أثار قرار الحكومة السورية بالسماح بإرسال المساعدات الإنسانية عبر نقطة عبور رئيسية من تركيا إلى شمال غرب سوريا بشرط أن يتم ذلك “بالتعاون والتنسيق الكاملين مع الحكومة السورية” الغضب أوساط السوريين.
وسيسمح القرار، الذي أرسله سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، الخميس، باستخدام معبر باب الهوى الحدودي لمدة ستة أشهر أخرى، بعد أن قامت روسيا بمنع تمديد مقترح لمدة تسعة أشهر في مجلس الأمن.
أثار كل من التمديد القصير وشرط التعاون الكامل مع الحكومة السورية مخاوف بين الناس في سوريا ومنظمات الإغاثة.
وقالت شيرين إبراهيم، مديرة منظمة Care في تركيا، وهي منظمة إنسانية دولية، إن عدم تجديد آلية المساعدة عبر الحدود التي كانت تعمل سابقًا قد يكون له تداعيات خطيرة.
وقالت في بيان: “إن الاتفاقات الثنائية تضع السلطة والسيطرة في أيدي عدد قليل من الأطراف، مما يجعل مثل هذه الاتفاقات تخضع بطبيعتها لتأثير أكبر بكثير من خلال المصالح السياسية المتنافسة، وغالبًا ما تأتي مع القليل من الشفافية”.
وقُتل منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، أكثر من 300 ألف مدني، ونزح حوالي 14 مليون شخص من منازلهم.
ووفقًا لأرقام الأمم المتحدة، يبلغ عدد سكان شمال غرب سوريا 4.4 مليون شخص، بما في ذلك أكثر من مليوني نازح داخليًا، ما يعني أن ما يقرب من 70 % من السكان في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
ويعد معبر باب الهوى على الحدود التركية شريان الحياة الرئيسي للمساعدات الإنسانية التي تدخل شمال غرب سوريا، على الرغم من أن الحكومة السورية سمحت بمساعدة الأمم المتحدة عبر معبرين آخرين منذ الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في شباط/ فبراير، ويمكن أن تستمر عمليات التسليم عبر هذه المعابر حتى 13 من شهر آب/ أغسطس.
كما أثار قرار الحكومة السورية الغضب على الأرض في سوريا، حيث طالب إبراهيم أحمد اليوسف، 26 عامًا من مخيم أطمة للاجئين شمال غرب سوريا، الأمم المتحدة بعدم التعاون مع الحكومة السورية لأنها “تجعل الأمم المتحدة شريكاً في هذه الجريمة”.
‘نفضل قطع جميع المساعدات إذا دعت الحاجة إلى دخولها عن طريق الحكومة السورية، لأنها ستكون ملطخة بدماء الشعب السوري’ – إبراهيم أحمد اليوسف
وأضاف اليوسف: “عندما أسمع أن الأمم المتحدة وتركيا تجلبان المساعدة من خلال النظام الإجرامي، أشعر بنفس الشعور الذي يشعر به شخص قُتل وطُرد أفراد من عائلته من قبل الحكومة، ثم يُطلب منه المجيء والتصالح معها”.
وقال: “نفضل بشكل قاطع الموت على المصالحة مع النظام الإجرامي”.
وقال اليوسف إن الشعور السائد في المخيمات هو أن الناس “يفضلون قطع كل المساعدات إذا دعت الحاجة إلى دخولها عن طريق الحكومة السورية لأنها ستكون ملطخة بدماء الشعب السوري”.
وأصدرت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة، باربرا وودوارد، بيانًا سلطت فيه الضوء على أهمية ضمان عدم إساءة استخدام المساعدات.
وقالت في اشارة الى الرئيس السوري بشار الأسد: “دون الخضوع لمراقبة الأمم المتحدة، تم تسليم السيطرة على شريان الحياة هذا للرجل المسؤول عن معاناة الشعب السوري”.
ويعتقد السوري عبد الكريم العمر، 40 عاماً، وهو ناشط سياسي من إدلب، إن النظام السوري “سعى إلى جعل قضية المساعدات سياسية”.
