بقلم سين ماثيوز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الشرق الأوسط سلعة جديدة مميزة، هي زيت الزيتون، ففي تونس ارتفع سعر الكيلوغرام من زيت الزيتون البكر الممتاز بنسبة 100% عن العام الماضي، كما أن الطلب على زيت الزيتون في تركيا مرتفع جداً، حتى أن الحكومة فرضت ضريبة جديدة بقيمة 20 سنتاً على كل كيلوغرام يتم تصديره.
زيتونة العكاريت، تعتبر من أقدم أشجار #الزيتون في #تونس، عمرها 900 سنة وموطنها تطاوين بالجنوب الشرقي. تنتج هذه الشجرة كل عام 1500 لتراً من الزيت. محيطها 135 متراً ومساحتها المغطاة 1100 متر مربع. ارتفاعها يصل إلى 5 أمتار. يقام لهذه #الشجرة مهرجان سنوي لجني زيتونها في أجواء احتفالية pic.twitter.com/2DXrLxyNO8
— Wejdene Bouabdallah 🥏 (@tounsiahourra) December 25, 2022
تعد سوق زيت الزيتون ضيقة للغاية، فصغار المنتجين مثل لبنان مثلاً، تشهد طلباً غير مسبوق على زيت الزيتون، مؤخراً، وصلت شركة إسبانية إلى لبنان واشترت كل احتياطيات البيع بالجملة، الأمر الذي أثار مخاوف حول حدوث نقص في الصادرات التي تحمل علامة تجارية لبنانية، فقد صرح مدير مشروع Fair Trade Lebanon، كريستيان كامل، بأنه “إن كان لدي طلب كبير قادم اليوم من الولايات المتحدة أو أوروبا، لن أتمكن من تلبيته، لأن الإسبان أفرغوا لبنان من زيت الزيتون”!
الإسبان باتوا يبحثون عن زيت الزيتون من أي مكان يمكنهم العثور عليه، فقلة الإنتاج الإسباني فتحت الفرص أمام دول أخرى تنتج الزيتون
في جنوب أوروبا، تسبب ارتفاع درجات الحرارة في ارتفاع الأسعار أيضاً بشكل كبير، فإسبانيا، التي تنتج نصف زيتون العالم، تعاني من جفاف حاد، حيث أنتجت 620 ألف طن فقط خلال موسم حصاد 2022-2023، بما يشكل انخفاضاً بمقدار 1.5 مليون طن عن إنتاجها المعتاد.
لقد أدى ذلك إلى لجوء الكثير من المنتجين الأوروبيين إلى تونس، أكبر منتج لزيت الزيتون في العالم العربي، من أجل سد الفجوة، فتونس تبيع ما نسبته 90% من زيت الزيتون بكميات كبيرة إلى منتجين من العيار الثقيل في كل من إسبانيا وإيطاليا، اللتان تقومان بخلطه مع زيت آخر وبيعه بعلامة إيطالية أو إسبانية.
وفقاً للمعايير التاريخية، فقد كانت غلة محاصيل عام 2022-2023 من الزيتون منخفضة نسبياً، غير أن السوق الضيق كان له دور في ارتفاع عائدات التصدير بنسبة 37%، وتشير التقديرات إلى زيادة الصادرات بنسبة 30% لتصل إلى 200 ألف طن متري في حصاد خريف 2023-2024 المرتقب، مقارنة بـ 155 ألف طن متري في الخريف الماضي.
يقول مدير التسويق في شركة تصدير زيت الزيتون التونسية “بلاريجيا”، فهد بن عامر، أن “شجرة الزيتون التونسية أكثر مقاومة للجفاف مقارنة بالشجرة الإسبانية”، ولذلك عندما تعرضت أوروبا لدرجات حرارة قياسية، زادت المخاوف من نقص زيت الزيتون على مستوى العالم، خاصة في إسبانيا في الخريف القريب المقبل، لهذا السبب تتجه الشركات إلى مناطق أخرى في العالم، فالإسبان باتوا يبحثون عن زيت الزيتون من أي مكان يمكنهم العثور عليه، فقلة الإنتاج الإسباني فتحت الفرص أمام دول أخرى تنتج الزيتون.
