بقلم أحمد جميل عزم
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
بعد الهجوم الإسرائيلي الموسع على جنين الشهر الماضي، شعرت أن الرد الفلسطيني هذه المرة كان مختلفًا عن المعتاد، فعلى الرغم من الدمار الشامل في المخيم والشوارع والمباني، بدا أن إسرائيل لم تحقق سوى القليل جدًا فيما يتعلق بالقضاء على الجماعات المسلحة الأساسية.
وبعد أن وصلت إلى فلسطين عقب الهجوم، استغرق الأمر عدة أيام لترتيب زيارتي للمخيم حيث قابلت أقارب وأصدقاء، واكتشفت شيئًا مذهلاً وهو أن بناتهم وأبناؤهم يعرفون تفاصيل “شهداء” نابلس وجنين، الشبان الذين قُتلوا في المواجهات الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، وتبين لي أن الجيل الجديد لديه مجموعة جديدة من الأبطال.
وفي منتصف شهر تموز/ يوليو، اصطحبني أحد الأصدقاء إلى مخيم جنين، وبينما كنا في الطريق رتبنا للقاء ناشط محلي بارز كان ينتظرنا لدى الوصول، عرفنا مضيفنا على مجموعة من الأشخاص الذين يقفون بالقرب من مركز شباب المخيم، وقد أدهشتني الابتسامات المنتصرة على وجوههم.
إنفو_جرافيك| العدوان الإسرائيلي على #جنين.. دمار وخسائر
إعداد| وكالة سند للأنباء.. pic.twitter.com/rhkqEyBWjv
— وكالة سند للأنباء – Snd News Agency (@Snd_pal) July 6, 2023
كنت حريصاً على أن اناقش معهم فكرة “قواعد الاشتباك” الجديدة في الصراع المستمر مع إسرائيل.
لقد قد كان عدد الضحايا الناجم عن هجوم جنين الأخير ضئيلًا نسبيًا، حيث قُتل 12 شخصًا بينهم العديد من المراهقين.
وقال والد شاب أصيب في الهجوم إن ابنه جاء إلى جنين لمساعدة الناس، وأظهرت لقطات فيديو أن الشاب البالغ من العمر 22 عامًا كان أعزل عندما أصيب بنيران إسرائيلية.
ويقول مقاتلو المقاومة من شباب المخيم إن الجيل الأكبر، بمن فيهم الرجال الذين قاتلوا خلال الانتفاضة الثانية، نقلوا لنا درسًا مفاده: “لا تجعلوا من أنفسكم أهدافاً سهلة، نحن نحتاجكم أحياء”.
كما شرح لي بعض الرجال الذين تحدثت معهم كيف تحولوا إلى “إعادة الانتشار التكتيكي”، وهي استراتيجية تتضمن التمسك بمبادئ الحرب غير المتكافئة، باستخدام مجموعات صغيرة ومواجهات سريعة، بدلاً من المعارك العسكرية واسعة النطاق.
الوحدة الناشئة
لكنني كنت أشعر بداخلي أن هذا لم يجب على السؤال: لماذا نحمل السلاح في منطقة مكتظة بالسكان؟
أجاب شاب تظهر عليه آثار إصابات حول عينيه بصراحة حين قال: “إذا حققنا مكاسب سياسية، فسوف نلقي بنادقنا”.
وأضاف: “لكن، ليس لدينا عملية سياسية، فالمستوطنون يهاجموننا في كل مكان ويتحتم علينا حماية أنفسنا “.
وأوضح مقاتلو المقاومة الجدد أنهم لا ينوون مواجهة أحداً سوى قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأن هدفهم هو تجنب المواجهة مع السلطة الفلسطينية، لكن إن لم تستطع السلطة وقف الهجمات الإسرائيلية، فحينئذٍ كان لا بد أن يتولى أحد ما ذلك”.
وبحسب السكان، فإن مخيم جنين يقع في موقع معرض للخطر بشكل خاص، حيث يتمركز أسفل تل مرتفع يمكن القناصة الإسرائيليين من استهدافهم بسهولة، مما يجعل الأهالي يلجأون لمد البيارق في الشوارع في بعض المناطق لحجب المشاة عن نظر القناصين المحتملين.
إن هذه الهشاشة تضيف بعدًا آخر للبراغماتية الناشئة داخل المخيم، في ظل عدم وجود رؤية لحركة تحرر وطني أوسع، إذ يبذل الناس ما في وسعهم من أجل الصمود والدفاع عن أنفسهم، وكما قال أحد السكان، “كي لا نموت بصمت”.
ومع هذا المشهد، يتضح أن إحدى السمات الرئيسية للمخيم تتمثل في الوحدة التي باتت تتطور، سواء بين الفصائل السياسية أو بين الأجيال.
فالأجيال الأكبر تروي تاريخ المخيم، وتقدم الدعم المعنوي، وتضمن تلبية الاحتياجات اليومية للعائلات، والجيل المتوسط ممن هم في سن الأربعين والخمسين يركزون على دروس الانتفاضة الثانية، ويتدخلون في أي خلافات قد تنشأ، أما الشباب في العشرينات والثلاثينات من العمر، فهم الجيل الجديد من المقاومة.
ويقدر السكان أنه لا يوجد سوى بضع مئات من المقاتلين المسلحين من بين أكثر من 15 ألف شخص في المخيم، بينما يعمل شبان آخرون على بناء هياكل للدفاع المدني وتحصينات المخيم.
لقد سلط هؤلاء الشباب الضوء على أهمية المقاومة الشاملة، مشيرين إلى أن “الكلمات قد تكون أهم عامل في الصراع”، فهم يرحبون بالمناقشات النقدية، ويعتقدون أن الموسيقى والفن جزءان أساسيان من معركتهم، ففي الليل يجتمع الناس في المخيم ويغنون معًا ويتبادلون النصائح.
وبعد مغادرتي المخيم، فهمت أن مصطلح “استسلام” لم يكن موجودًا في القاموس هناك، كما أن الافتقار إلى عملية السلام إلى جانب اليأس المتفشي واحتلال لا يزال يتعمق، فإن الأيام ستسمر في إثارة أنواع جديدة من المقاومة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)