بقلم محمد سلامي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد تحول الوضع الاقتصادي في مصر اليوم إلى أزمة وطنية حقيقية، بواقع أحد أكبر 3 اقتصادات منهارة في الشرق الأوسط وثانيها في قارة إفريقيا، فتدخل الجيش في اقتصاد البلاد وضعف العملة الوطنية والأزمة في أوكرانيا، بالإضافة إلى الوضع بعد جائحة كورونا والقروض الدولية العديدة، عوامل اجتمعت لتزيد الوضع خطورة.
اعتمدت السلطات المصرية في الغالب على مساعدة حلفائها التقليديين من العرب وفي الغرب، الذين حصلت على دعمهم من خلال العمل على تعزيز القيم الغربية في المجتمع والحفاظ على التوازن في العلاقات مع القوى الإقليمية.
باتت مصر تحتل المركز الثاني بحصولها على أكبر مبلغ من القروض المجمعة في تاريخ الصندوق الدولي بعد الأرجنتين!
تدريجياً، أدركت القاهرة أن هذه المساعدات كانت مصحوبة بشروط مسبقة، من شأنها إرهاق الاقتصاد المصري، مثل قروض صندوق النقد الدولي، أو توجيه الثروة خارج البلاد إلى مستثمريها العرب في الخليج.
على إثر ذلك، سعت مصر مؤخراً إلى تنويع مصادر مساعداتها الخارجية وتعزيز علاقاتها مع حلفاء آخرين، خاصة الموجودين في الشرق الأقصى.
حلفاء متشددون
في نوفمبر عام 2016، حصلت مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وذلك في أعقاب ثورة يناير 2011 وما تلاها من انخفاض عائدات قناة السويس، بعد ذلك، أدى التدهور الاقتصادي المستمر إلى موافقة الصندوق على قرضين إضافيين بقيمة 2.72 مليار دولار و5.2 مليار دولار على التوالي، في محاولة لمواجهة جائحة كورونا.
لاحقاً، حصلت الحكومة المصرية أيضاً على الموافقة على قرض رابع بقيمة 3 مليار دولار في ديسمبر عام 2022، وبذلك باتت مصر تحتل المركز الثاني بحصولها على أكبر مبلغ من القروض المجمعة في تاريخ الصندوق الدولي بعد الأرجنتين!
الشرط الأهم للصندوق الدولي كان خصخصة الأصول الحكومية، رغم قبضة الجيش على الاقتصاد، كما أوصى الصندوق بالتباطؤ في بناء المشاريع الضخمة، والتحول إلى سعر صرف عملة أكثر مرونة، فكانت تلك الشروط مخيبة لآمال المسؤولين في القاهرة، الذين يلومون الشعب على الأزمة الحالية، خاصة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
يعتقد المسؤولون في مصر أن الجنيه القوي هو علامة على الائتمان الوطني، ووسيلة لإدارة مستويات الدين الخارجي والتضخم وكلفة استيراد المواد الأساسية، بما في ذلك مواد البناء للشركات العسكرية العاملة في مشاريع البناء والبنية التحتية، باعتبارها وسيلة لكسب دعم الشعب للنظام، وتعزيز العلاقات بين الجيش والسيسي، وزيادة الناتج الإجمالي المحلي.
المفارقة، أن السيسي تعهد، وعلى عكس تعهداته مع صندوق النقد الدولي، في مؤتمر في أكتوبر الماضي، بمواصلة المشاريع الوطنية واستمرار نشاط الجيش الاقتصادي، وعلى أرض الواقع، أدت شروط الصندوق الأخرى، مثل الإلغاء التدريجي لدعم الوقود، إلى زيادة الإحباط والضغوط بين الطبقة المتوسطة والعمال المصريين.
من جهته، دعم الاتحاد الأوروبي، الحليف التقليدي لمصر والذي يساهم بحوالي 1.3 مليار دولار سنوياً في دعمها، شروط القروض، فيما قامت الولايات المتحدة بتخفيض أو حتى سحب الدعم في بعض الفترات، فعلى مدار عامين متتالين، أوقفت واشنطن 130 مليون دولار من إجمالي 1.3 مليار دولار مخصصة لمصر سنوياً كمساعدات عسكرية، كما قام السيناتور الأمريكي، باتريك ليهي، بحظر مساعدات أخرى بقيمة 75 مليون دولار في أوائل عام 2022، في خطوة ألقت بظلالها على علاقات القاهرة مع واشنطن.
الشروط الصارمة التي فرضها صندوق النقد الدولي وانخفاض استعداد الخليج للمساعدة المفتوحة، أجبر القاهرة على البحث عن شركاء جدد، شركاء شرقيين بقيود أقل
أما بالنسبة لدول الخليج، الحليف الثاني الرئيسي لمصر، فقد لعبت مصر دوراً رئيسياً في المساعدة على استقرار المنطقة وتوفير الأمن، مقابل دعم الاقتصاد المصري، فمنذ عام 2013، منحت الأنظمة العربية مصر 12 مليار دولار من أجل تحقيق الاستقرار بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي ضد الرئيس السابق محمد مرسي.
اليوم، لم تعد مصر تتمتع بمساعدات مالية مجانية ومفتوحة من قبل حلفائها كما في السابق، فقد مارست دول الخليج ضغوطاً متزايدة على السيسي لتلبية متطلبات صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات، في وقت بدأت فيه دول الخليج تطوير خطط اقتصادية منوعة والبحث عن مصادر إيرادات بديلة للنفط، مثل ما يسمى “رؤية المملكة العربية السعودية 2030”.
