بقلم مجدي الخالدي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في الوقت الذي تقدم فيه الحكومة الإسرائيلية على بناء عدد غير مسبوق من الوحدات الاستيطانية الجديدة وتطبيق العشرات من القوانين التمييزية، يواصل السياسيون في الغرب مدح قيم إسرائيل “الديمقراطية والليبرالية”، فيما يبدو أنهم قد يئسوا من إيجاد أي مبرر كان من أجل حماية إسرائيل رغم كل ما تفعله!
في خطابه، لم يتحدث هرتسوغ عن حل الدولتين، ولكن عن من أسماهم “جيران إسرائيل الفلسطينيين”، وكأنهم ليسوا تحت الاحتلال
ظهر هذا الموقف بوضوح في صميم الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ أمام الكونغرس الأمريكي، حيث تعززت مرة أخرى رسالة الإفلات من العقاب على الجرائم والانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل دون أي اعتبارات تتعلق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان أو حتى المبادئ الموجودة في أجندة عملية السلام التي رعتها الولايات المتحدة.
لقد عبر خطاب هرتسوغ بشكل واضح عن مصالح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فقد مجد إسرائيل الأسطورية باعتبارها منارة للديمقراطية والمساواة، وكأن عشرات القوانين الإسرائيلية التي تحرم الفلسطينيين من حقوقهم ليست موجودة، في وقت يتمتع فيه اليهود الإسرائيليون بكامل الحقوق!
ببساطة، من المشين أن يستمع السياسيون الأمريكيون لخطاب ينكر النكبة ويبيض صفحة الاحتلال في قاعة الكونغرس!
في إسرائيل، يوجد أكثر من 70 قانوناً تمييزياً ضد الفلسطينيين، كلها تدخل في نطاق جرائم الفصل العنصري، وفقاً لمنظمات حقوق إنسان مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وحتى بتسيلم الإسرائيلية، مثل قانون الدولة القومية اليهودية الذي يقتصر على تقرير المصير لليهود فقط، وقانون العودة الذي يسمح لليهود فقط بالدخول والحصول على جنسية الدولة، بالإضافة إلى قانون أملاك الغائبين الذي ينظم سرقة ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، والحظر على لم شمل العائلات الفلسطينية، وحرمان العائلات الفلسطينية المسيحية والمسلمة في القدس أو إسرائيل من الحق في العيش معاً إذا كان أحد الزوجين يحمل بطاقة هوية فلسطينية.
لا مصلحة في عملية السلام
في خطابه، لم يتحدث هرتسوغ عن حل الدولتين، ولكن عن من أسماهم “جيران إسرائيل الفلسطينيين”، وكأنهم ليسوا تحت الاحتلال! ما تناسى أو غفل عنه هرتسوغ في خطابه هو أن “الجيران” يشكلون أكثر من 50% من السكان في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، يحصل فيها اليهود الأقل عدداً من الناحية الديموغرافية على حقوقهم كاملة، بينما يُحرم الشعب الفلسطيني من الحقوق المدنية والإنسانية.
تناسى أيضاً هرتسوغ، في كلمته، أن الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ملك لفلسطين بموجب القانون الدولي، بما في ذلك مئات الآلاف من الفلسطينيين الأمريكيين، ببساطة، من المشين أن يستمع السياسيون الأمريكيون لخطاب ينكر النكبة ويبيض صفحة الاحتلال في قاعة الكونغرس!
لم يكن الخطاب محاولة لصنع السلام، بل تمريناً في العلاقات العامة ليس إلا، قام فيه هرتسوغ بتقديم أوراق اعتماد في واشنطن في محاولة التخفيف من توتر العلاقات مؤخراً بين إدارة بايدن ونتنياهو، حتى أن مشاكلهم لا تتعلق بالشعب الفلسطيني، وكأن حرمانه من حقوقه قد تم تطبيعه بالفعل في واشنطن، فالمشاكل تتمحور حول الخلافات الداخلية الإسرائيلية فقط.
يمكن القول أن هذا الكونغرس الأمريكي الذي يؤيد سياسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، هو نفسه الذي أيد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في السابق، فالحكومة الحالية لم تعارض غالبية الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب في دعم الضم الإسرائيلي وإنكار حقوق الفلسطينيين، كما أن الكونغرس لا يزال يعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية تماماً مثلما اعتبر المؤتمر الوطني الإفريقي في السابق.
لا يمثل هرتسوغ سوى الدبلوماسية الإسرائيلية التقليدية، التي تتستر على جرائم الحرب بابتسامة ومصافحة، فهو ليس إلا تمثيلاً مطوراً ومصمماً لجمهور معين على استعداد أصلاً لمنحه الكلمة في المنصة، فهو لم يذكر المتدينين المتطرفين مثلاً، لأنها سمعة سيئة في دعايته، وفي المقابل على الأرض، يتم تنفيذ الخطط الكارثية للمستوطنين من خلال شخصيات مثل سموتريتش وبن غفير، وهي خطط تدعو في جوهرها إلى نكبة ثانية وتهجير قسري وفصل عنصري بحق الفلسطينيين.
هل من أمل؟
مع ذلك، لا تزال هناك أسباب للتفاؤل بالتأكيد، أولها المقاطعة التي بادر بها عدد من أعضاء الكونغرس ضد خطاب الرئيس الإسرائيلي، فهي أهم مما قد يعتقد البعض، لأنها تمثل النسبة المتزايدة من الأمريكيين المؤيدين لحقوق الفلسطينيين، فالاعتراف بأن إسرائيل نظام فصلا عنصري آخذ بالتزايد في الولايات المتحدة، حيث أصبحت العديد من الكنائس ومنظمات المجتمع المدني تدعو إلى اتخاذ تدابير ملموسة ضد الاحتلال.
يظل التحول في الرأي العام الأمريكي المتعاطف مع الفلسطينيين وأعضاء الكونغرس الذين قاطعوا جلسة هرتسوغ يمثل مصدر أمل في طريق تحقيق الحرية والاستقلال للفلسطينيين
بوجه عام، هناك مبالغة في تقديم أعداد من يؤيدون إفلات إسرائيل من العقاب مقارنة بما هو عليه حقيقة الرأي العام الأمريكي، الذي يمكن أن يصبح نقطة تحول في النضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة والسلام، وسوف يستمر الشعب الفلسطيني وحلفاؤه في النضال من أجل الحرية أينما كانوا، ودعوة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لاتخاذ تدابير ملموسة لمساءلة إسرائيل، بما في ذلك إجراءات ضد إرهاب المستوطنين.
إضافة إلى ذلك، لقد أصبح من الواضح أن الاعتراف بدولة فلسطين باتت خطوة عاجلة يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المضي فيها للتأكيد على دعمهما لحل سياسي، بدلاً من الصمت حيال ممارسات حكومة المستوطنين الحالية.
الحقيقة أن الشعب الفلسطيني لن يختفي نتيجة لجهود تبييض السياسات الإسرائيلية، ففي الوقت الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية بخطوات بهدف ضم كل فلسطين التاريخية، يجب أن يرتفع صوت من يدعون للسلام على أساس النظام العالمي القائم على قواعد وإجراءات من أجل الحرية الفلسطينية بدلاً من تعزيز إسرائيل.
في المحصلة، خطاب هرتسوغ في الكونغرس يمثل استمراراً للوضع الراهن الذي يتم فيه حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، ويظل التحول في الرأي العام الأمريكي المتعاطف مع الفلسطينيين وأعضاء الكونغرس الذين قاطعوا جلسة هرتسوغ يمثل مصدر أمل في طريق تحقيق الحرية والاستقلال للفلسطينيين.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)