قبل عشر سنوات، في الساعات الأولى من يوم 14 آب/ أغسطس 2013، اقتحمت قوات الأمن المصرية ميدان رابعة في القاهرة، وشنت هجومًا شرسًا على النشطاء المؤيدين للديمقراطية الذين اعتصموا احتجاجًا على الانقلاب العسكري الذي وقع قبل ستة أسابيع.
جاءت هذه الأحداث في أعقاب الثورة الشعبية عام 2011 التي أطاحت بالديكتاتور المصري الهرم حسني مبارك، الذي ظلّ في السلطة لمدة ثلاثة عقود.
قبل 10 سنوات، قتلت قوات الأمن المصرية أكثر من ألف متظاهر في القاهرة.
لماذا لا ننسى #مذبحة_رابعة؟ #مصر 🧵 في 10 تغريدات 👇https://t.co/u7w26FTxpN pic.twitter.com/5GJCtKSraN— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) August 14, 2023
وخلال السنتين المضطربتين اللتين تلتا تلك الأحداث، اتخذت مصر خطوات مترددة نحو الديمقراطية، وانتخبت برلمانًا ورئيسًا جديدين، ووضعت دستورًا جديدًا.
كانت الأمور بعيدة عن الكمال، لكن البوصلة راحت تتجه نحو الديمقراطية بشكل كبير، بيد أن المشكلة بالنسبة للعديد من المراقبين كانت تكمن في أن هؤلاء “الديمقراطيين” جاءوا بأعداد كبيرة من جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة سياسية إسلامية ذات توجه ديمقراطي اكتسبت الأغلبية في البرلمان وحازت على الرئاسة في عام 2012.
كان يُنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين بعين الريبة من قبل العديد من الجهات المؤثرة، داخل مصر وخارجها وذلك على الأرجح بسبب خلفيتهم الإسلامية، لا الليبرالية.
وقام العديد من الليبراليين المصريين في نهاية المطاف بدعم الانقلاب العسكري عام 2013، الذي تم تمكينه بدعم من الدول المعادية للثورة في منطقة الشرق الأوسط، كما دعموا حملات القمع الدموية التي تلت ذلك.
ووقعت أعنف هذه الأحداث في ميدان رابعة شرق القاهرة، حيث أكدت الدراسة الأكثر شمولاً التي أجرتها هيومن رايتس ووتش أن “أكثر من 1000” متظاهر قُتلوا على أيدي قوات الأمن المصرية.
وما لم يعرفه الكثيرون هو أن هذه الحملات حظيت أيضًا بدعم رجال الدين البارزين، ففي كتابي “الإسلام والثورات العربية”، أقوم بدراسة منهجية للنقاشات الدينية التي دارت على الصعيدين: المؤيد والمخالف للثورات وللانقلاب اللاحق في مصر في أوائل عام 2010.
تبرير الفظائع
اشتهر أحد أبرز رجال الدين في مصر، الشيخ علي جمعة، العالم الذي طور علاقات وثيقة مع نظام السيسي، بشكل خاص بدعمه العلني وتبريره للمذابح بحق المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية التي وقعت في صيف 2013، ففي الأسابيع التي سبقت مذبحة رابعة، والتي شهدت أيضًا عددًا من الفظائع الصغيرة التي ارتكبتها قوات الأمن، وفر جمعة الشرعية الدينية لاستخدام القوة ضد المتظاهرين.
افتى جمعة بإمكانية قتل أولئك الذين كانوا يحتجون على انقلاب السيسي، نقلاً عن تعاليم النبي محمد، التي يُفهم منها ظاهرياً أنها تبرر محاربة أولئك المنخرطين في تمرد مسلح ضد الدولة.
و عندما وقعت عمليات القتل الجماعي كان رد فعل جمعة حماسيًا، حيث ألقى خطبة احتفالية خاطب فيها كبار ضباط قوات الأمن، بمن فيهم عبد الفتاح السيسي، وقال إن أفعالهم حظيت بدعم الله، وكان أسوأ تصريح أدلى به في خطبته هو حثه الجنود على أن “يطلقوا النار لقتل” المتظاهرين.
وأضاف على ذلك تأكيده على الدعم الإلهي لقوات الأمن المصرية، مؤكدًا أن “الدين في صفك” و “الله في صفك”.
بصفته مفتيًا متقاعدًا في مصر وعضوًا في أعلى هيئة دينية في البلاد، تمتعت فتاوى جمعة الدينية بتداول واسع في مصر، وقد حصل أحد طلابه، أسامة الأزهري، على منصب مستشار ديني رسمي للسيسي، كما عين السيسي جمعة في مجلس النواب المصري عام 2021.
فرق حاسم
يذكرنا هذا بأن الديكتاتوريين في المنطقة يستغلون الدين لدعم حكمهم السياسي مثلما يفعل من يُسمون بالإسلاميين، فالحقيقة هي أن الديكتاتوريين كما السيسي وشركائه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك الإماراتي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية، يسخرّون الإسلام وعلمائه الذين ترعاهم الدولة للحفاظ على قبضتهم على السلطة السياسية، فكلهم “إسلاميون” بهذا المعنى.
إذا كانت الإسلاموية التزامًا بـ “الإسلام السياسي”، أي الاعتماد على الإسلام لتبرير السياسات، فإن السيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان جميعهم إسلاميون مستبدون قاموا بتوظيف الدين لتحقيق طموحاتهم السياسية الشخصية.
لكن هناك فرقًا جوهريًا بين الإسلاميين وأنصارهم الذين ذبحهم الجيش المصري عام 2013، والإسلامويين كالسيسي وأعوانه في المؤسسة المصرية العلمانية، فالفرق هو أن الإخوان المسلمين متحمسون للديمقراطية، بينما يعارضها بشدة السيسي وديكتاتوريون آخرون.
يجب على صانعي السياسة الغربيين أن يتقبلوا حقيقة أن القتال الفعلي الدائر في الشرق الأوسط ليس بين الإسلاميين والعلمانيين، وإنما بين الإسلاميين المستبدين والإسلاميين الديمقراطيين.
يأتي الإسلاميون المستبدون بأشكال مختلفة، إذ يمكن لهم أن يشبهوا داعش، لكن يمكنهم أيضًا أن يشبهوا السيسي، فهم يعكسون قيماً سياسية متشابهة، لكن الإسلاميين الديمقراطيين، بكل أخطائهم، يقدمون رؤية بديلة للشرق الأوسط، رؤية تتميز بالحرية السياسية بدلاً من القمع.
في هذه الذكرى السنوية “لأسوأ عمليات القتل الجماعي غير القانونية” في تاريخ مصر الحديث، نحسن صنعاً أن نتذكر شهداء الحرية والديمقراطية الذين تخلت عنهم القوى الغربية التي لا ترغب في تقديم أكثر من مجرد التشدق بهذه القيم، وهي قيم تستحق الذكر، ومرغوبة بشدة في الشرق الأوسط اليوم.
في كتابه لعام 2018 عن الثورات العربية، كتب الصحفي في نيويورك تايمز و الناجي من مذبحة رابعة، ديفيد كيركباتريك: “إن مذبحة رابعة تفوق مذبحة ميدان تيانانمين في الصين عام 1989”.
بينما يعبر الغرب عن دعمه القوي للديمقراطية التايوانية في مواجهة قعقعة الصين، يجب أن نتذكر أهمية مناصرة النضالات الديمقراطية في كل مكان.
بقلم أسامة الأعظمي
ترجمة وتحرير موقع بالعربية
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)