بقلم شيرين أحمد
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الوقت الذي كان فيه المسلمون حول العالم يحتفلون بعيد الأضحى، كانت قد قضت المحكمة الإدارية العليا في فرنسا للاتحاد الفرنسي لكرة القدم في حق منع المحجبات من دخول أرض الملعب، فقد جرد هذا القرار النساء المحجبات من أي فرصة للمشاركة في اللعب أو التدريب أي غيرها من مستويات كرة القدم في فرنسا!
تكمن جذور المشكلة في العلمانية، تحديداً المفهوم الفرنسي للعلمانية، لأن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يريد إبقاء الرموز الدينية بعيدة عن كرة القدم، معتبراً أن الحجاب في الملعب يتعارض مع قانون 1905 الخاص بالعلمانية.
كيف تزعم فرنسا أنها تدافع عن كرة القدم النسائية بينما تستبعد مجموعة معينة من النساء تمامًا؟! العبثية تكاد تكون هزلية!
تصدت مجموعة من الشابات المحجبات في فرنسا، تدعى “لي حجابيز”، لتلك السياسة التمييزية، بالإشارة إلى أن العديد من اللاعبين من غير المسلمين يظهرون صلبانهم قبل المباراة والبعض الآخر لديه وشوم لشخصيات ورموز مسيحية على مرأى من الجميع، ومن هنا لا تنطبق القاعدة بالتساوي!
قضية “حقوق إنسان”
بعد 10 أيام من الآن، سوف يقام كأس العالم للسيدات في أستراليا ونيوزيلندا، وبهذا السياق يعد حكم المحكمة بمثابة صفعة لمن ينادي بالمساواة على أساس الجندر، خاصة مع اقتراب حدث رياضي يمثل فرصة وتمثيلاً أكبر لتلك السيدات الرياضيات.
الحقيقة أن القلة من الناس من يهتم بالتحدث عن الأمر علانية، أما الباقي فهم يصمون آذانهم بلا مبالاة، بطبيعة الحال، هم لا يتأثرون كثيراً بالسياسات التي تهمش النساء والفتيات على أساس عنصري!
لقد وُجدت المجتمعات المسلمة في فرنسا بسبب الاستعمار، فالنضال حول قضية الحجاب في أرض الملعب لا تدور فقط حول اللعبة الجميلة، أو تمكين من يعاني من التمييز والعنصرية، بل هي قضية وجود، تندرج على السباحة بالبوركيني حتى عدم التعرض للقتل من قبل الشرطة فقط لأنك شاب أسود ومسلم!
بدأت مجموعة “لي حجابيز” في الدفاع عن حق المحجبات في لعب كرة القدم في مايو 2020، وذلك من خلال تنظيم مباريات عامة ودعوة وسائل الإعلام لتصويرهم خلال المباراة، كما تعاونوا بتنظيم مباريات لدعم مبادرات العدالة الاجتماعية في فرنسا، يلعبون مع غير المحجبات وغير المسلمات باعتبار الأمر قضية حقوق إنسان بالدرجة الأولى.
لقد قام الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” بحظر ارتداء الحجاب لأول مرة عام 2007 ولكن أعاد وألغى الحظر عام 2014، نتيجة جهود كبيرة ساهمت إعادة الحجاب إلى الصورة، فقامت كل دولة في العالم بتوفير وسائل الراحة والتسهيلات للمحجبات، باستثناء فرنسا، التي ضاعفت من سياستها التمييزية حتى فرضت قانوناً يستبعد المحجبات من الحق في ممارسة الرياضة.
استضافت فرنسا كأس العالم للسيدات عام 2019 ، لكنها بمفارقة عجيبة استثنت المحجبات من المشاركة، فقد كان هذا الحدث سبباً في نشاط السيدات المسلمات ضد ذلك التمييز لأكثر من 10 سنوات، لكن التغطية الإعلامية السائدة حرصت على استبعاد الحديث عن قضية أولئك السيدات، فكيف تزعم فرنسا أنها تدافع عن كرة القدم النسائية بينما تستبعد مجموعة معينة من النساء تمامًا؟! العبثية تكاد تكون هزلية!
لا أبالغ إن تحدثت عن كمية القهر والإحباط الذي تعرضت له الناشطات في القضية بعد سنوات من الجدال، لقد حان الوقت لمعالجة هذه القضية وإلغاء السياسات التمييزية ضد النساء المسلمات والمجتمعات المهمشة الأخرى، فالإصرار على وجوب خلع المرأة للحجاب قبل اللعب ليس حلاً، إن لم يكن عنفاً منهجياً يوازي إجبارهن على ارتدائه!