لقد تغيرت خطة دول الخليج في مساعدة الدول الأخرى، فقد بدأت بإعطاء الأولوية للاستثمارات بدلاً من المساعدات المباشرة أو الودائع أو المنح، فخلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 18 يناير 2023، أعلن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، أن المساعدات السعودية لن تكون إلا بشروط من الآن فصاعداً، حيث قال “كنا نقدم المنح والودائع المباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك الآن”، ورغم أنه لم يذكر مصر بالاسم، إلا أن ذلك كان مفهوماً.
تعد مصر أول دولة إفريقية تحصل على سندات الباندا الصينية، حيث تعتبر القروض ذات الفائدة المنخفضة التي قدمتها الصين لمصر بقيمة 500 مليون دولار جذابة للغاية
في فبراير الماضي، أعلنت مصر عزمها بيع 32 شركة مملوكة للدولة لزيادة احتياطيات النقد الأجنبي، فأبدى المستثمرون السعوديون والإماراتيون اهتماماً كبيراً بالاستثمار في تلك الشركات، فقام صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية بإنفاق ما قيمته 3.1 مليار دولار للاستحواذ على حصص أقلية كبيرة في أقوى تلك الشركات.
استحوذت أبو ظبي والرياض أيضاً على أسهم رئيسية في أكبر شركتين لإنتاج الأسمدة في مصر، 41.5% من شركة أبو قير للأسمدة، و45% من شركة موبكو، كما تعد أبو ظبي أكبر مساهم خاص في البنك التجاري الدولي المصري، حيث اشترت ما قيمته 17.5% في أبريل عام 2022 مقابل 911.5 مليون دولار.
أولويات جديدة
رغم كون الحلفاء التقليديين للقاهرة عنصراً حيوياً للاقتصاد المصري، إلا أن الشروط الصارمة التي فرضها صندوق النقد الدولي وانخفاض استعداد الخليج للمساعدة المفتوحة، أجبر القاهرة على البحث عن شركاء جدد، شركاء شرقيين بقيود أقل.
أهم هؤلاء الحلفاء الجدد هي الصين، الأكثر نفوذاً بين الجدد، فالشراكة الاقتصادية مع مصر لا تمنح بكين فوائد اقتصادية فحسب، بل ثقلاً جيوسياسياً أيضاً، بالنسبة للصين، تمثل مصر شريك طريق مهم لتبدأ به، ولا يمكن تجاهله لأن اقتصاد مصر أكبر من أن يُسمح له بالانهيار.
على مدى العقد الماضي، أصبحت الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين والمستثمرين في مصر، فقد اجتذبت مصر نحو 28.5 مليار دولار من الاستثمارات الصينية بين عامي 2018-2019، مما جعلها أكبر مكان للاستثمارات الصينية في العالم العربي، فقد أوجدت تلك الاستثمارات حوالي 24 ألف فرصة عمل، بالإضافة إلى تحول الصين لأكبر مستثمر في منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري في السويس.
من ناحية أخرى، سعت الصين إلى مساعدة مصر في سداد ديونها، فقد قدمت بكين، حتى الآن، قروضاً طارئة دون ضغط على مصر للسداد من أجل مساعدتها في ضبط سياستها الاقتصادية، فبكين تميل إلى اتباع مسار مستقل، بدلاً من التنسيق مع الدائنين الآخرين وصندوق النقد الدولي، فأصبحت الصين رابع أكبر دائن لمصر بقيمة 8 مليار دولار.
من جانب آخر، تعد مصر أول دولة إفريقية تحصل على سندات الباندا الصينية، حيث تعتبر القروض ذات الفائدة المنخفضة التي قدمتها الصين لمصر بقيمة 500 مليون دولار جذابة للغاية، خاصة وأن مصر عليها سداد ديون بقيمة 11.4 مليار دولار لصندوق النقد الدولي وحده خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وتعد الهند، باعتبارها اقتصاداً متسارعاً، حليفاً آخر محتملاً لمساعدة مصر على الخروج من أزمتها الاقتصادية، فمصر ثاني أكبر مستورد للقمح في العالم بعد الصين، وبعد الحرب في أوكرانيا، بدأت بالبحث عن مصادر جديدة للحبوب، لذلك لجأت القاهرة إلى استيراد شحنة كبيرة من القمح من الهند، رغم حظر الأخيرة لتصديره بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، إلا أنها أعطت مصر استثناءاً وصدرت 61 ألف طن من القمح لمصر.
إضافة إلى ذلك، حصلت مصر على في يونيو الماضي على خط ائتمان بقيمة غير محددة من الهند لواردات الغذاء، وهو أمر كانت الهند قد فعلته مع سريلانكا قبل ذلك.
من العلامات الأخرى التي تدل على حرص القاهرة على التنويع الاقتصادي والتوازن الجديد مع الحلفاء التقليديين، دخولها كشريك في منظمة شنغهاي للتعاون وطلبها الانضمام إلى مجموعة البريكس، بالإضافة إلى بوادر إمكانية الاستغناء عن الدولار في التجارة مع روسيا والصين وتركيا، ورغم ذلك، ما زالت مصر تتقدم ببطء في هذا السياق، وتعطي أهمية أكبر لداعميها التقليديين في الغرب والخليج.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)