجل و 12 امرأة فلسطينيون بدلاً التلاميذ.
ومن أعمال منصور المشهورة الأخرى لوحة “جمل المحامل للعام 2005” (2005’ s Camel of Burdens)، والتي يُظهر فيها شيخًا فلسطينيًا ضعيفًا يحمل كرة على شكل عين على ظهره وداخلها مدينة القدس.
تعتمد أعمال الفنان الفلسطيني على الزخارف الفلسطينية المشتركة، بما في ذلك شجرة الزيتون، والتي تعد رمزًا للصلة العميقة التي تربط الفلسطينيين بالأرض.
للصمود أوجه عدة,فقد استطاع الفنان سليمان منصور أن يجسد بفنه الوجه الاسمى والأرقى للصمود من خلال اعماله التي أصبحت رمزاً للهوية الوطنية الفلسطينية, التي حرص سليمان منصور على إبرازها باستخدامه الرموز المستمدة من الحياة والثقافة والتاريخ والتقاليد الفلسطينية🇵🇸 pic.twitter.com/JQEPz8HCAj
— Lama (@Lama66690719) April 22, 2023
ويقول منصور: “أتذكر عندما كان عمري 12 عامًا حين اشترى جدي قطعة أرض لم يكن يقيسها بالدونم أو الأفدنة، بل كان يقول لقد اشتريت 53 شجرة زيتون”، مشيرًا إلى أهمية شجر الزيتون بالنسبة للفلسطينيين.
كما أن حياة الفنان الخاصة لا تنفصم عن الرموز التي يضعها في لوحاته ولا عن واقع العيش تحت الاحتلال، فمنصور يعيش في القدس، لكنه يدير الاستوديو الخاص به في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، ويقوم برحلة عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية عدة مرات في الأسبوع، بينما قد تستغرق تلك الرحلة ما بين 45 دقيقة و 6ساعات في الوضع الطبيعي.
الاحتلال والفن
ولد منصور في بلدة بيرزيت شمال رام الله، عام 1947، قبل عام من النكبة، والتي شهدت طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم لإفساح المجال أمام قيام دولة إسرائيل.
بدأ الفنان الشاب في الرسم منذ سن مبكرة جدًا، ولاحقًا لاحظ مدرس ألماني في مدرسة داخلية في بيت لحم موهبته، وشجعه على التعمق في الرسم والمشاركة في مسابقات فنية.
يتذكر منصور أنه قدم طلباً “ليكون عملي الفني جزءًا من ناد للرسم، ثم أخبرني أنني فزت بمسابقة الأمم المتحدة لأطفال العالم، كان ذلك في العام 1962”.
وتقديراً لجهوده، فاز ذلك الفنان الشاب بجائزة نقدية قدرها 200 دولار لكن الجائزة الأهم بالنسبة له كانت تولُّد الرغبة لديه في متابعة الفن بطريقة أكثر جدية.
وفي فترى الستينيات بدأ يتبلور شعور قوي بالهوية الوطنية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
وكانت الرواية الذاتية الإسرائيلية خلال هذه الفترة هي التي ألغت إلى حد كبير الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية قبل الهجرات الصهيونية في أوائل القرن العشرين.
لقد كانت فترة تم فيها التركيز بشدة على الاستعارات غير الدقيقة، مثل فكرة أن المستوطنين اليهود المعاصرين في المنطقة قد واجهوا أرضًا قاحلة وقليلة السكان، وأنهم جعلوا الصحراء تزهر.
وبحسب منصور، واجه الفلسطينيون خلال هذه الفترة خطر اختفاء روايتهم التاريخية تمامًا تحت تأثير تلك الأفكار الصهيونية.
“هذه هي استراتيجية الحركة الصهيونية: إنكار وجودك، لأنه عندما لا تكون هناك، يكون من الأسهل بكثير الاستيلاء على أرضك، وقتلك، وسجنك”. – الفنان سليمان منصور
لذلك أصبح لزاما على فنانين مثل منصور إعادة صياغة القصة الفلسطينية من خلال دمج الرموز التقليدية في فنهم، فضلا عن الرموز الجديدة.
ويقول: “بصفتنا فنانين، بدأنا في البحث عن صور تعكس الهوية”، موضحًا أن هذه عملية تضمنت الإشارة إلى الثقافة القديمة والمناظر الطبيعية لفلسطين التاريخية.
وعن استخدام المناظر الطبيعية كواحدة من أساسيات العمل الفني، يقول منصور: “عندما احتل الإسرائيليون أرضنا بدأوا بزراعة أشجار السرو والصنوبر [غير الأصلية] بدلاً من أشجار الزيتون لتغيير المشهد”.
الرمز كمقاومة
إلى جانب شجرة الزيتون، تتميز أعمال منصور بعدد من الرموز الأخرى المرتبطة بالنضال الفلسطيني، كبرتقال يافا، والأثواب المطرزة التقليدية، والحمامة، والكوفية.