منذ عام 2019، أثقل كاهلي الحديث عن القضية ثم الذهاب لمشاهدة مباريات السيدات في الملاعب الضخمة، فمن ناحية ، كنت أزداد إصراراً على رواية قصة المحجبات والتمييز الذي يتعرضن له، ومن ناحية أخرى، كان الظلم ضد المسلمات في كرة القدم الفرنسية مروعًا بالنسبة لي وما زال!
كنت في الجامعة عندما قررت ارتداء الحجاب، وقتها، أخبرني مدرب فريق الجامعة ومدرب النادي أنني لن أستطيع اللعب إذا واصلت تغطية شعري، كان يجب أن يكون لدي الاختيار، فدعم النساء يعني منحهن خيارات وليس الإنذارات!
بعد ذلك، تابعت زين الدين زيدان وهو يرفع كأس العالم لصالح المنتخب الفرنسي الذي فاز عام 2018، فتوقفت عند سخرية ملفتة، فرنسا تستخدم الرجال المسلمين لنجاحاتها في حين ترفض وجود أخواتهم وأمهاتهم وبناتهم في نفس الرياضة.
نضال من أجل الوجود
لا يعد موضوع حظر الرياضة على المحجبات موضوعاً مستحدثاً، فقد كتبت من قبل عن منع الحجاب في كرة السلة والملاكمة والسباحة وغيرها، تلك هي الطريقة التي يتم فيها السيطرة على أجساد النساء المسلمات، فحرمان المرأة من اختيار اللباس الآمن هو كراهية للنساء!
تخيلوا أن تتم محاكمة لاعبة في مباراة ودية فقط لأنها ترتدي حجاباً رياضياً أثناء اللعب، هذا غير مقبول في الرياضة، لكن فرنسا لا تتمسك إلا بقوانين كريهة عنصرية، هل فعلاً تشكل المحجبات خطراً على الحرية والمساواة؟!
مع سماح الفيفا بالحجاب، وافق الاتحاد الدولي على تصميم حجاب لا يضر باللاعبة ولا بخصمها، وبالتالي تنتفي حجة “الخطر على المجتمع”، ولكني أتساءل، ما الذي يخافه الفرنسيون بشدة؟! لا أعتقد أنه إيمانهم، لأن المهم عندهم كل ما يعكس الثقافة الفرنسية.
لقد وُجدت المجتمعات المسلمة في فرنسا بسبب الاستعمار، فالنضال حول قضية الحجاب في أرض الملعب لا تدور فقط حول اللعبة الجميلة، أو تمكين من يعاني من التمييز والعنصرية، بل هي قضية وجود، تندرج على السباحة بالبوركيني حتى عدم التعرض للقتل من قبل الشرطة فقط لأنك شاب أسود ومسلم!
ولا يتعلق تشدد فرنسا بموضوع الحجاب في أرض الملعب على “الحفاظ على المساواة في الرياضة”، بل يتعلق الأمر بمنع وصول أو نجاح أولئك الذين الذين تعتبر “فرنسيتهم ناقصة”، لأنهن من أصول عربية أو أفريقية أو آسيوية، وفي المقابل هن لا يخجلن لا من عقيدتهن ولا من حقهن في التستر.
لقد أسست مشروعاً لتزويد الفتيات بالحجاب الرياضي لمن تختاره، وقد تبنته لأول مرة في دوري نسائي اللاعبة أناتو السادات، أول لاعبة ترتدي الحجاب من غانا، وفي هذا العام، سوف تكون المشاركة الأولى للمغرب في كأس العالم للسيدات، وفي القائمة النهائية لتشكيلة المنتخب، تلعب بنزينة نهيلة، أول محجبة تشارك في كأس العالم للسيدات، ولكن لن يسمح لنهيلة باللعب في فرنسا!
أتساءل، ما مدى فائدة هذا الحظر بالضبط؟ وما الذي سوف تفعله فرنسا عند استضافتها دورة الألعاب الأولمبية الصيفية؟ هل سوف يؤدي الموقف الفرنسي إلى تراجع العديد من الرياضيين عن المشاركة؟ هل ستظل الرياضة في عيون العالم عامل وحدة في حين تُحرم المحجبات في فرنسا من المشاركة؟!
تخيلوا أن تتم محاكمة لاعبة في مباراة ودية فقط لأنها ترتدي حجاباً رياضياً أثناء اللعب، هذا غير مقبول في الرياضة، لكن فرنسا لا تتمسك إلا بقوانين كريهة عنصرية، هل فعلاً تشكل المحجبات خطراً على الحرية والمساواة؟!
أنا وصديقاتي لن نتوقف عن الدفاع عن القضية، ولن نتسامح مع هذا النوع من الإسلاموفوبيا المتنكر في صورة علمانية في الرياضة!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)