ليس بحاجة للري مثل أوروبا
يعد لبنان أحد أهم الدول التي تم التحول إليها فيما يتعلق بالبحث عن الزيتون، فبساتين الزيتون تشكل حوالي 23% من إجمالي الأراضي الزراعية في لبنان، وعلى عكس تونس، يأتي الإنتاج من المزارع العائلية الصغيرة بشكل أساسي، ففي عام 2021-2022، أنتج لبنان 15 ألف طن متري من زيت الزيتون فقط.
من جانب آخر، لم يتأثر محصول لبنان بظروف الجفاف التي ضربت بقية دول حوض المتوسط، فبحسب الخبراء، تعد مزارع لبنان من الجيل الرابع، والتي تتكيف مع ظروف المناخ.
لا يخفى أن لبنان يعيش اليوم انهياراً اقتصادياً أدى إلى فقد عملته لـ95% من قيمتها مقابل الدولار، كما تعاني البلاد من انقطاع التيار الكهربائي وانهيار البنية التحتية، أزمات أدت إلى ارتفاع تكاليف التعبئة والإنتاج، ولكن تبقى الميزة الوحيدة أن لبنان لا يحتاج لسقاية سجر الزيتون كما تحتاج أوروبا.
على سبيل المثال، تبيع شركة “مازاك” اللبنانية قارورة زيت الزيتون التي تبلغ سعتها 75مل من الزيتون البكر الممتاز مقابل 20 دولاراً في دبي، يمكن للمتسوقين شراء الإسباني المخلوط بالتأكيد فهو أرخص بنسبة 40%، لكن تقديرات السوق تشير إلى أن الفجوة في الأسعار سوف تقل خلال الفترة القادمة، بسبب احتمالية ارتفاع سعر الزيت الإسباني.
أوروبا بحاجة لزيت العالم العربي
ينتمي لبنان إلى منطقة بلاد الشام، حيث كانت تحتل صناعة زيت الزيتون في سوريا المرتبة الرابعة عالمياً قبل الحرب الأهلية، ولا يزال بعض محصولها، الذي بلغ 143 ألف طن متري عام 2020-2021، يتم بيعه في تركيا.
يمكن أن تكون صادرات زيت الزيتون نقطة ازدهار مضيئة بالنسبة لبلدان تعاني اقتصاداتها من ضائقة شديدة
رغم الإنتاج الغزير واشتهارها بزيت الزيتون منذ آلاف السنين، إلا دول بلاد الشام بالمجمل لم تتمكن من تكوين بصمة تصديرية في الأسواق المتقدمة، فمعظم المزارع ما زالت تدار من قبل عائلات، وتفتقر إلى التنافس مع تونس أو إسبانيا، كما أنهم لا يتمتعون بجاذبية العلامة التجارية الإسبانية أو الإيطالية إن صح التعبير.
وينطبق الأمر نفسه على مصدري زيت الزيتون في تركيا، رغم تحقيقهم رقماً قياسياً في حصاد 2022-2023، حيث بلغ إنتاج الزيت حوالي 420 ألف طن متري، فوفقاً لصاحبة الشركة التركية الشهيرة Hic، دويغو أوزرسون، والتي تملك 60 ألف شجرة زيتون في ولاية إزمير، فإنه عندما تقوم بتصدير زيت الزيتون، تصبح بحاجة “لوضع سعر أكثر تنافسية على الرف”، مشيرة إلى أن هوامش أرباحها “ستظل بذلك أقل من اليونان وإيطاليا”.