"الفنان الفلسطيني سليمان منصور في قناة الجزيرة"
" صادر جيش الاحتلال عددا من لوحاته وقالوا له لماذا لا ترسم زهورا ونساء جميلات؟
اضاف عندما تتحرر فلسطين سوف افعل ذلك."
🖌🎨🖼📌🦜 pic.twitter.com/q3DHVsMt23— Sayed Abdullah (@SayedAb02069678) April 30, 2023
ويضيف منصور:” عندما أرسم أشجار البرتقال، أرسم الأرض التي احتُلت عام 1948، وعندما أرسم أشجار الزيتون، أرسم الأرض التي احتُلت عام 1967″، مشيرًا إلى النكبة، والنكسة التي احتلت فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة.
وهناك رمز آخر حديث، بحسب منصور، وهو نبات الصبار، الذي يقول إنه أصبح مرتبطًا بالمقاومة والنضال الفلسطيني، حيث يعتبر أنه: “إذا أردت أن تعرف ما إذا كانت هناك قرية ذات يوم، فعليك أن تبحث عن نباتات الصبار، فهي لا تموت بسهولة”.
ولطالما تعرضت أعمال منصور الفنية للاستهداف منذ عقود، حيث يقول: “في عام 1979، عندما بدأنا في إقامة المعارض، كان الإسرائيليون يأتون ويصادرون اللوحات التي لم تعجبهم”، مضيفًا: “كنت أشاهد ما يأخذونه، لقد كانت أشياء سخيفة، كلوحة تظهر امرأة فلاحة ترتدي ثوب تطريز جميل بينما تعمل في الحقل”.
ففي حين أن التبرير الذي قدمه الإسرائيليون لمنصور وغيره من الفنانين هو أن الصور تشكل “تحريضاً”، كان الفنانون أنفسهم ينظرون لفكرة قيام امرأة فلسطينية برعاية أرضها بأنها تقوض بشكل مباشر الأسطورة التأسيسية لإسرائيل التي تزعم قيام رواد صهاينة بتحويل الصحراء إلى أرض زراعية.
وذكر منصور أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا قد زاروا معارضه في السابق وأغلقوها وصادروا مفاتيح المعرض الذي يستضيف أعماله.
وقال: “لقد كانوا يجتمعون معنا ويناقشون الفن الذي يجب أن نفعله، ويطلبون منا رسم أزهار جميلة أو نساء لطيفات بدلاً من الفن السياسي.”
ويوضح منصور أن “أي شيء يثير غضب إسرائيل أصبح فيما بعد رمزًا”، واصفًا كيف أن رد فعل إسرائيل أجبر الفنانين على تبني رموز أكثر دقة للهوية الفلسطينية، ومن الأمثلة على ذلك البطيخ، الذي أصبح مرتبطًا بفلسطين بحكم مشاركته ألوان العلم الفلسطيني.
الفنان الفلسطيني
على مر العقود، جمع منصور أتباعًا متفانين واكتسب اعترافًا دوليًا بعمله، فقد حصل على جائزة اليونسكو – الشارقة للثقافة العربية لعام 2019، كما حصل على الجائزة الكبرى في بينالي القاهرة عام 1998 وجائزة فلسطين للفنون البصرية عام 1998.
واليوم، يكرس منصور وقته لتوجيه الفنانين والطلاب الشباب، وإتاحة الفرصة لهم لتنمية قدراتهم الإبداعية والاستفادة من تجربته.
وكفنان، يقول منصور إنه يفضل الابتعاد عن السياسة، لكن كفلسطيني، فالفن هو مخرج وطريقة لتهدئة ضمير لا يسمح له بالابتعاد عن حقيقة الاحتلال.
ويؤكد منصور بالقول:” إنني أؤمن إيمانا راسخا بأهمية احتضان حرفتك واحتضان ارتباطك بشعبك وثقافتهم وسعيهم إلى الحرية، فمن الأهمية بمكان أن يستوعب طلابي الشعور بالانتماء وألا يفقدوا الأمل أبدًا”.
ويشرح قائلاً: “إذا كان فني قادرًا على إقناع شعبي، فإن لديه القدرة على التأثير على أي شخص آخر في العالم”.
“أعتقد أنني قدمت مساهمات كبيرة للفن الفلسطيني، ليس فقط من خلال إبداعاتي الخاصة ولكن أيضًا من خلال المساعدة في إنشاء رابطة الفنانين الفلسطينيين، أستطيع أن أقول إن لدي ضميرًا مرتاحًا.”
وردا على سؤاله عما سيرسمه لو لم يكن هناك احتلال، أجاب منصور: “أرسم الزهور والنساء الجميلات”.
للإطلاع على النص باللغة الانجليزية من (هنا)