بقلم دانيا أبو الحاج
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال سنوات مضت، حرص مهندسو الاحتلال الإسرائيلي على إرساء سياسات من أجل زيادة تفكك الشعب الفلسطيني، ليس جسدياً فقط وإنما نفسياً أيضاً، ربما يكون من السهل على الناس عامة قراءة السياسة بمعزل عن التجارب الحية لمن أثرت بهم تلك السياسة، إلا أن تكتيك “فرق تسد” الإسرائيلي أدى إلى خلق حقائق مختلفة على الأرض بالنسبة للشعب الفلسطيني.
تجلت سياسة “فرق تسد” في إبعاد المقدسيين عن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإبعاد الفلسطينيين داخل إسرائيل عن اللاجئين وفلسطينيي الشتات، الأمر الذي ساهم في تباعد فهم الحقائق المعيشية لكل منهم عن الآخر، في ظل احتلال وحشي ومسيطر ومجرد من الإنسانية!
إذا ما تم تطبيق الإجراء 2022 كما هو متوقع في الأشهر المقبلة، فإن ذلك سوف يعمق واقع التشرذم الذي يعيشه الفلسطينيون أصلاً، والمنفصل عن كل الوعود والقيم التي هي ركائز إجماع المجتمع الدولي!
من أبرز الأمثلة الأخيرة على هذه السياسة، إجراء يُعرف باسم “إجراء 2022” يديره منسق أنشطة الحكومة في مناطق “كوغات”، حيث دخل الإجراء حيز التنفيذ في أواخر العام الماضي.
تعد “كوغات”، هيئة عسكرية إسرائيلية تستخدم اسماً مخففاً للتعبير عن الوحشية التي تمارسها تلك الهيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد تم تصميم الإجراء لتعزيز السيطرة العسكرية الإسرائيلية، مما يجعل من الصعب على فلسطينيي الشتات التدريس أو الدراسة أو التطوع أو العمل أو العيش داخل الضفة الغربية.
لقد شاركت مؤخراً في كتابة تقرير بعنوان “خلف السياج: قواعد إسرائيل لعام 2022 حول دخول الرعايا الأجانب إلى الضفة الغربية”، والذي يوضح كيف تُظهر اللوائح تجاهل إسرائيل التام لالتزاماتها فيما يتعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي تشمل الخصوصية والحياة الأسرية وحرية التنقل والتنمية الاقتصادية والتعليم والتمتع بالحقوق الفكرية والثقافية.
ترسيخ الفصل العنصري
يتمحور إجراء 2022 حول العمل على تعميق وترسيخ الاحتلال والضم والفصل العنصري، فمن خلال منع العائلات الفلسطينية، التي يكون أحد أفرادها مواطناً أجنبياً، من العيش سوياً، تخلق إسرائيل بيئة محفزة على “نقل صامت”، إن صح التعبير، لعائلات بأكملها من الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى تعزيزها لمنطق المراقبة والسيطرة التي يريد النظام العسكري الإسرائيلي الاحتفاظ بها، من أجل التأكد من جعل الحياة اليومية في الضفة جحيماً لا يُطاق.
السجن ليس بالضرورة زنزانة ذات جدران وحارس، في بعض الأحيان، يمكن أن يكون دولة بأكملها تحت غطرسة الاحتلال العسكري!
لا تزال القواعد جديدة، ولذلك لا يمكن التأكد من تأثيرها الفعلي على الأرض، فهذا الصيف هو الأول في بدء تنفيذها، لأنه الوقت الذي يزور فيه فلسطينيو الشتات من جميع أنحاء العالم عائلاتهم ومنازلهم في الضفة الغربية، فقد يؤدي إجراء “كوغات” إلى منع دخول تعسفي عن طريق جسر اللنبي مثلاً، ومن هنا يجب مراقبة تلك الحالات وتوثيقها وإيصالها إلى الحكومات التي يتم رفض دخول مواطنيها.
يوجد أيضاً تأثير آخر ربما لا يكون ملموساً لإجراء “كوغات”، وبالتالي يصعب قياسه أو رؤيته، وهو أن الكثير من الناس سيشعرون بالارتباك والترهيب بسبب هذه اللوائح، لدرجة قد تثنيهم عن السفر إلى الضفة من حيث المبدأ، وهذا حاجز آخر يمكنه منع الناس من رؤية الحقائق اليومية للاحتلال الإسرائيلي وقمع الفلسطينيين.
لا مبالاة مروعة!
عندما تم نشر المسودة اللوائح لأول مرة، جلست مع زميل لي نتدارس الوثيقة المكونة من 97 صفحة، ولكننا أدركنا أن قراءة تلك القواعد صعبة للغاية حتى بالنسبة لمحترف قانوني يتمتع بخبرة 8 سنوات، فقد كانت غامضة ومربكة!
بعد انتقادات الرأي العام ومجموعات حقوق الإنسان، تم تعديل أو إلغاء بعض البنود الموجودة في الوثيقة في نهاية المطاف، لكن تلك التغييرات كانت مجرد قطرة في محيط كبير جداً من الإجراءات القاسية، فالسياسة التي تفصل بين السكان في العالم الخارجي من خلال كل الوسائل الممكنة، بما في ذلك السيطرة على من يُسمح لهم بالدخول، تثير القلق بالفعل.
وإذا ما تم تطبيق الإجراء 2022 كما هو متوقع في الأشهر المقبلة، فإن ذلك سوف يعمق واقع التشرذم الذي يعيشه الفلسطينيون أصلاً، والمنفصل عن كل الوعود والقيم التي هي ركائز إجماع المجتمع الدولي!
لم يعد صمت المجتمع الدولي ولا الدول الثالثة أو الوسيطة يتجاوز فقط حقيقة ازدراء الفلسطينيين وهضم حقوقهم، بل يدلل أيضاً على لا مبالاة مروعة تجاه دولة تواصل ارتكاب جرائم الفصل العنصري والاضطهاد ضد الإنسانية، وهذا بحد ذاته تذكير على أن السجن ليس بالضرورة زنزانة ذات جدران وحارس، في بعض الأحيان، يمكن أن يكون دولة بأكملها تحت غطرسة الاحتلال العسكري!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)