وأوضح أن “الحكومة السورية تريد أن ترسل رسالة مفادها أن الأمور تحت السيطرة وأنهم فوق كل شيء، وأنهم على علم بالوضع في شمال غرب سوريا، رغم أنهم هم الذين طردوا السكان من قراهم وقتلوهم”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة السورية للسيطرة على دخول المساعدات إلى البلاد.
وذكر العمر أنه عندما ضرب الزلزال التركي السوري في شباط/ فبراير، سارعت الحكومة السورية في السيطرة على المساعدات التي تصل إلى مناطق معينة.
وقال: “في ذلك الوقت كان هناك قرار من مجلس الأمن للمساعدة في دخول المناطق المتضررة من الزلزال عبر معبرين، لكن الحكومة السورية أصدرت بيانا وسارعت لتولي السيطرة سياسيا وبصورة إنسانية”.
وصرّح فريق ملهم، وهو منظمة خيرية أسسها طلاب سوريون، بالقول إنه إذا تم تنفيذ القرار السوري، “فسيتم إلحاق ضرر كبير بشمال سوريا”.
وأضاف الفريق: “لا نتوقع أنه في حال سيطر نظام الأسد على المعبر، سيتم إيصال المساعدات بشكل صحيح وفعال، لقد شهدنا وسمعنا جميعًا عن أساليبهم في سرقة المساعدات، بما في ذلك الحوادث الأخيرة لوصول مساعدات الإغاثة من أجل الزلزال إلى مناطقهم من دول أخرى “.
“الفساد المنهجي”
لطالما كان إيصال المساعدات إلى سوريا عملية معقدة، فمعبر باب الهوى هو المعبر الحدودي الوحيد بين تركيا والأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، حيث كما وصفته الأمم المتحدة بأنه “شريان الحياة” لأربعة ملايين شخص في محافظة إدلب السورية.
ولطالما جادلت شخصيات معارضة سورية بأن أي مساعدة ترسل عبر وكالات الأمم المتحدة الرسمية إلى البلاد لن ينتهي بها الأمر إلا في أيدي حكومة الأسد، والتي، بصفتها الممثل الرسمي لسوريا لدى الأمم المتحدة، ستقرر في نهاية المطاف إلى أين يتم توجيه المساعدات.
كما خلص تقرير صدر في تشرين الأول/ أكتوبر إلى وجود فساد “منهجي” في المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة لسوريا، حيث يستفيد الأفراد المتهمون بانتهاكات حقوق الإنسان من عقود الشراء مع الهيئة الدولية.
وبين عامي 2019 و 2020، ذهب ما يقرب من 47% من تمويل مشتريات الأمم المتحدة في سوريا إلى شركات مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها حكومة الأسد، وفقًا لتقرير برنامج التطوير القانوني السوري ومرصد الشبكات السياسية والاقتصادية.
وكشف التقرير أن دمشق احتفظت بـ 51 سنتًا من كل دولار مساعدات دولية أنفقته في سوريا عام 2020.
وفي وقت سابق من هذا العام، كشفت تقارير إعلامية أن الحكومة السورية أعاقت جهود الإنقاذ في الشمال الغربي بعد زلزال شباط/ فبراير حيث لم تطلب نشر فرق استجابة طارئة دولية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وأدى عدم وجود استجابة فورية منسقة من الأمم المتحدة إلى انتقادات غاضبة حيث تُركت العائلات لتتدبر أمرها، فيما أظهرت الوثائق أن مسؤولي الأمم المتحدة والمسؤولين السوريين ناقشوا إرسال قوافل المساعدات، ولكن ليس فرق البحث والإنقاذ، إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الأيام التي أعقبت الزلزال.
وقال خبير قانوني إن فشل الحكومة السورية في طلب أو تسهيل نشر فرق الإنقاذ في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة قد يكون انتهاكًا لاتفاقيات جنيف التي تضمن وصول الجهات الفاعلة الإنسانية إلى مناطق النزاع.
وقالت سما كيكي، المديرة التنفيذية لبرنامج التطوير القانوني السوري، وهي منظمة للدفاع القانوني مقرها المملكة المتحدة: “إذا رفضت السلطات السورية دخول هذه الفرق إلى مناطق خارجة عن سيطرتها، فهذا رفض تعسفي محظور بموجب القانون الدولي”.