بقلم باتريك ستريكلاند
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
بين عامي 1975 و 1990، أجبرت الحرب الأهلية في لبنان ما يقرب من مليون شخص على الفرار من البلاد وخلفت حوالي 120 ألف قتيل.
تشكلت الفصائل المسلحة في الغالب على أسس طائفية، وتدخلت الديكتاتورية السورية واحتلت أجزاءً من شمال البلاد، واجتاحت القوات الإسرائيلية المنطقة واحتلت جنوب لبنان، ووقعت المجازر واحدةً تلو الأخرى.
في العقود الثلاثة التي انقضت منذ انتهاء الصراع الذي دام 15 عامًا، ظل مصير لبنان مرتبطًا من نواحِ عديدة بالطائفية والعنف السياسي وشبه العسكري الذي كرسته الحرب.
وبعد أكثر من 32 عامًا، لا تزال مواقع الدفن تُكتشف، وفي كثير من الحالات لم يتم اكتشافها على الإطلاق، حيث لا زالت الجثث مخفية تحت الحدائق والمباني وفي أعماق البحر.
هذه الجثث هي القصة الكئيبة لفيلم “The Soil and the Sea”، وهو فيلم وثائقي جديد يروي قصص أولئك الذين ما زالوا ينتظرون إعادة رفات أحبائهم الذين فُقدوا في تلك المجازر.
ويبحث الفيلم الذي أنتجه دانييلي روجو وكارمن حسون أبو جود، في ماضي لبنان العنيف في مشاهد يومية تعرض أماكن مختلفة في البلاد.
لكن التنقيب عن تاريخ مثل هذا العنف ليس بالأمر الهيّن، ففي لبنان، لا يتم تدريس الحرب الأهلية في المدارس، كما أن من شأن استدعاء ذاكرة روايات المجازر أن يؤجج التوترات القديمة.
لا يعرض الفيلم وجوه الأشخاص الذين تمت مقابلتهم ولا أسماءهم الكاملة، وتظهر أصواتهم على مقاطع من زمن الحرب وأخرى معاصرة للأماكن التي تغيرت منذ فترة طويلة.
القصص التي يرويها الفلم صعبة وعنيفة، والأسوأ من ذلك، أن العديد من رجال الميليشيات في حقبة الحرب الأهلية هم اليوم سياسيون في الحكومة اللبنانية.
أول من تم مقابلتها في مطلع الفيلم كانت أماً لم تكن تعرف أن ابنها ماهر قد بدأ التدريب العسكري خلال الحرب وهو في الصف التاسع.
كانت الأم تأمل في إرسال ابنها إلى الخارج للدراسة، لكن في خضم اجتياح العام 1982، كان ماهر ” مقتنعاً بأن القوات الإسرائيلية يجب ألا تصل إلى بيروت”.
اختفى ماهر مع زملائه من الجامعة اللبنانية التي ذهبت والدته لتبحث عنه فيها، وقيل أن القوات اللبنانية، وهي ميليشيا مسيحية متحالفة مع إسرائيل، نفذت عمليات اختطاف لنحو 60 شخصًا من الجامعة.
تمتد المآسي التي تم سردها في الفيلم إلى معظم أنحاء البلاد، وفي بعض الحالات، تنزف خارج حدودها.
إذ تتذكر امرأة أخرى كيف كانت تحصي الجثث يومياً في منطقةٍ أصبحت الآن أرضًا زراعية، وعلى الرغم من استبدال التربة، تتساءل المرأة:” من يعرف ماذا يوجد تحتها؟”
وأثناء حديثها، تنتقل الكاميرا لتتبع امرأة وطفلاً يمشيان عبر الحقل داخل سياج متسلسل، فيما تقول المرأة إن مواقع مماثلة اختفت تحت الطرق السريعة والمباني السكنية.
لاحقًا، يتناوب الفيلم بين شهادتي رجل وامرأة يتذكران دخول القوات السورية إلى قرية بيت مري، على مقربة من بيروت، في تشرين الأول / أكتوبر 1990، حيث هرب العديد من سكان البلدة وتم أسر آخرين.
تروي إحدى النساء قصة شقيقها الذي اختفى بعد مغادرة عنجر، قريتهم في شرق لبنان، لتوصيل الخضار إلى بيروت في تموز / يوليو 1983.
سألت العائلة الأحزاب السياسية والميليشيات عن مصيره، بل وسافرت إلى سوريا للبحث عنه، ولكن لم يأت عنه أي خبر.
ويصف رجل وامرأة من الذين تمت مقابلتهم تجربتهم الشخصية مع التعذيب والاستجواب والضرب في المدرسة الأمريكية في طرابلس مروراً بعنجر وفي سوريا لاحقًا.
تقول المرأة أنها ضربت بالأسلاك الكهربائية ” كما لو كانوا يضربون بساطاً بعصىً، فيما يروي الرجل أن السوريين وضعوه مع آخرين في غرفة “لمجرد إجبارهم على الإصغاء إلى أصوات الضرب والصراخ من حولنا”.
تسرد النساء للاتي فقدن أحباءهن في مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين سيرة واحدة من أكثر حالات العنف الجماعي التي تم توثيقها على نطاق واسع في زمن الحرب.
فبينما كانت القوات الإسرائيلية تطوق المخيمات في أيلول / سبتمبر 1982، ذبحت القوات اللبنانية المتحالفة معها ما بين عدة مئات إلى 3500 مدني فلسطيني.
وتقول إحدى النساء:” إن القتلى قد انتفخوا في الشمس، وكانت هناك جثث مقطعة الأوصال”.
لم تصل جهود العائلات لتعقب مصير أقاربهم إلى نتيجة بعد، ويعتقد أن أكثر من 100 مقبرة جماعية منتشرة في جميع أنحاء لبنان، حيث الفيلم بالأزمات الماضية التي تركت دون حل.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)