بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد شهد حزب المحافظين في بريطانيا تحوراً كبيراً على مدى العقدين الأخيرين، ففي بداية القرن 21، كان يصنف باعتباره حزب النخبة من الناخبين من وسط انجلترا، لكنه تحول اليوم إلى شكل أكثر شراً، حتى بات يمكن تشبيهه لحزب فيدز الهنغاري اليميني بزعامة فيكتور أوربن، أو حزب AFD الألماني المتطرف، أو حزب الليكود الإسرائيلي بزعامة نتنياهو، أو حزب بهاراتيا جاناتا الهندي والذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
تحول حزب المحافظين إلى حزب يزدري سيادة القانون، ويجامل أقصى اليمين السياسي، وفي كثير من الأحيان يزدري الأقليات، خاصة المسلمين، باختصار لقد أصبح حزباً للمتعصبين!
عام 2020، أظهر استطلاع للرأي، نشرته منظمة Hope Not Hate المناهضة للعنصرية، أن أكثر من نصف أعضاء حزب المحافظين يعتقدون أن الإسلام “يمثل تهديداً لأسلوب الحياة البريطاني بشكل عام”، ويرجع السبب في ذلك إلى تبني الكثير منهم لنظريات المؤامرة.
وفي استطلاع آخر، أجرته شركة YouGov عام 2019، تبين أن ثلثي أعضاء الحزب يرون أن هناك أجزاء جغرافية من بلادهم تعمل بموجب الشريعة الإسلامية، كما تبين أن نصفهم تقريباً يؤمن بفكرة بأسطورة “المناطق المحظورة التي لا يمكن لغير المسلمين دخولها”، وهي أسطورة تم استغلالها من قبل كبار المحافظين، مثل رئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، المعروف بتعصبه ضد المسلمين.
تصريحات مشينة
مشكلة التعصب ضد المسلمين بين أعضاء حزب المحافظين ليست بالجديدة، بل لها جذور شعبية بين أعضاء الحزب، وقد ثبت ذلك من خلال قائمة بأكثر من 100 قضية ضد المسلمين من قبل أعضاء من الحزب، قدمها المجلس الإسلامي البريطاني عام 2020، حيث أدلى العديد منهم بتصريحات مشينة ومقززة عن المسلمين، ودعوهم لمغادرة البلاد، ووجهوا إهانات للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، كما روجوا الأكاذيب حول الإسلام والمسلمين.
أثبت حزب المحافظين، سواء كان بقيادة جونسون أو ليز تروس أو ريشي سوناك، عدم قدرته على التعامل مع الإسلاموفوبيا التي باتت تسمم الحياة العامة في بريطانيا اليوم
أخذ الضغط بالتصاعد، منذ 3 سنوات، من قبل لجنة المساواة وحقوق الإنسان (EHRC)، والتي طالبت بالتحقيق في قضايا الإسلاموفوبيا داخل حزب المحافظين، فرد المحافظون عن طريق ما اعتبروه “تقريراً مستقلاً” أجراه البروفيسور سواران سينغ من جامعة وارويك، عن الإسلاموفوبيا داخل صفوف الحب، في محاولة للظهور بمظهر من يحاول مواجهة المشكلة.
في التقرير، ظهر مصطلح الإسلاموفوبيا بين علامات اقتباس، الأمر الذي يؤكد أن المحافظين يؤكدون بشكل غير مباشر عن الفكرة الشائعة حتى في الأوساط المحافظة بأن الإسلاموفوبيا غير موجودة، ولذلك من غير المفاجئ أن يكون تقرير سينغ قد ابتعد عن قضايا العنصرية المؤسسية.
تقرير مدمر
رغم إهمال تقرير سينغ للمشاكل الرئيسية، إلا أنه تعامل بحرفية مع مسائل الإجراءات القانونية، خاصة إخفاقات نظام الشكاوى المتكررة، فقدم توصيات للتحسين، لكن بعد مرور عامين على كتابة التقرير، يبدو أن مسؤولي الحزب لم يأخذوا بتوصياته بعد، أو أن الأمر فيما يبدو أنهم لن يفعلوا أبداً.
مع ذلك، يبرر سينغ ذلك بقوله أنه “لا تزال هناك فجوة بين النوايا الحسنة لقيادة الحزب والتغيير الدائم على مستوى القاعدة، وهناك مجالات ما زالت بحاجة للمعالجة”، فادعاء سينغ بأن القيادة لديها “نوايا حسنة”، عندما يتعلق الأمر المسلمين إنما يدلل بوضوح على أن التقرير مدمر بالفعل، ويزيد سينغ في إيجاد العذر للمحافظين بالإشارة إلى أن الحزب قد “مر بالاضطرابات” خلال السنوات الأخيرة.
لقد مر أكثر من عامين على توصيات تقرير سينغ، و للآن لم يحرك حزب المحافظين ساكناً، ربما حان الوقت إذن للاستعانة باللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان!
بالتأكيد لا قيمة لهذه الأعذار، فهي لا تمثل شيئاً، فلنتخيل فقط السخرية التي كان سيتعرض لها حزب العمل لو استخدم عذراً كهذا في مواجهة مزاعم معاداة السامية مثلاً!
سم الإسلاموفوبيا
في الواقع، يظهر تقرير سينغ أن حزب المحافظين، سواء كان بقيادة جونسون أو ليز تروس أو ريشي سوناك، قد أثبت عدم قدرته على التعامل مع الإسلاموفوبيا التي باتت تسمم الحياة العامة في بريطانيا اليوم، خاصة سم الإسلاموفوبيا الذي يبثه حزب المحافظين، لأن الحزب في السلطة الآن، ولذلك يتسبب عداؤه للمسلمين بتغذية السياسة العامة في الدولة باستمرار.
هناك أمثلة مهمة على ذلك، فقد تم الكشف عما يسمى بقضية “حصان طروادة” باعتبارها خدعة ترعاها الدولة، بقيادة وزير من المحافظين يدعى مايكل جوف، وتستهدف الأقليات المسلمة في منطقة برمنغهام، كما يعد اختيار ويليام شوكروس، المعروف بآرائه المثيرة للجدل حول الإسلام، لمراجعة استراتيجية “المنع” مثالاً آخر.
إضافة إلى ذلك، فإن الفشل المنهجي لوزراء الحزب في معالجة قضايا إغلاق الحسابات المصرفية الإسلامية يعد مثالاً مهماً أيضاً، خاصة مع الفرق في حجم الاهتمام وتسليط الضوء على قضية السياسي البريطاني الذي أغلق حسابه مؤخراً، نايجل فاراج.
ومن الأمور التي تثير الاستغراب أيضاً، أن لجنة المساواة وحقوق الإنسان، التي كانت سريعة في تجاوبها عندما تم توجيه مزاعم معاداة السامية ضد حزب العمال الذي ينتمي إليه جيرمي كوربن، كانت في المقابل مترددة في التحقيق في مشكلة حزب المحافظين مع المسلمين في بريطانيا.
لقد مر أكثر من عامين على توصيات تقرير سينغ، و للآن لم يحرك حزب المحافظين ساكناً، ربما حان الوقت إذن للاستعانة باللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)