وتؤكد أوزرسون أن “جميع الأوروبيين يأتون لشراء كميات كبيرة” من زيت الزيتون من تركيا، حيث تقول “نحن نعلم أنه لا يوجد في أوروبا زيتون على الأشجار الآن، لذلك نحافظ على الأسعار بأعلى مستوى لأننا ندرك أنهم بحاجة للشراء منا”، كما أوضحت أوزرسون أن سعر كيلو زيت الزيتون التركي زاد بأكثر من الضعف عن منذ بداية العام، حيث وصلت أسعار يوليو إلى 185 ليرة تركية للكيلو أي ما يعادل 6.8 دولار، فـ “زيت الزيتون صار ذهباً” على حد وصفها.
عطاءات إلهية
هذه الأسعار المرتفعة جاءت في الوقت المناسب بالنسبة للمنتجين الأردنيين، حيث يخطط تحالف مكون من 4 مزارع كبيرة، أحدها يملكها الملك الأردني عبد الله الثاني، لإطلاق علامة تجارية خاصة في الولايات المتحدة.
يقول التاجر الأردني عدنان الخضري، أحد السماسرة في صفقة تحالف المزارع الأربعة، “نحن في الأردن نسبح بزيت الزيتون، صحن الحمص عندنا غارق بزيت الزيتون”، ويبلغ متوسط إنتاج الأردن حوالي 25 ألف طن متري سنوياً، وهي نسبة ليست كبيرة، لذلك يستهلك السوق المحلي معظمها، فبحسب الخضري، لا يبقى الكثير للتصدير، فهو يسعى إلى تسويق الفائض الذي لا يتجاوز 5 آلاف طن في الغرب.
“زيت الزيتون التركي رخيص على مستوى العالم، وليس هناك مكاسب كبيرة في هامش الربح، فالمنتجون يكافحون من أجل تجنب تأثير انخفاض قيمة الليرة” دويغو أوزرسون- صاحبة شركة Hic التركية
يباع زيت الزيتون البكر الأردني بسعر مرتفع جداً، ومع تناقص الكميات في أوروبا، تصبح تلك ميزة للأردن، ويقول الخضري “من الرائع بالنسبة لنا أننا استهدفنا الفئة الأكثر ارتفاعاً، في بعض الأحيان يبتسم الحظ من حيث لا نعلم”.
أما الخبير الأردني في زيت الزيتون والذي يملك مزارع الجود في الأردن، نضال السمين، فيرى أن صناعة زيت الزيتون في الأردن في وضع جيد فيما يتعلق بتقلبات المناخ، خاصة وأن الأردن واحد من أكثر دول العالم ندرة في المياه، يقول السمين “تعتبر شجرة زيتون النبالي المحلية مثالية لظروف الجفاف، فهي تزدهر في الصحراء، وأفضل زيت الزيتون جودة في الأردن هو ما يتم إنتاجه دون ري في الصحراء”.
يمكن أن تكون صادرات زيت الزيتون نقطة ازدهار مضيئة بالنسبة لبلدان تعاني اقتصاداتها من ضائقة شديدة، حيث يواجه الأردن معدل بطالة مرتفع، ويعتمد بشكل ما على المساعدات الأمريكية.
أما تركيا، فهي تعاني من التضخم الذي وصل إلى 40% بالإضافة إلى تراجع في العملة، ومع ذلك تؤكد أوزرسون أن زيت الزيتون التركي “رخيص على مستوى العالم، وليس هناك مكاسب كبيرة في هامش الربح، فالمنتجون يكافحون من أجل تجنب تأثير انخفاض قيمة الليرة”.
من جانبها، تتطلع الحكومة التركية أيضاً إلى تعزيز خزائنها وتشجيع المزيد من الصادرات بعلامات تجارية خاصة وسط جنون الشراء الحاصل في العالم اليوم، وبالنسبة لأوزرسون التي تعمل في سوق إنتاج زيت الزيتون، فهي تدعم الضريبة الجديدة على صادرات زيت الزيتون بكميات كبيرة، وتقول “70% من المبيعات محلية و30% يتم تصديرها فقط، هدفي هو تبديل تلك النسبة”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)